جزائريون يحولون “الصابرين” إلى فرض

لم يعد إقبال الجزائريين على صيام ستة أيام من شوال مقتصرا فقط على شريحة معينة من المجتمع ككبار السن، حيث أضحى المراهقون والشباب يقبلون على صيامها، بل إن كل أفراد الأسرة يستمرون في صيام أيام الصابرين مع الحفاظ على نفس مائدة رمضان وكأن الشهر لم ينقض بعد. بل يتسارعون لصيام ”أيام الصابرين” في ثاني يوم من أيام عيد الفطر المبارك، ليس من باب السعي وراء الأجر.. وإنما فقط، لأنهم اعتادوا على الصوم طيلة شهر رمضان، وهناك من ”الصابرين” من يرغبون في الصيام مباشرة بعد انتهاء رمضان للتخلص فقط من عناء صوم ستة أيام أخر.

ارتفاع نسبة الصائمين لأيام شوال بدا جليا عبر مختلف مظاهر الحياة عند الجزائريين كاستمرار غلق محلات المأكولات السريعة، وبقاء محلات بيع الحلويات الرمضانية تعمل طيلة الأيام الأولى من شهر شوال، هذه السنّة التي تحولت إلى فرض على الجزائريين منهم من تعود عليها حتى أصبحت تقليدا بالنسبة له مع كل أفراد عائلته. وهناك من يخوض التجربة لأول مرة في حياته. ورغم أن صيام هذه الأيام تطوعا وليس إلزاميا، إلا أن حجة البعض الآخر في صيام ثاني أيام العيد هو اعتيادهم على نفس ”الريتم”، حيث أجمع الكثير ممن تحدثنا معهم عن صيامهم خلال اليوم الثاني من عيد الفطر المبارك، أنهم يفضلون صيامه، لأن أجسادهم وحتى ذهنياتهم تكون قد تعودت على الصيام وكذا لتثبيت الوصل بمعنى مباشرة بعد رمضان رغم أن الشرع أجاز أن يتم صوم ستة أيام من شوال متفرقة.

شوال شهر بأكمله لِمَ العجلة؟؟

تقول الحاجة “الضاوية”:’ ‘زمان كان كبار السن يصومون أيام الصابرين ولم نكن نحن ندري بأهميتها في ميزان الحسنات، كنا ننظر إليها على أنها تقليد خاص بكبار السن، لكننا مع الوقت وانتشار الكتب الدينية، ودور المساجد أصبحنا ندرك أهمية صيام ستة أيام من شوال”. فعدول صيام ستة أيام بصيام الدهر كله بقول الرسول صلى الله عليه وسلم “من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر”. وهناك من يبدأ صيامها مباشرة بعد يوم العيد، وهي العادة التي أعابها بعض الجزائريين على إخوانهم من الصائمين، كون ثاني أيام العيد هو عيد أيضا. ولايزال الجزائريون يهنئون بعضهم ويتزاورون فيما بينهم. وفي هذا السياق تدخلت السيدة “أمينة” لتبدي رأيها قائلة: أن جارتها جاءتها في ثاني عيد وعندما حضرت لها القهوة مع الحلويات أخبرتها جارتها بأنها صائمة، مما جعلها تنزعج ”مادام شهر شوال بثلاثين يوما لِم العجلة!!”. ورغم أن نية أصحابها حسنة، غير أن هذه العادة أصبحت تقضي على حلاوة عيد الفطر المبارك، حيث إذا قمت بزيارة الأحباب والأقارب في ثاني يوم من أيام عيد الفطر المبارك تتفاجأ بكون الجميع “صابر”. ويصل بك الأمر في بعض الأحيان إلى أنك تستحي أن تطلب شيئا تأكله، لأن الجميع صائم وأنت الوحيد المفطر بينهم.

على خلاف ذلك، تقول السيدة “زهرة” أنها تفضل بدء صيام أيام الصابرين خلال اليوم الثاني من عيد الفطر المبارك، كونها اعتادت على الصيام خلال رمضان، وكونها أيضا ربة بيت وهي مرتبطة طوال أيام السنة بأشغال البيت والاعتناء بأبنائها وزوجها من خلال تلبية طلباتهم التي لا تنتهي أبدا، فإنها دائما وكل سنة مباشرة بعد انتهاء رمضان تبدأ في الصيام 6 أيام أخر لتكون من الصابرين..

