الجزائر
زلازل دينية واجتماعية تهزّ المجتمع

جزائريون يُوصون بقطع الأرحام وحرمان الأبناء من الميراث!

كريمة خلاص
  • 7203
  • 14
ح.م

يغفل كثير من الجزائريين والمسلمين عامّة عن كتابة الوصية وهم في سعة من العيش، حتى إذا جاء أحدهم الموت تذكّرها وقال كلمات قلائل قد يلتزم بها المقربون وقد يتناسونها، وغالب ما يوصي به هؤلاء يقتصر على جوانب مادية مثل مكان الدفن أو الميراث ونادرا ما نسمع عن وصية للمعاملات بالتآخي والتراحم والتصدق وصلة الرحم وغيرها، بل أكثر من هذا نجد وصايا غريبة تجعلنا نتساءل عن صحتها ومدى شرعيتها..

يرى كثيرون أنّ الوصية فرصة لتصحيح زلاّتهم وسقطاتهم التي وقعوا فيها جرّاء حبّهم الجم للمال وأنانية النفس الأمارة بالسوء، غير أنهم لا يمتلكون الجرأة في أحيان كثيرة لتحريرها وتوثيقها ما يجعلها كالدهان الذي إن تطلع عليه الشمس يذوب.

الوصية في الجزائر عرفية ونادرا ما نجدها في المجتمع..

وبرأي أغلبية المحامين والحقوقيين الذين استشرناهم في الموضوع فإن ثقافة تحرير الوصية وترسيمها في الجزائر تبقى نادرة جدا وإن وجدت فإنها تقتصر على الميراث فقط، وفي ذلك ما أورده المحامي بهلولي إبراهيم في تصريح للشروق، حيث قال “الوصية معمول بها في حالات نادرة جدا وغالبا تكون وصية عرفية وغير موثقة”.

وقال بهلولي “إن كثيرا من الناس إذا أحسوا قرب أجلهم إما بسبب مرض أو حادث أو خافوا من نشوب خلافات بين أولادهم يقدمون على كتابة وصية لأبنائهم وأحفادهم غير أنّ ذلك غير جائز لا شرعا ولا قانونا، مستشهدا بالحديث الشريف “لا وصية لوارث””.

وعدّد المختص القانوني حالات عديدة تبطل فيها الوصية قانونا لمخالفتها الجانب الشرعي ومنها الوصية للوارث أو الوصية بأمور مخالفة للشرع أو فيها أذية للغير، وهو ما جعل الناس تتحايل في حياتها بنقل ممتلكاتها لمن ترغب من الورثة إمّا هبة أو بيعا. مسألة اعتبرها المتحدث تحايلا على القضاء لأن الفعل قانوني في ظاهره، لكنه غير ذلك في جوهره، وبالتالي يحرم من يشاء من الورثة ويعطي من يشاء، وحسبه، فإن القضاء يبطل الوصية وتعتبر لاغية في حكمه إذا تضمنت عدم التوريث.

وتبقى الوصية، وفق المختص، محصورة في بلادنا في الأموال والعقارات والمنقولات، أمّا جانب المعاملات فهو مغيّب تماما وإن وجد فيكون شفويا.

الوصية رحمة.. تكفر الذنوب وتزيد الأجر

بدوره تواتي كمال الإمام بمسجد الإرشاد بالمدنية قال بأن “الله جعل الوصية رحمة بالعباد ولطفا بهم لأن الإنسان عندما يصل إلى اللّحظات أو الأيام الأخيرة قبل الموت يفكّر مليا ويراجع نفسه ويتذكر أنه لم يتصدق ولم يقم بأفعال الخير لذا جاءت الوصية لتزيد الأجر وتكفّر الذنوب وتقضي ما فات من الحاجات عن الناس مصداقا لقوله تعالى “وأنفقوا مما رزقناكم قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربي لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصّدق” كما أن الوصية تخلق التكافل والتآزر الاجتماعي وتوزيع التركة لكي لا يحتكر الثروة شخص دون غيره”.

وتختلف أحكام الوصية باختلاف مضمونها فقد تكون واجبة ومستحبة أو مكروهة ومحرمة، ويفصل الإمام بالقول “واجبة إذا كان على الإنسان حق شرعي.. دين أو زكاة أو ضوابط وهنا من الواجب على الإنسان ترك وصية وإذا تجاهلها فهو آثم ويمكن أن تكون مستحبة إذا انتفت الشروط السالفة وأراد الموصي فعل الخير والتقرب إلى الله شرط أن لا تكون لوارث، كما تكون مباحة إذا أراد ترك الوصية لشخص عزيز عليه وبينهما صداقة، أمّا الوصية المكروهة فتكون اذا تعمّد وقصد صاحبها الإضرار بالورثة أو تضمنت معاصي وفسوق وعصيان كالوصية بالخمر أو بناء كنيسة وذلك لقوله تعالى “غير مضار وصية من الله” أي لا يضر بها الآخرين”.

