-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
ما لا يقال

جزائريون في المنفى ومنفيون في الجزائر

جزائريون في المنفى ومنفيون في الجزائر

عندما يصير اليوم الذي يمضي أفضل من اليوم الذي تعيشه، ويصير اليوم الذي تعيشه أفضل من اليوم القادم فأنت تعيش حالة موت بطيء.

ويبدو أن هذه الحالة متواصلة لكن لا أحد يحرك ساكنا، وكأن الكل في حالة شلل كامل، فمن أين جاءت هذه الحالة؟ وكيف نستطيع أن يغيرها؟

 

تبادل مواقع أم حقيقة؟

ظاهرة تبادل المواقع في الحكومات الجزائرية متربطة بعدة ظواهر، تبدأ من التوازن الجهوي وتمر بالمحسوبية والولاء والنسب وتنتهي بالتورط في الفساد، بحيث صار في الجزائر وزراء متعددو الخدمات لهم استعدادات لأن يكونوا وزراء شركة القمامة الفرنسية في موريتانيا، فالوزير يقبل بمنصب مدير أو وزير دون حقبة، أو حتى اسم وزير دون منصب، هذه الحقيقة حولت الكفاءة إلى لعنة تصيب أصحابها بمرض الانعزال والعزلة، ولعل هذا ما حول الكثير من الوزراء “عمداء” في الكثير من المراحل السياسية، ومثلما كان أعداء الاشتراكية في الحزب الواحد وجوها للاشتراكية، صار أعداء التعددية في عهد التعددية وجوها للديمقراطية.

ومن نتائج هذه الحالة الموروثة والمتواصلة هي ظهور أمراض جديدة، منها أن السياسي صار مؤرخا، وتخلى عن وظيفته الحزبية، بعد أن اكتشف أنه أخطأ في فهم المجتمع الجزائري عام 1990، وأخطأ في استيعاب الانتماء إلى مسقط رأسه عام 2001، وها هو يخطئ في فهم تاريخ منطقته، ويطعن في استشهاد رموزها، وأمثال هذا السياسي كثيرون. والمؤسف أن أخطر الأمراض في السياسة هي تلك التي أصابت الجزائر بداية التعددية، فالذين أنشؤوا للجزائريين “معتقلات” في الصحراء رحلوا دون أن نذكرهم بكلمة خير، والذين أوقفوا إرادة الشعب تقاعدوا وأصبحوا على قائمة المطلوبين دوليا، ويكفي أنهم هربوا من فرنسا في طائرات رئاسية لن يركبوها مرة أخرى في الحياة، والذين حملوا السلاح وصعدوا إلى الجبال لارتكاب مجازر في حق الشعب سيبقون مجرمين، حب من حب وكره من كره، وسنسجل أسماءهم في قائمة القتلة حتى يأتي اليوم الذين يحاسبون فيه، وكل من ارتكب جريمة ستبقى تطارده مدى الحياة.

أما من نهبوا البلاد فإن الحديث عنهم وعن عائلاتهم سيبقى وصمة عار في جبينهم، وسيحاكمون عاجلا أم آجلا.

أذكر قصة حدثت، في مقبرة، أثناء جنازة أحدهم: حيث أوقف شرطي مواطنا كان داخلا إلى المقبرة وسأله: ماذا تريد؟ فأجاب المواطن: حتى يطمئن قلبي أنه لم يأخذه معه ما نهبه منا. 

لائيكيون، إسلاميون وطنيون أم تجار؟

وإذا كانت أمريكا قد عجزت عن توقيف تسرب النفط من أعماق خليج المكسيك والكارثة البيئية التي لحقت بالطبيعة والإنسان، وإذا كانت أوروبا قد عجزت عن وضع حد لرماد الحمم التي يقذف بها بركان إيسلندا، في السماء، وما لحق الإنسان من إضرار فهل تستطيع أمريكا أو الغرب أن تمنع الإسلام من الانتشار بمجرد منع النقاب أو إعطاء صلاحيات للحلف الأطلسي للتدخل خارج موطن أصحابه؟ وهل تستطيعان أن تحاربا أكثر من نصف مليار شيعي بالاعتداء على إيران أو منعها من التكنولوجيا النووية.

يبدو أن الأقطار العربية لا تستطيع أن تستوعب أن إيران ستصبح بلدا نوويا، لأن علماءها باعتهم لأمريكا والغرب وإسرائيل، ورموز مقاومة الاحتلال حولتهم إلى سهام للاغتيال، لكن الحقيقة هي أن الخلل ليس في البلدان العربية وإنما في “طبقتها السياسية”.

فالشيعة في العراق لم يستوعبوا أن الديمقراطية هي التداول على الحكم وليس “الحكم الأبدي للأغلبية العددية” وإنما هو حكم “الأصوات المعبر عنها” في الانتخابات. فالشيعة في العراق أغلبية عددية وليس أغلبية انتخابية، والمقاومة العراقية تضم شيعة وسنة وعربا من غير العراقيين، ومحاولة تضليل الرأي العام بأن القاعدة هي التي تحارب أمريكا في العراق هو تقزيم للمقاومة العربية العراقية.

والجزائر التي كانت سباقة إلى التعددية السياسية صارت نموذجا يقتدى به في الاستحواذ على الرأي والرأي الآخر، وتجربة رائدة في كيفية البقاء في الحكم أطول مدة بمشروع “اللا حكم”.

