جزائريون يعيشون في مزابل إيطاليا من أجل وثائق الإقامة
كثيرا ما سمعنا عن قصص “الحراڤة” الجزائريين الذين وصلوا ايطاليا عبر جزيرة سردينيا أو داخل حاويات وعبر الطرق التقليدية للحرڤة التي ابتكرها الشباب الجزائري، لكن لا أحد تقريبا تطرق لأطول طريق يسلكه الحراڤة الجزائريون للوصول إلى الجنة الايطالية الموعودة، إنه طريق اليونان وصولا إلى مدينة باري الايطالية، وهو ما تسلط عليه “الشروق” الضوء في هذه الجولة إلى مدينة باري الايطالية، والتي تحولت فعلا إلى الباب الخلفي لدخول الحراڤة الجزائريين إلى ايطاليا.
-
الحراشي دليل الجزائريين في “باري”
-
رحلتنا نحو مدينة باري كانت انطلاقا من مدينة أوستوني على البحر الادرياتيكي والتي تسمى هنا بالمدينة البيضاء تماما مثل العاصمة وتحتوي على ممرات ضيقة تشبه إلى حد كبير قصبة الجزائر، استقلينا القطار على امتداد حقول الزيتون، حيث يخيل لك أنك في الجزائر لتشابه المناظر الطبيعية، وبمجرد دخولنا المدينة التقينا بأحد التونسيين وسط إحدى الساحات العامة والذي بدوره دلنا على أحمد الحراشي من حي “بوليو” بالتحديد والذي يملك مقهى للانترنت “سيبار كافي”، بالقرب من جامعة باري والذي يعتبر نقطة التقاء الجزائريين حراڤة وغير حراڤة، ويعتبر دليلهم في كل كبيرة وصغيرة، رحب بنا أحمد وقال مرحبا بكم، الشروق إنكم تبحثون عن الحراڤة هيا بنا إلى المسجد.
-
ركبنا سيارة أحمد وتوجهنا إلى المسجد الكبير لمدينة باري، وبمجرد وصولنا تراءى لنا العشرات من الشباب “الحراڤة”، ممددين على جنبات المسجد، جزائريون وتوانسة ومغاربة على وجه الخصوص، شباب فرقتهم اليونان والأوضاع في ليبيا، وجمعهم مركز الحراڤة لمدينة باري المتواجد قرب الملعب البلدي القديم لمدينة باري بساحة الصليب الأحمر، رحب بنا سفيان من الشلف وفوزي من بومرداس وسمير من الميلية بولاية جيجل، وآخرون يقدر عددهم الإجمالي في مدينة باري بنحو 20 جزائريا بين فار من ليبيا وآخر غامر بالحرڤة من اليونان، ومن مختلف أنحاء الوطن من بريكة وتيارت وقصر البخاري ووهران وجيجل والشلف وتيزي وزو.
-
ميليشيات القذافي موّلت “الحراڤة” إلى ايطاليا
-
يقول سفيان من الشلف: كنت مؤجرا لأحد المقاهي في طرابلس وبعد أن ساءت الأوضاع لم أشأ المغادرة لكن قصف الناتو للعاصمة ليبيا وخاصة خطاب القذافي الشهير الذي أطلق فيه عبارته الشهيرة “زنڤة زنڤة”، أجبرنا على البحث عن سبيل للفرار، وعندها سمعنا عن حملات الحرڤة إلى ليبيا كانت تمولها ميليشيات القذافي المسلحة، لقد قدموا لنا 300 دولار للشخص حتى نركب القوارب المتجهة نحو ايطاليا بعد أن هدد القذافي بتسونامي من الحراڤة على ايطاليا وأوربا، وهو ما قمنا به يقول سفيان يوم 11 ماي على متن سفينة بطول 23 مترا حملت 630 حراڤ كنا نحن 17 جزائريا، ووصلت يوم 13 ماي بعد رحلة العذاب رأينا فيها الموت نطقنا بالشهادتين في انتظار الموت.