بعض الوصايا تقود إلى جهنم وجزائريون يكتمون ممتلكاتهم

وبخصوص وصايا الجزائريين أفاد الإمام تواتي أن فيها كثيرا من الغرابة، فالبعض يوصي بعدم أخذ المال وحرمان الوارث وبأن لا يزوره فلان وأن لا يحضر جنازته أو لا يقف على قبره بعض من يسميهم، فهؤلاء يحملون جهنم معهم إلى قبرهم وهو أكبر ظالم فماله لمّا يموت يصبح لورثته وليس ملكه إلى درجة أنه قد يدفن ماله معه لحرمان غيره منه”.

وأضاف تواتي “سمعنا بأناس يخفون أموالهم في حسابات في الخارج وثروات وممتلكات فهؤلاء إثمهم أكبر من الذين يوصون ما يجعل أهله وورثته في بؤس وشقاء لسنوات دون التمكن من تقسيم التركة”.

وتأسّف تواتي لغياب ثقافة الوصية في بلادنا فيكاد ينعدم في مجتمعنا من يكتب وصيته ويودعها في بيته أو أحد المقربين منه بل إنّ زوجته أقرب المقربين منه قد تجهل الأمر.

جزائريون يوصون بقطع الرحم وعدم التوريث

من جانبه أوضح موسى إسماعيل الأستاذ بكلية الشريعة الإسلامية في جامعة الجزائر أنّ الوصية سنّة نبوية وهي مذكورة في القرآن الكريم في قوله تعالى “من بعد وصية يوصون بها أو دين..”.

وتتضمن الوصيّة جانبا أخلاقيا، حيث يوصي الشخص من بعده زوجته وأولاده وأهله لما يرى فيه الخير خاصة في حال وجود أمور يتخوف منها وفيها أيضا جانب ديني مثل الالتزام بأداء العبادات والواجبات كما تتضمن أيضا الجانب المادي مثل الدين والزكاة والميراث.

والوصية برأي الأستاذ موسى إسماعيل تعد واجبة التنفيذ ما لم تخالف الشرع، وفيها ما يستحب الفعل.

وذكر الأستاذ بعض الحالات الغريبة لوصايا مرت عليه تتعلق بقطع الرحم مع الأعمام أو الأخوال وكذا وصايا بالحرمان من الميراث لإخوة أو أخوات، وهي لا تنفذ حسب المتحدث وتعتبر لاغية.

تشبث الناس بالحياة ينسيهم كتابة الوصية…

وبرّر الإمام ناصري محمد الأمين إمام بمسجد القدس بالشراقة تغافل أغلب الناس عن كتابة الوصية بأنهم متشبثون بالحياة ولا يهتمون لأمر الوصية والقلّة منهم التي تقبل على ذلك، سيما الحجاج والذين يسافرون لمدة طويلة لأماكن بعيدة، بعضهم يستودع الوصية لدى إمام المسجد وهي في الغالب تتضمن الجانب المادي والمالي فقط، أمّا الديون والجانب الروحي فهي قليلة جدا.

وذكر الإمام بأن إخراج الزكاة وتسديد الدّين عن الميت من ماله إن وجد هما أولويتان حتى أنّ الصلاة على الميت لا تجوز إذا لم يسدد الدين أو يسوّى.

وصايا غريبة…

تختلف الوصايا باختلاف مستوى وثقافة ومكانة الموصي، فنجد بعض الفنانين مثلا يوصون بحرق أعمالهم بعد مماتهم وعدم بثها إعلاميا أو تداولها في الوسائط الاجتماعية ومنهم من يوصي بالتبرع بجميع ثروته أو التصدق بجزء كبير منها لفعل الخير، بينما يوصي آخرون بعدم تكريمهم من قبل الهيآت الرسمية التي لم تلتفت إليهم في حياتهم.

ومن الشخصيات المشهورة والمعروفة من يوصي بأن تكون جنازته شعبية وبسيطة دون تكلف أو رسميات ومن ذلك ما أوصى به فنان الشعبي عمر الزاهي الذي طلب بأن يدفنه ويحمل نعشه الشعب دون غيرهم.

وصية أخرى مشابهة لشخصية دبلوماسية تقلد منصب وزير في آخر عمره طلب بأن لا تنظم له جنازة رسمية وأن يشيع موكبه أبناء مسقط رأسه وذويه…

وعلاوة على ما سبق يوصي آخرون بدفن بعض متعلقاتهم الخاصة معهم أو  صور لأفراد يعزّون عليهم، إلى جانب التذكير بعدم البكاء والعويل وبإطعام الناس جيدا.

مقالات ذات صلة