-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جبهة ضد الديمقراطية الليبرالية.. ونحن؟

جبهة ضد الديمقراطية الليبرالية.. ونحن؟

يَعرف العالم اليوم جبهة واضحة المعالم ضد الديمقراطية الليبرالية، إما في شكل ديمقراطية وطنية (نموذج روسيا)، أو اشتراكية روحية (نموذج الصين) أو جمهورية إسلامية (نموذج إيران) أو ديمقراطية حضارية (نموذج تركيا) أو ديمقراطية شعبوية (ترامب والتيارات اليمينية في الغرب الليبرالي ذاته). وقد سبق هؤلاء جميعا العقيدُ معمر القذافي بطرحه نظام “الجماهيرية” كبديل لكل هذه التصنيفات. يعني هذا أننا اليوم أمام تحوُّلات عميقة في طبيعة النظم السياسية التي تحكم العالم. لم يعد بالإمكان الحديث عن ديمقراطية واحدة. وليس من الموضوعي رفع شعار بناء نظام سياسي ديمقراطي في المُطلق دون ضَبطٍ للمصطلح وخلفياته.

لقد سَمَّى المفكر الروسي “الاسكندر دوغين” هذه العملية بالنظرية السياسية الرابعة، أي أنه على كل أمة من الأمم أن تجد لنفسها الإطار الأنسب لممارسة الحكم بعيدا عن الدكتاتورية والديمقراطية الليبرالية التي جاءت لتحطيم الدولة الوطنية ولنشر قيم عالمية تقضي على الهويات والخصوصيات الثقافية المحلية وتنشر الشذوذ والإلحاد.

ولعلنا اليوم في مفترق طرق للقيام باختيار عقلاني ومحسوبٍ لشكل نظامنا السياسي. لا يكفي رفعُ عناوين أو شعارات هنا وهناك قد تحمل محتوياتٍ متناقضة، أو غامضة أو غير مفهومة.

صحيحٌ أن غالبيتنا ترفع أهدافها ببراءة، مثل الحرية والعدالة الاجتماعية ورفض الاستبداد، ولكن التجارب التاريخية بَيَّنت، أن مثل هذه الغايات ما كانت أبدا خالية من إطار نظري يُغلِّفُها، وقد تُستَغل لأغراض مناقِضة لها تماما. لقد استغَلَّت النازية مفاهيم براقة كالاشتراكية والقومية لِتُؤسِّسَ لِأَعتى دكتاتورية في العالم، وتتسبَّب في مقتل عشرات الملايين من البشر. واستغلت الليبراليةُ الحريةَ لِتتحكّم أقليةٌ في اقتصاديات العالم، على حساب الملايير من المحرومين، ولِتَفرِضَ إضافة على ذلك قيمها المتفسِّخة التي يُرمز لها بالشذوذ والمِثلية والإباحية وانعدام الأخلاق والإلحاد… الخ.

لذا، فإنه علينا اليوم أن نعلم طبيعة النظام السياسي الذي نتطلع إليه. وأن نَفتح نقاشا على هذا المستوى حتى لا نُخطِئ الطريق كما فعلنا غداة الاستقلال مع الاشتراكية ثم ألغيناها بعد نحو 30 سنة من التجربة بما لها وما عليها. إنه من غير السليم اليوم أن نبقى حبيسي تجارب الآخرين، أو أن نستمرَّ في اعتماد أسلوب الصواب والخطأ. إننا نملك خبرة تاريخية، وتراثا ثقافيا غنيا في مجال الممارسة السياسية فضلا عن الدين الإسلامي الذي تعتنقه غالبيتنا الساحقة.

علينا (نحن) الحفر في هذا المخزون لبلورة نظريتنا السياسية الخاصة. بدل الانقسام بين أتباع هؤلاء وأتباع هؤلاء. لن تَحكُم العالمَ نظريةٌ واحدة أو قيمٌ واحدة في العقود القادمة. وزمن العولمة القيمية وعولمة النظام الواحد قد توقَّف حتى لدى الليبراليات الغربية ذاتها. وقد كانت الترامبية (دونالد ترامب) في أمريكا إحدى مظاهره، حيث الدفاع عن الوطنية و”أمريكا أولا” أحد شعاراته، وكذلك الأمر بالنسبة لألمانيا اليوم، وغدا فرنسا وبريطانيا كديمقراطياتٍ تقليدية.

وعندما أقول نحن، يُفترض أن ذلك يتعلق بالنطاق المغاربي أولا، ثم النطاق العربي والإفريقي والإسلامي. هذه الكتلة الكبيرة من البشر ذات المساحات الشاسعة والتي تتوسَّط العالم، ليس من المبالغ فيه أن تتطلع إلى نظامها السياسي الخاص انطلاقا من خصائصها الذاتية، بعد أن تم إجهاض محاولاتها السابقة سواء أكانت إسلامية أو وطنية. وعلى جيل اليوم أن يكون أكثر وعيا، وأن يكون حريصا على تماسك دُوَلِه الوطنية في نطاقها الحضاري، وأن يُدرِك تمام الإدراك طبيعة ومآلات الشِّعارات التي يحملها… لقد كُنَّا بالأمس ضحيَّة صراع بين الشرق والغرب، يتلاعب بنا الطرفان، أما اليوم فالفرصة مُتَاحة لنا لأن نكون كما نحن في ظل عالم متعدد الأقطاب ومتنوع التجارب والأفكار، ولتكن مساحة أملنا الثانية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • جلال

    من الأحسن قراءة فواصل التكليف وعلم الكشف لأبو جرة أو المستطرف في كل فن مستظرف للأبشيهي لتفهم عالم اليوم بدل ما يهرطق به المهرطقون !! هل تعتقد إن لنا تراثا ثقافيا غنيا سياسيا في ظلال السلطان وحريم السلطان؟ لقد وضع السيف والرمح في المتاحف, كما قال عالم الإجتماع العراقي علي الوردي, ليتفرج عليهما الناس أو يضحكون عليهما ولكن بقيت نفس أدوات التفكير والمنطق القديمين, يجب أن توضع في المتاحف هى كذلك.

  • مهلوب

    جبهة ضد الديمقراطية الليبرالية.. ونحن؟ لا محل لنا من الاعراب ولا يمكن مقارنتنا بروسيا أو الصين أو حتى جمهورية ليتونيا أو التشيك............. فهذه شهوب تفتحت عقول أبنائها وسكنت المعرفة جحورها ..... في وقت لا نزال نحن نعيش في عصور الخزعبلات والدروشة وبالتالي وبالتالي فالأولى جبهة ضد الجهل وبعدها لكل حادث حديث .

  • عمر عمران

    تصور مثلا أن الديموقراطية في روسيا مثلا تسمح لبوتين أن يبقى في الحكم إلى غاية عام 2036..وفي الصين مدى الحياة.. والغريب أن الغربيين لا يعلقون على ذلك ولا ينقدونه..وبرون ذلك شأنا داخليا الا بعض الأصوات القليلة المحتشمة.. أما في الدول العربية فشعوبها بين نقيضين.. الأول عبارة عن سلطات ترفض تسليم السلطة للشعب بحجة المؤامرات الخارجية وتقسيم البلاد.. أما النقيض الثاني فهو بعض المثقفين الذين لا يزالون يؤمنون بدولة القيم العالمية المشتركة التي جاء المقال لبيان حقيقتها.