الجزائر
انتقادات لإطلاق المشروع في ظل غياب الإمكانات وتشتت العائلات

جدل بين المختصين والأولياء بسبب التعليم عن بعد في زمن الوباء

وهيبة سليماني
  • 3000
  • 11
ح.م

التعليم دون التنقل إلى المدرسة، حلم لطالما راود تلاميذ ينهضون صباحا مكرهين، مرغمين، ومجبرين، وهم يلازمهم الكسل، خاصة أيام البرد والمطر، او يثقلهم شعور من عدم الرغبة في رؤية أحد الزملاء المزعجين، أو هاجس التقيد بالبقاء في جو قسم لا يشعرون فيه بالانسجام سواء مع بقية التلاميذ او الأستاذ.. ولطالما عانى تلاميذ من المشي مسافات طويلة تحت المطر او أشعة الشمس الحارقة للوصول إلى المدرسة.. الحلم تحقق، والتعليم عن بعد اصبح رسميا بقرار وزارة التربية، ولكنه حلم مجسد في زمن الوباء!

أكد مختصون أن اكثر من 9 ملايين تلميذ جزائري لا يتشابهون في ظروفهم الاجتماعية والنفسية والبيئية، ولا في المحيط الأسري ولا في إمكانات ووسائل من شأنها تسهيل تلقي الدروس وفهمها عن بعد وهم وسط العائلة، فهل يستوي التلميذ الذي يسكن السكنات الهشة  والأقبية بالتلميذ الذي يسكن الفيلات والشقق المحترمة ويملك غرفة خاصة به.. وهل تلميذ المدينة مثل تلميذ المناطق النائية في مناطق الظل في القرى والمداشر المعزولة؟! سؤال طرحه مختصون في علم الاجتماع وعلم النفس لتأخذه وزارة التربية الوطنية بعين الاعتبار وتبحث عن إيجاد خطة استشرافية من شأنها الحد من حجم أسئلة مماثلة قد يطرحها أولياء التلاميذ الذين لا يرضيهم قرار تتبع دروس الفصل الثالث لجميع الأطوار، عبر التلفاز والانترنت، في ظل غياب الإمكانات والمتابعة.. هذه الأسئلة، التي لا تحتاج لإجابة شفهية، بل إلى تجسيد يأتي مع تجسيد القرار الأول، أو بعده.

زبير عروس: حلول غير واقعية تحتاج إلى إجراءات إضافية

انتقد، أستاذ علم الاجتماع السياسي، زبير عروس،  قرار وزارة التربية القاضي ببداية تعليم التلاميذ عن بعد عن طريق التلفزيون والانترنت، واصفا إياه بالبعيد عن الواقع قائلا “هل فكرنا في التلاميذ عبر ربوع الوطن وعبر المناطق النائية! “.

وأضاف الأستاذ زبير عروس، ان الحلول غير واقعية، رغم ان النية سليمة، ولكن النية السليمة “تخرب الأوطان”، حيث يرى انه من غير الطبيعي أن نتميز بغير الواقعية، ونحن في أزمة، والمجتمع منقسم في ذاته، وتوجد فئة، لا تؤمن، بحقيقة خطورة كورونا.

وأكد الباحث في علم الاجتماع السياسي، زبير عروس، أن فترة الحجر الصحي، ليست مرحلة لإصدار قرارات دون دراستها جيدا، وان الحلول الميدانية تأتي بعد التحكم في وباء كورونا، حيث يمكن حسبه، الانتقال من الدروس العادية في المدارس إلى الدروس المكثفة وإضافة ساعات تمتد إلى العاشرة ليلا.

وقال عروس، إن الحالات الاستعجالية تتطلب تضحية، ومضاعفة الجهد، حتى المسؤولين، يضيف، لا يلامون في مثل هذا الظرف، مشيرا إلى أن الظرف الاستثنائي يتطلب ثورة والالتزام بتصرفات معينة، وفِي تاريخ الجزائر ألزمت ثورة التحرير التقيد بنظام معين تطلب التحلي بالتضحية والصبر.

بن حليمة: قرار الوزارة لا يتماشى مع المنظومة التربوية

من جهته، قال الدكتور مسعود بن حليمة، المختص في علم النفس، إن تعلم التلاميذ خلال مرحلة الحجر الصحي، عن طريق تقديم دروس عبر التلفزيون، والإنترنت، لديه جانب إيجابي وآخر سلبي، ولكن يبقى كخيار بدل ان تنتهي السنة الدراسية بيضاء .

وفيما يخص الجانب الإيجابي، اعتبر بن حليمة، ان الدروس التدعيمية، تساعد التلميذ الماكث في البيت، لتفادي عدوى كورونا، ان يحافظ على العلاقة الفكرية بالمدرسة، وعلى راحته النفسية، وسلوكه المتزن، حيث يشعر التلميذ، وحسب، بن حليمة، انه محاط بالعائلة، وبعيدا عن مراقبة الأستاذ له، وضغوطات جو القسم، وإزعاج بعض الزملاء له.