-
ويروي سفيان الشلفي بأن الجزائريين الفارين من ليبيا إلى لامبيدوزا كانوا دوما يتم حجزهم جانبا من طرف السلطات الايطالية ويتم تفتيشهم على انفراد قبل الدخول إلى مركز “الحراڤة” قبل تحويلهم إلى المدن مدينة باري فيما بعد، حيث يؤكد سفيان بأن الجزائريين الفارين من ليبيا نحو ايطاليا استمر في التدفق على جزيرة لامبيدوزا، مشيرا إلى أن عددهم بلغ قرابة 500 جزائري منذ اندلاع المواجهات في ليبيا، حيث منحتهم السلطات الايطالية تصاريح مؤقتة للمكوث في ايطاليا باعتبارهم فارين من الحرب في ليبيا منهم الشاب سفيان.
-
-
“الحراڤة” في اليونان: المزابل وإعانات رفيق جبور للبقاء على قيد الحياة
-
وللحرڤة من اليونان إلى باري قصص أغرب من الخيال، فبمجرد انتهاء سفيان من الكلام حتى نطق فوزي 26 سنة من ولاية بومرداس، ولو أن لفوزي قصة مغايرة إلا أنها لا تقل دراما عن قصص الفارين من ليبيا، حيث يقول فوزي “البداية كانت عادية بتأشيرة من الجزائر إلى تركيا، كنت أنا رفقة أحد الجزائريين من القبة سنه 52 سنة وحصل على الأموال للحرڤة من طرف ابنه، ثم تخطينا الحدود اليونانية وسط الغابات والأحراش وقبضت علينا الشرطة اليونانية أياما قليلة فقط بعد وصولنا إلى اليونان، ولكن مصيرنا ككل الحراڤة في اليونان مركز اعتقال المهاجرين”.
-
ويقول فوزي عشنا الميزيرية أضعافا مضاعفة في اليونان ووصل الأمر بنا إلى أن اليونانيين لا يبيعوننا المواد الغذائية بالرغم من امتلاكنا للنقود، كنا نقتات من المزابل ومما يرميه اليونانيون وحتى المزبلة ما “تصحلكش” إذا لم تذهب باكرا، كلنا نجتمع في سوق الحرامية بمنطقة “أومونيا”، جزائريون، توانسة، مغاربة، مصريون، عراقيون وعرب على العموم، وأود هنا التأكيد على ما كان يقوم به اللاعب الدولي رفيق جبور من عمل إنساني تجاه الحراڤة الجزائريين، كان لا يبخل على كل جزائري يصادفه وكان يأتي بنفسه إلى سوق الحرامية في عديد المرات لتقديم المساعدات للحراڤة الجزائريين يتحدث ويجلس معنا، لن ننسى فضله ومساعدته لنا أبدا إنه بحق جزائري فحل.
-
وعن سبل بلوغ “الحراڤة” لمدينة باري يقول فوزي وسمير من الميلية بولاية جيجل، أعيننا كانت دوما على ميناء أثينا نترصد البواخر التي تنقل الشاحنات والحافلات إلى ميناء باري، حيث يقول سمير من الميلية بجيجل 32 سنة “لقد وصلت ميناء باري مرتين واكتشفوا أمري عن طريق السكانير وتمت إعادتي إلى اليونان مرتين، لكن الثالثة يقول سمير نجحت في التسلل داخل علب للمشروبات الغازية داخل شاحنة مقطورة، بعدها قمنا بتمزيق الغطاء البلاستيكي وهربنا وسط الحقول المجاورة أنا وأحد الأصدقاء، وأنا الآن بحوزتي تصريح مؤقت في انتظار الحصول على إقامة لمدة.