فمن يتأمل جوهر الحديث في الشارع الجزائري يجد أنه يتمحور حول عدة محاور، فهناك حديث عن عجز البرلمان بغرفتيه عن تجريم الاستعمار، وهو حديث لا يخلو من التضليل الإعلامي، لأنه بإمكان جبهة التحرير وحدها أن تتخذ القرار ويصدر التجويم رسميا، وبإمكان أحمد أويحيى أن يأخذ القرار ويجرم الاستعمار أما بقية الأحزاب فإن قرارها لتجريم الاستعمار يبقى مجرد “أسئلة شفوية” لحكومة أحمد أويحيى.

وما دامت السلطة في الجزائر ليست بأيدي قادة الأحزاب المشكلة لائتلاف الحكومة أو المعارضة، فإن الحديث عن تجريم فرنسا لن يكون إلا بمباركة “كوشنير” وبالعودة إلى بيت الطاعة لدى ساركوزي.

والجزائر أنقذت الشركات الفرنسية من الإفلاس، وأحيت أمواتها مثل “شركة الترمواي”، ولكنها عاجزة عن إنقاذ الشركات الجزائرية مثل شركة “إيباد” لأنها ذات تماس مع تجار التكنولوجيا في الجزائر.

صار منطق السلطة في تحسين أجور الموظفين والعمال مرهونا بقدرة هذه الفئة أو تلك على ممارسة الضغوط أو النزول إلى الشارع، فالشارع في الجزائر صار هو السلطة الوحيدة التي تسترجع حقك عبرها، والسبب هو انهيار السياسة والعمل السياسي في الجزائر، فالخط الفاصل بين اللائكي والإسلامي والوطني لم يعد له وجود، ولا تستغرب أن يكون اللائكي إسلاميا ووطنيا، أو يكون الإسلاموي لائكيا ووطنيا أو يكون الوطني لائكيا وإسلامويا.

من كان يتصور أن اللائكية تموت مع المرحوم الهاشمي الشريف، وأن قوة الحزب صارت من الجهة التي ينتمي إليها أو الجهاز الذي يقف وراءه.

من يعتقد أن الأحزاب اللائكية الجزائرية تفكر لائكيا فهو مخطئ، ومن يعتقد أنها تؤمن باللائكية فهو مضلل، لأن الأحزاب اللائكية التي كانت ناطقة باسم قادة الجبهة الإسلامية عندما كانوا تحت الإقامة الجبرية. وعندما تم تهميشها تحالفت مع بعض القيادات الإسلامية بل كانت تتردد على بيوتهم.

أما الأحزاب الإسلامية فبمجرد ما ذاق قياداتها قيمة وجودهم في البرلمان أو وزراء أصبحوا يبحثون عن صاحب القرار للتبرك به، والخضوع له، حتى أن بعض الأحزاب تحركت للإطاحة بقادة أحزابها بطلب من حزب كانوا يتصورون أنه يقود البلاد، وليس مجرد رقم مثلهم.

ومن قرأ “الغسيل المنشور” للإسلاميين في الصحافة الجزائر وبعض الفضائيات العربية، يكتشف البذاءة في بعض الكتابات المحسوبة على التيار الإسلامي.

مشكلة الأحزاب الإسلامية أنها تستفيد من “السقوط الحر” للجبهة الإسلامية، والنهاية المؤلمة لقياداتها. ولهذا كانت نهايتها الصراع من أجل “مباركة صاحب القرار” لهذه الفئة أو تلك.

ومن يتأمل الدور الذي قامت به تركيا مؤخرا بطلب من المجتمع الدولي، لدفع إيران إلى التوقيع على وثيقة تخصيب اليورانيوم خارج بلادها، يكتشف أن النهاية ستكون مثل نهاية بعض الأحزاب الإسلامية التي تلقت وعودا بوجودها بقوة داخل البرلمان إذا أقصت قيادتها، فإذا بها خارج البرلمان منبوذة. وحين تطعن أمريكا وأوروبا في الاتفاق الذي أشرفت عليه تركيا بالنسبة لإيران، ستكتشف تركيا أن الدور الذي أعطي لها هو لخدمة الغرب، وللتقليل من شأنها لدى الشارع العربي، بعد أن اكتسبته في غياب الدول العربية.

أما الحديث عن الأحزاب الوطنية فإنه لا يخلو من شجن، لأنها تسببت في الكثير من الأزمات، خلال التعددية السياسية، وشاركت في إنشاء ما يسمى بـ (الانقلابات العلمية) و(الحركات الإصلاحية بالعنف). وكانت النتيجة هي وجود ما يسمى بالأسرة الثورية في غياب المضمون الثوري لها، ووجود الجمعيات المؤثرة لـ “التيار الوطني”  في غياب وطنيين يؤمنون بذلك.

وهكذا تكاثر عندنا المجاهدون المزيفون وأبناء الشهداء المزيفون، وصار هناك منفى في الجزائر وآخر خارج الجزائر، فالسلطة صارت تفكر في أن يكون شهر رمضان الكريم هو شهر الفقراء، بحيث تخصص شيكات بعد أن كانت تخصص قففا، وكأن الأشهر الباقية من السنة لا يوجد فيها فقراء. هذا هو مضمون الوطنية، أن يصبح المواطن شحاذا وتصبح السلطة خلال شهر رمضان مأواه للهروب من الجوع لمدة 30 يوما فقط.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!