الرأي

جمعية الإخاء العلمي

ذكر الإمام الإبراهيمي أن أخاه الإمام ابن باديس زاره في أحد الأيام من سنة 1924 في منزله بمدينة سطيف، وأسرّ إليه أنه ينوي إنشاء جمعية تضمّ علماء الشرق الجزائري، وأنه قد اصطفى لها من الأسماء اسم “جمعية الإخاء العلمي”، ورغب منه أن يُعدّ قانونها الأساسي.

استحسن الإمام الإبراهيمي ـ بعد تردّدٍ ـ فكرة أخيه ابن باديس، ونفّذ رغبته، لكنه لم يكن مُتفائلا بنجاح هذه الجمعية لظروف موضوعية، وهذا ما وقع، فلم تُؤسس هذه الجمعية، وكأن القدر ادخر ذلك إلى “جمعية العلماء المسلمين الجزائريين” التي ستؤسس في عام 1931، لتشمل القطر الجزائري كله، فكانت كما وصفتُها “خير جمعية أخرجت للناس”، لما كان لها من الآثار الحسنة، والنتائج الطيّبة، والدليل على خيريتها أن الجزائريين أنشأوا ما لا يُحصى من الأحزاب و الجمعيات، ولكنهم لم يُؤسسوا جمعية مثل هذه الجمعية، التي لاحظنا من خلال زياراتنا المتعددة لمختلف مناطق الجزائر، من الغرب إلى الشرق ومن الجنوب إلى الشمال، أنهم بدأوا يُقبلون عليها بعدما تبيّنوا قيمتها، ويئسوا من غيرها من الأحزاب والجمعيات التي ينطبق على أكثرها المثل القائل: “إذا نَصْحكْ الجَرْبِي، نُصْ النْصِيحة لِيهْ”. (الجربي نسبة إلى جزيرة جربة بتونس)

وقدّر الله ـ عز وجل ـ أن تُبعث ـ من جديد ـ في مدينة سطيف “جمعية الإخاء العلمي”، حيث تبنت فكرة جمعِ مجموعة من الجزائريين، تحت ظلّ الأخوّة الإسلامية، المُدعمة بالعلم بأوسع معانيه، اللذان هما من المقاصد التي أمر بها الإسلام، الدّين القيّم، وكان هذا البعث على أيدي فِتية آمنوا بربّهم ووطنهم.

  لقد رأى المُشرفون على هذه الجمعية أن يبرّوا بمن حازوا بالسبق تفضيلا في مجال نشر العلم، والدعوة الإسلامية الصحيحة، فقرروا أن يُنشئوا “جائزة”، تكون اعترافا منهم لمن أدى واجب نشر العلم وخدمة الوطن.

لقد كانت هذه الجائزة في السنة الماضية من نصيب الأستاذ المجاهد مصطفى بوغابة، وهو من آخر تلاميذ مدرسة التربية والتعليم في قسنطينة التي أسسها الإمام ابن باديس نفسه، وهو من آخر أساتذة معهد الإمام ابن باديس، وهو والشيخ إبراهيم مزهودي ـ رحمه الله ـ من كانا وراء التحاق طلبة معهد ابن باديس بالجهاد، وتولّى بعد استرجاع الاستقلال إدارة المعهد التكنولوجي لتكوين المعلمين بقسنطينة، ثم العمل بضع سنين في مسجد باريس، وهو الآن يحرس قيم الجهاد والوطن عبر رئاسته “جمعية أول نوفمبر” بقسنطينة، وهو ـ كما شهدتُ وعلمتُ ـ مجموعة ثمينة من الأخلاق النبيلة والشمائل الأصيلة، ولم تتلطخ سُمعته بمد يديه ولا عينيه إلى ما ليس له فيه حق.

وكانت الجائزة في هذه السنة من نصيب الشيخ الفاضل ابن يونس آيت سالم، الذي”أُكرِه” على قبولها، ويكفيه أنه قبض قبضة من أثر الإمام الإبراهيمي، وأنه أحد المرابطين في مدرسة “دار الحديث” بتلمسان، والقائمين ـ على بصيرة، وبالحكمة ـ على الحركة الإصلاحية في تلك الربوع الأصيلة، وهو ما أكسبه ثقة عارفي سعة علمه، وكثرة عمله، ونبل خلقه فبوأوه نيابة رئاسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

هنيئا للأستاذين بهذه الجائزة البسيطة ماديا، العظيمة معنويا، وشكرا لجمعية الإخاء العلمي، على تكريمها للأستاذين، وعلى ما أقامته من ملتقيات نوعية، ووفقها الله للمزيد من النشاط والتألق.

مقالات ذات صلة