-
-
“حراڤ” مزيف يتسلل إلى مركز “الحراڤة” بإيطاليا
-
وللإطلاع على ظروف “الحراڤة” داخل المراكز المختلفة والمحتشدات، ألح عليّ الحراڤة الجزائريون بالتوجه إلى مركز الحراڤة المجاور للملعب البلدي القديم بمدينة باري، حيث يشرف الصليب الأحمر الايطالي على هذا المركز ويسيره أفراد من الجيش الايطالي، والذي يأوي الحراڤة في انتظار حصولهم على وثائق الإقامة أو العمل، ويتواجد به أكثر من 15 جزائريا، ركبنا الحافلة وتوجهنا صوب المركز، وبمجرد وصولنا باب المركز لاحظ الحارس المكلف بالأمن بأن هناك شخصا جديدا أو “حراڤا” جديدا، حيث طلب مباشرة تقديم الاسم واللقب، لم أشأ إعطاءه جواز السفر واكتفيت بتقديم بطاقة التعريف الوطنية حيث دون الاسم واللقب وتاريخ الميلاد والجنسية، وبعدها أشار الي أحد المسؤولين: “أنت جديد هنا، رقمك هو 19 احفظه جيدا إنه رقمك أيضا في وقت تناول الوجبات والسرير، احفظه جيدا”.
-
كانت الساعة تشير إلى الثامنة بتوقيت ايطاليا، السابعة بتوقيت الجزائر، شيئا فشيئا بدأ الجزائريون باكتشاف المكان وفورا تعرفنا على أكثر من 10 جزائريين ترجوني على عدم تصويرهم فاكتفينا بالتصوير في صباح اليوم الموالي بحذر شديد، كما حرصنا على عدم كشف هويتنا للآخرين وعندها التقينا بشاب جزائري من ذراع الميزان بولاية تيزي وزو لم يدخل إلى الجزائر منذ عامين، قضى 24 شهرا في اليونان ووصل منذ 15 يوما إلى ميناء باري، أدينا (نحن الجزائريون) صلاة العشاء جماعة، وبعدها فتحنا المجال لحكايات ومغامرات الحراڤة والأساليب الجديدة للحصول على الوثائق.
-
يقول الشاب الجزائري الذي ينحدر من ذراع الميزان، ترصدت حافلة على متن باخرة متجهة إلى باري، عثرت على تجويف داخل محرك الحافلة قمت بتثبيت نفسي جيدا، وبمجرد نزول الحافلة في ميناء باري بدأت معاناتي بعد تشغيل المحرك والحرارة التي لا تطاق، وبعد قرابة 20 كيلومترا من المسير توقفت الحافلة وإذا بمسخ أسود ينزل من تحت محرك الحافلة أصيب جلدي بحروق وجفاف شديد، رحت أبحث عن الماء بكل الطرق إلا أن أوقفت سيارة تحدثت مع سائقها بلغة الإشارة فأعطاني قارورة ماء، لقد رأيت الموت ونطقت بالشهادة لأكثر من 10 مرات، حيث أكد لنا الشاب الجزائري بأن المئات بل أكثر من ألف جزائري باومونيا في اليونان يترصدون الفرصة للحرڤة إلى باري.
-
في الصباح وبعد إجراء التصوير وبحذر شديد خشية ملاحظتنا أشار إلي أحد الجزائريين بالوقوف بجانب الباب في انتظار المناوبة بين الحراس والتسلل خارج المركز، كون الخروج يخضع لإجراءات صارمة ويكون عادة للحراڤة الذين لهم مواعيد مع محاميهم من أجل الحصول على الوثائق.
-
-
سخط على الممثليات الدبلوماسية وعدم الاكتراث بمشاريع “لونساج”
-
خلال حديثنا مع الجزائريين “الحراڤة” وغير الحراڤة داخل المركز وخارجه كان القاسم المشترك بينهم رفضهم للعودة إلى الجزائر رغم ما يعيشونه من ميزيرية وعذاب، وقال بعضهم “لماذا أعود للبلاد، لن تتغير، كم من سنة ونحن بعيدون عنها ولم يتغير شيء”، حيث صبوا جام غضبهم وسخطهم على الممثليات الدبلوماسية سواء في ايطاليا أو اليونان وقبلها في ليبيا، حيث ورغم تعليمات الوزير المكلف بالجالية حليم بن عطاء الله بمنح جوازات سفر للرعايا للجزائريين مهما كانت وضعيتهم إلا أن القنصليات ترفض منحنا أي وثائق عكس قنصليات المغرب وتونس، حيث ينظر إلينا بازدراء بمجرد دخولنا إلى القنصلية أو السفارة وكأننا في ملكية خاصة وليس في ملكية للدولة الجزائرية، يقول أغلب الجزائريين الذين تحدثنا إليهم.