فاروق زموري: الصوم شريعة يعظمها المسلمون

غير أنه لا يمكننا أن ننكر بأن هناك فئة من الأشخاص، الذين يصومون الصابرين من أجل كسب الثواب والأجر، وليس من أجل ”الرياء” والتظاهر بالصوم والعبادة أمام الناس، لأن لا أحد يجبرهم على الصوم سوى ابتغاء وجه الله وسنة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، وهم الذين لا يتأخرون يوما عن صيام الصابرين، كلما انقضى شهر رمضان المعظم ودخل شوال. وهذا ما ذهب إليه الإمام “فاروق زموري” الذي يرى أن الصوم شريعة يعظمها المسلمون، والتعظيم لهذا الشهر عملا بقوله ـ صلى الله عليه وسلم- “من صام رمضان ثم أتبعه ستّا من شوال كان كصيام الدهر”. وتحقيقا لهذا الثواب العظيم يتجه المسلمون لصوم ستة من شوال. وهذا ينم عن طينة طيبة وعن نية خالصة وليس رياء. على أن يعلم المسلم أن صيام شوال سنة وليس فرضا. وأنه يجوز التفرقة في أيام شوال وليس التتابع، كما يجوز التأخير وليس الوصل.

”الصابرين” من أجل ”الشربة” و”البوراك” و”اللمة العائلية”

الكثير من أفراد العائلة يجد نفسه ”مجبرا” على الصيام والتقليد في صيام ”الصابرين”، فلا يجد من حل إلا ”الصيام” ستة أيام أخر، كي لا يفوت على نفسه تلك ”اللمة العائلية” التي اعتاد عليها طيلة شهر رمضان، حين تلتقي العائلات وتجتمع 30 يوما تحت سقف واحد وحول مائدة واحدة وفوق سجادة صلاة مشتركة، تلك اللمة التي كثيرا ما نفتقدها خلال الأيام العادية بسبب ارتباط كل فرد من العائلة بمشاغل الدني، لذا يجد الكثيرون أن مواصلة الصيام ستمدد زمن اللمة العائلية،  وتناول مختلف الأطباق خاصة التقليدية منها ”كالشربة”، ”الحريرة” ومختلف أنواع السلطات من دون أن ننسى ”البوراك” وطبق ”اللحم لحلو” الذي يفضله العديد من الصائمين خلال شهر رمضان. وهذا ما عبرت عنه “وسيلة” التي أكدت أن صيامها لستة أيام من شوال كان في البدء فقط من أجل أن تكون واحدة من المحظوظات بـ”شربة” و”البوراك”، أعجبني كثيرا التفاف أخواتي حول أمي وأبي وهم يواصلون الصيام في جو عائلي مميز وشيئا فشيئا اقتنعت بضرورة الالتحاق بهم وصيام شوال. وهو الحال بالنسبة لـ”لطفي” الذي قال أن كل أفراد عائلته يواصلون الصوم لشوال، ولأنه الوحيد الذي لا يصوم يجد نفسه بعيدا، عن كل ذلك الجو الروحاني العائلي الذي كان جزءا منه في رمضان، ولأن الجو الرمضاني يسحرهم والأطباق الرمضانية تروقه قرر السير على خطى العائلة وصوم ستة أيام من شوال.

يكفينا شهر رمضان!!

ورغم أن هناك مواطنين يفضلون مواصلة الصيام بعد انقضاء الشهر الفضيل، ويصومون الصابرين بدءا من ثاني يوم من أيام عيد الفطر المبارك، غير أن هناك فئة أخرى منهم يكتفون بصيام شهر رمضان، تاركين ”الصابرين” لـ”الصابرين”، خاصة مع حلول شهر رمضان هذه السنة مع فصل الصيف مما ساهم في مشقة الصوم مع الحرارة الشديدة، لذا جنح الكثيرون لعدم القدرة على الصوم بقولهم “يكفينا شهر رمضان”. وهو ما أعربت عنه “صونيا” التي أكدت أن شهر رمضان هذه المرة كان شاقا بحكم طول اليوم وحرارة الفصل مما دفعها للاستغناء عن صوم ستة أيام من شوال لقوله تعالى: “لا يكلف الله نفس إلا وسعها”. بدورها “عديلة” التي أكدت أن عطلتها الصيفية تبدأ مباشرة بعد شهر رمضان، لذا لن تحرم نفسها الاستمتاع بالعطلة كما يجب على حد قولها: “تعبت كثيرا، فرمضان طويل وحار هذه السنة وأنا انتظر عطلتي بفارغ الصبر”. أما “سعيد” تاجر يقول أنه لم يصم في حياته أيام شوال بقوله: “يكفيني رمضان“!!