وقد يؤثر الدور الإيجابي في رأي بن حليمة، على الطفل اثناء تتبعه للدروس من خلال التلفزيون، وذلك بالتحفيز وتهيئة الظروف المحيطة به.

ويتمثل الجانب السلبي، بالنسبة للأستاذ مسعود بن حليمة، والذي يتركه قرار وزارة التربية المتعلق بتفعيل جهاز الدعم المدرسي، عن طريق الانترنت والتلفزيون، بالظروف السكنية والأسرية للتلميذ، حيث يعتبر بمثابة إقصاء، لشريحة واسعة من أطفال يعيشون، في مناطق نائية وفِي البيوت القصديرية والسكنات الهشة، والأقبية، والمحشورين مع إخوتهم والوالدين، في غرفة واحدة، كما ان حسبه، هناك فئة من التلاميذ، محرومة من التلفزيون، فما بالك الانترنت، فهي مهمشة تماما.

وطرح الدكتور مسعود بن حليمة، المختص في علم النفس، إعطاء فرصة للتلاميذ الذين لا ينجحون في امتحانات نهاية الطور الدراسي، إعادة السنة، دون أخذ السن بعين الاعتبار، وقال إن قرار الوزارة لا يتماشى مع المنظومة التربوية المتوازنة، هذه الأخيرة التي يراها انها غير ناجحة في الجزائر بالنظر إلى دورها السلبي لاسيما فيما يتعلق باستيعاب الدروس، وإدراكها، حيث ان الطفل في بلادنا يدرس المناهج المدرسية نظريا وليس تطبيقا، وهدا الشيء الذي يجعله يجد مشكله بعد تتبعها عبر التلفزيون.

ودعا بن حليمة، إلى خطة استشرافية تعتمد عليها وزارة التربية، في مواجهة الكوارث مستقبلا سواء كوارث مثل الفيضانات والزلازل، أو كوارث صحية مثل كورونا الفيروس المستجد.

ممثل لجنة التربية في مجلس الأمة ،قريشي: القرار سليم

وفِي السياق ذاته، وصف عضو مجلس الأمة وممثل لجنة التربية والشؤون الدينية، عبد الكريم قريشي، خطة وزارة التربية، لمواجهة أزمة كورونا، من خلال تقديم دروس نموذجية، عبر التلفزيون العمومي، وتفعيل جهاز الدعم المدرسي بالانترنت، بـ”الحل السليم”، لكن يجب حسبه، ان يرفق بدروس مكتوبة ترسلها مديريات التربية إلى عناوين التلاميذ، وقال إن كل العوامل السلبية التي يحملها التلميذ إلى القسم كتعب المشي مسافات طويلة تصل إلى 10 كيلومتر، وغياب وسائل النقل، يحملها بعد خضوعه للتعليم عبر التلفزيون والإنترنت وهو في منزل ووسط أسرة تختلف ظروفها بين بقية زملائه.

وأكد قريشي، أن فكرة تلفزيون تعليمي جيدة وتحتاج إلى خطوات لتعميق الفكرة اكثر.

جمعية أولياء التلاميذ: نرحب بالقرار وعلى الأولياء مساعدة ابنائهم

رحبت في السياق، جمعية أولياء التلاميذ بقرار وزارة التربية القاضي باستكمال المناهج المدرسية للفصل الثالث عن طريق دروس الدعم عبر التلفزيون وموقع ديوان التعليم والتكوين، وقال رئيس الجمعية، احمد خالد، إن غياب اَي بديل آخر خلال هذا الظرف يحتم على أولياء التلاميذ تقبل الأمر ومتابعة ابنائهم وتحفيزهم وتوفير الراحة لهم لتتبع الدروس الكترونيا او عبر التلفزيون، ويرى أن هذا الإجراء سوف يجنب التلميذ الذهاب للشارع، والاستمرار في النشاط التربوي، والتكنولوجي.

وأوضح، خالد احمد، ان هناك فئة من التلاميذ تعيش فقرا مدقعا، وقد لا تملك تلفازا، لكن يضيف “كما هناك من لا يملك تلفازا، هناك من يصعب عليه ركوب حافلة او شراء خبزة، لأنه لا يملك 10دنانير”.

وأكد ان 35 بالمائة فقط من مناهج البرنامج الدراسي، بقيت، وفِي حال السيطرة على كورونا، قبل 19 افريل الجاري، يمكن استدراكها، حيث تعاد الدروس حسبه، في شكل حصص مكثفة وسريعة استدراكية، وخلال يوم كامل بالسبت ونصف يوم بالثلاثاء مساء.

واقترحت جمعية أولياء التلاميذ، فِي انتظار استشارة وزارة التربية واولياء التلاميذ وموظفي القطاع، اجراء امتحانات البيام والبكالوريا شهر سبتمبر القادم، في حال الخروج من أزمة وباء كورونا.

مقالات ذات صلة