-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تعرضوا لنشر صورهم ومحادثاتهم على مواقع التواصل

جزائريون ضحايا خيانة المجالس

كريمة خلاص
  • 1905
  • 0
جزائريون ضحايا خيانة المجالس
أرشيف

انتشرت، في الآونة الأخيرة، ممارسات لا أخلاقية وسط شريحة من الجزائريين الذين يسيئون استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الحديثة، ويخونون المجالس بإذاعة ونشر معلومات وصور وحتى محادثات في مجموعات افتراضية، تتسبب في الوقيعة بين الأشخاص وتؤذيهم في حياتهم الاجتماعية والمهنية، وهي ممارسات مسيئة جعلت الجليس لا يأمن جليسه وانتهكت سترا أمر الله بحفظه…
ويؤكد كثير من المواطنين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي أنهم وقعوا ضحية لهذا النوع من السلوكات غير الأخلاقية من قبل أشخاص كانوا يعتقدون أنهم أهل ثقة، لكن للأسف، غدروا بهم وطعنوهم في الظهر.. فمنهم من نقل عنهم كلاما في غير محله ومنهم من صوّرهم في أماكن لم يرغبوا بذكرها ومنهم أيضا من سجلهم في دردشات فضفضوا خلالها عن بعض الهموم والمشاكل الخاصة لاستغلالها في ما بعد ضدهم، ما فتح عليهم “أبواب” جهنم وأدخلهم في دوامة من المشاكل المهنية والعائلية..

سلوكات وضيعة تحدث الشقاق والقطيعة
وقد شاعت هذه الظاهرة بشكل كبير دون استئذان المعني الذي يتفاجأ بتداول صوره في نطاقات لا يرغب فيها أو تداول محادثات له ضمن مجموعات مهنية أو عائلية تنسخ وتحوّل إلى أطراف أخرى بنية الأذية.
وإلى ذلك، قد يسجّل البعض مكالمات الآخرين ويسمعها لآخرين للتدليل على كلامه وإفشاء أسرار ائتمن عليها أو تصوير أشخاص في أماكن وتحويلها دون علمهم وحتى فتح مكبّرات الصوت لمكالمات هاتفية أمام الغير دون علم المتحدث وغيرها من الممارسات الأخرى المشينة وغير محمودة العواقب.
وتتسبب هذه السلوكات الوضيعة في آثار سلبية ومدمرة للعلاقات الاجتماعية حيث تفشي الأسرار وتقطع الأواصر وتقضي على العلاقات وتوغر الصدور وتؤلم النفوس، كما أنّها تفقد الثقة وتبثّ الريبة وتهتك الستر وتنتهك حُرُمات وخصوصيات الأفراد، فترفع الجاهل وتحط من قدر العالم المتخلّق..

كل ما كان فيه مفسدة فهو محرم
وفي هذا السياق، أفاد الإمام سليم محمدي، في تصريح لـ”الشروق”، بأنّ الدين الإسلامي يمس كل الأحكام والتصرفات وذلك ضمن الأحكام التي تحقق المصالح وتتجنب المفاسد… فكل ما كان فيه مصلحة لا بأس به وكل ما كان فيه مفسدة فهو محرم محظور والأمر ينطبق على المحادثات والكلام والدردشات.
وأوضح محمدي أنّ المستويات الأربعة للأحكام الشرعية هي مستوى الترغيب والحث ومستوى الإباحة والجواز ومستوى الحذر إلاّ أن يعطى الإذن ومستوى عدم الجواز إن كان فيه من الدين والمروءة.
وفصّل الإمام سليم محمدي في تلك المستويات التي تحكم أمانات المجالس حيث قال إنّ مستويات الأول يستحب فيه إشاعة ونشر بعض المحادثات من باب الندب والترغيب، لما فيها من فائدة شرعية ونصائح وحكم من غير أن يأذن فيها من باب تعميم الفائدة المحضة بدون استئذان حيث يستحب للطرفين النشر والإذاعة ولصاحب النشر والإذاعة أجر.
أمّا المستوى الثاني فتحكمه الإباحة بمعنى الجواز وليس فيه منع كان يتحدث الأشخاص عن أمور عامة الطبيعة وجمالها مباريات بضوابط معينة رياضة وفرق وانتصارات ليس فيها ذم ولا مدح وليس فيها منع من النشر.
وعلى خلاف هذين المستويين، فإنّ المستوى الثالث يحتاج صاحبه إلى إذن لما تتضمن من بعض الخصوصيات لكنها غير ضارة غير أنّ تخوفا من المتلقي أو المستمع هو ما يدفع إلى السؤال والاستئذان.
وفي المستوى الرابع والأخير الذي شاع في المدة الأخيرة تحت نوايا سيئة فيحرم ويمنع فيها نقل ما يدور في المجالس مصداقا لقول الرسول- عليه الصلاة والسلام- الذي قال: “المجالس بالأمانة”. وكان يقصد هذه الأمور لما فيها من خصوصيات ضارة أو كانت أجوبة لأمور مؤقتة وطارئة وفي سياقات معينة، ما ينبغي أن تخرج وإن كانت في ذاتها غير مضرة لكن الغالب الأعم الذي يقرأها وتنشر على مسامعه يفسرها تفسيرا سلبيا أو كانت محادثة غير لائقة أو تضمنت شتائم أو سباب اقتضته انفعالات بين الطرفين فهذا كلّه لا يجوز أن يفضح أمام الغير لكشفه وكشف حسابه ومواقفه.. في حين إنّه يعلم أنّ الرأي كان في سياق معين ولّدته انفعالات وتوترات ولا يمكن أن يعبر عن شخصيته وإنما بسبب ضغط نفسي أو واقع أو غيرها من الأمور.

