جزائري وأنتحر
أعرف شابا جزائريا (أ. ص) يتميز بالحيوية والطموح، آتاه الله – عز وجل – بسطة في الجسم، ورجاحة في الحلم، وهو ممّن نشأوا في عبادة الله، وندعو له ولجميع شبّاننا بالثبات حتى لا يفسدهم “شياطيننا” الذين يعجبنا قولهم في الحياة الدنيا، ويشهدون الله على ما في قلوبهم، وهم أفسد من “كبيرهم” – إبليس – الذي علمهم الفساد…
سعى هذا الشاب وضرب في الجزائر طلبا للرزق الحلال، ليعف نفسه ويعيل أهله.. ولكن الفاسدين في أنفسهم المفسدين لغيرهم بأخذ الرشوة وأكل الربا والتآمر على الشرفاء ضيقوا عليه الجزائر بما رحبت، فاضطر إلى مغادرتها إلى حيث الجو أنقى، والتعامل أكثر شفافية، فاختار منطقة الخليج، الذي كان عربيا، وهو الآن – كما يقول حافظ إبراهيم – “كثوب ضم سبعين رقعة مشكّلة الألوان مختلفات”.
جاء هذا الشاب إلى الجزائر في عيد الأضحى المبارك، ليصل رحمه، ويلتقي صحبه، ويكحل عينيه برؤية وطنه، ويملأ رئتيه بهواء بلده رغم تلوثه، ويطفئ شوقه، فاتصل بي هاتفيا مهنئا بالعيد، سائلا عن “الأهوال” – أي الأحوال – بلسان إخوتنا السودانيين، وآخذا موعدا للزيارة..
بعد التهنئة بسلامة العودة، وبالعيد، قلت له: إنني أسمع أحيانا في قنوات دولة الإمارات أنشودة تقول: “إماراتي وأفتخر”.
أكد لي وجود تلك الأنشودة التي تشير إلى ماوصل إليه الخليجيون من رُفَهنِيّة في العيش، وقال لي سأروي لك طرفة تخفف عنك بعض ما تعانيه من رؤية تلك الوجوه التي عليها غبرة، ترهقها قترة .. بعض ما يصكّ أذنيك من كلمات “ليست كالكلمات”، هُجنة، وبشاعة..
قال ذلك الشاب “الأمين”: كان مجموعة من الشبان الخليجيون ينشدون أنشودة” إماراتي وأفتخر” وكان معهم شاب جزائري، فلما انتهوا رفع عقيرته قائلا: “جزائري وأنتحر”..
ضحكنا على الطرفة، ثم استعرضنا أوضاع الجزائر، فرأينا أنها لا تسر الناظرين، ولا تفرح السامعين، فـ”ولي الأمر عندنا” مريض، وقديما قال الإمام الإبراهيمي: “كلام المريض مريض”، ومؤسساتنا السياسية كالجثث المحنطة تثبتها الأشباح وتنفيها الأرواح، واقتصادنا أصحّ منه المصاب بمرض “هشاشة العظام”، ومنظومتنا التربوية ينطبق عليها قول الشيخ أحمد توفيق المدني “العلم الجاهل”، وأوضاعنا الاجتماعية “أوهن من بيت العنكبوت”.. وصار بعضنا يضرب رقاب بعض، وعجز “كبراؤنا” أن يطفئوا “هُوشة” في غرداية، وصارت رمزنا “جبهة التحرير” التي أعطيناها عهدا “يلعب” بها الكبار في العمر، الصغار في العقل، وبعدما نقل مجاهدوها الثورة إلى شوارع باريس؛ صارت “نوائبها” المسنّدة ترتعد خوفا من مناقشة “جرائم فرنسا” فيما يسمى “بالمجلس الشعبي الوطني” على لغة ما تسمى.. وأما الأخلاق فقد صارت كأطلال خولة تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد.
إنه ليحزنني أن تكون هذه هي لهجتي في الذكرى الستين لإعلان جهادنا، وعلينا أن نستعد لقيام الساعة، فقد جاء أشراطها، حيث وُسّد الأمر لغير أهله.