إفشاء ما يدور في المجالس دون استئذان غير جائز
من جانبه، أفاد الدكتور محمّد بلغيث، أستاذ جامعي في العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر، وإمام خطيب، في تصريح لـ”الشروق” بأنّ أفضل نصيحة تقدم لمن يحضر في المجالس أن يعرف ويدرك معنى قول الرسول- عليه الصلاة والسلام- “المجالس بالأمانة” ذلك أنّ الإنسان عندما يحضر في مجلس يكون مؤتمنا ولا يصح أن يفشي ما شاهده أو ما حضره وما قيل إلاّ بإذن من حضروا حتى عندما يطلب منا شخص رقم هاتف شخص آخر لا بد أن نستأذن صاحب الرقم قبل تقديمه، ولهذا يعتبر من الخيانة للمجالس والاجتماعات أن يخرج ما سمعه أو شاهده أو يسجله دون إذنهم، ثم يفشيه في مواقع التواصل الاجتماعي أو في قنوات ووسائط أو مجالس أخرى دون إذن الحاضرين.
ونهى بلغيث عن الاستمرار في تلك السلوكات قائلا: “من الأدب والمروءة ألا يخرج ما قيل بين شخصين أو أكثر في أي مجلس كان رسميا أو غير رسمي، خاصة إذا كان المجلس أخويا وعفويا أيّا ما كانت الغاية خاصة إذا كانت الأمور تضر بالذين حضروا، حتى عند إلقاء دروس أو نشاطات رسمية ينبغي الاستئذان في التسجيل والمشاركة على مواقع التواصل أو يبثوه على قنوات إعلامية، فما بالك بأمور دارت في سرية وفي نطاق ضيق، فهذا قد يفسد العلاقات الاجتماعية وقد يصبح نوع من النميمة..”
وأردف: “ربّما لم نتعمد عدم حضور شخص فيصل الأمر إلى الشخص الغائب فيتأثر أو ربما قيلت كلمات عارضة أو أخطأ شخص فذكر أسماء أشخاص أو هيئات أو جرّح فيها.. هذا لا ينبغي ومن باب هتك الستر على المسلم، أمّا إذا كان الأمر من باب الإصلاح فلا يكون بالمواجهات وتقديم الأدلة التي لا تأتي دوما بالنتيجة فليس بهذه الطريقة نعالج الأمور بين المسلمين وفي مجتمع مسلم يفترض فيه أن نثق في بعضنا البعض”.

المحامي بلحاج: هذه عقوبات التشهير بالمجالس
وأفاد فؤاد بلحاج، محام معتمد لدى المحكمة العليا ومجلس الدولة، في تصريح لـ”الشروق”، بأن المشرع الجزائري يتساير مع تطوّر المجتمع وما يستجد فيه من معاملات وتعاملات… وأنّ هذه الممارسات تدخل في باب التشهير وهو من الجرائم الإلكترونية التي يعاقب عليها القانون الجزائري بعقوبات تتراوح بين عام إلى 3 أعوام سجنا مع غرامة مالية من 50 ألف دينار إلى 80 ألف دينار.
وكشف المحامي بلحاج أنّ 80 بالمائة من الضحايا هم من النساء، أما الرجال فعادة ما يكونون من المرموقين في المجتمع، وغالبا ما يتم الانتقال في هذا المجال من التشهير إلى الابتزاز.
وتأسّف بلحاج للانتشار الكبير لهذا النوع من القضايا في المجتمع الجزائري التي يصل بعضها إلى أروقة المحاكم.. وتحدث من قبل أشخاص مقربين كانوا محل ثقة لابتزاز أصحابها أو الانتقام منهم، غير أن نسبة كبيرة تمتنع عن اللجوء الى العدالة فهنالك من المواطنين من يخاف أو يتجنب اللجوء إلى القضاء، لذا يلجأ للمسايرة لإخفاء المضمون أيا ما كان رسائل أو محادثات أو صور أو تسجيلات كي لا يفضح أمرهم…
وأضاف المحامي بلحاج: “حتى في بعض القضايا التي يحاول فيها بعض الضحايا الحصول على دليل أو اصطناعه فهذا ممنوع لأنه يصطدم بقانون يشترط الحصول على إذن النيابة لأن الأمر يمس بالحريات الشخصية للأفراد.”
واستشهد المحامي بالمحلات التجارية الموضوعة تحت مراقبة الكاميرات التي يجبر فيها أصحابها على تعليق لافتة تشير إلى أنّ المحل تحت المراقبة بمعنى حصول صاحب المحل على إذن ضمني بقبول التصوير.
وتحدّث المحامي أيضا عن جنحة التقاط صور دون استئذان أصحابها ويعاقب عليها القانون بمدة قد تصل إلى 3 سنوات وكذا عن قضايا مشابهة لتداول مضامين على نطاق خاص ضيق تندرج ضمن جرائم القذف حيث تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي من أساليب النشر، فالقذف هو نشر واقعة فعلية أو غير فعلية عبر وسائل الإعلام وبالتالي، فإنّ الفعل انتهاك ومساس بحريات الأفراد.
ولفت المحامي الانتباه إلى أنّ غالبية الجزائريين يجهلون هذه القوانين التي توفر لهم الحماية، خاصة أنّ هذه الحوادث أصبحت من الجرائم العادية التي تنتشر في المحاكم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!