جنيف 2.. هل يوقف حمّام الدم في سوريا؟
أخيراً إتفقت الولايات المتحدة وروسيا والقوى الكبرى عموماً على عقد مؤتمر جنيف يومي 23 و24 نوفمبر القادم، بعد طول خلاف وتلكُّؤ وحسابات مرتبطة بالرغبة في تغيير الأوضاع على الأرض بعد أن استعاد النظام السوري زمام المبادرة العسكرية إثر انتصاره في القصير.
منذ أسابيع فقط كان العالم ينتظر ضربة عسكرية أمريكية- غربية تقصم ظهر الأسد وتمكّن المعارضة من الزحف إلى دمشق لإسقاط نظامه، ولكن الأوضاع انقلبت رأسا على عقب حينما فاجأت أمريكا حلفاءها السوريين والعرب بقبول خطة روسيا لتدمير الكيماوي السوري، ثم قبول مبادرتها لعقد “جنيف 2” لإنهاء الأزمة السورية سلمياً، ووضع حد للاقتتال الدائر فيها منذ عامين ونصف العام.
المعارضة السورية تعرّضت لعملية خداع وتضليل كبيرة، حينما زيّن لها الغربُ وفضائيات التحريض العربية، اللجوء إلى عسْكرة الانتفاضة السلمية لإسقاط النظام بالقوة بدل الاستمرار في انتهاج أنموذج انتفاضة الشعب الإيراني ضد الشاه وتحدي قمعه الوحشي بشكل سلمي إلى غاية إسقاطه، وقد بقي الغرب يردّد أكذوبة “أيام الأسد باتت معدودة”، وظلت فضائيات الفتنة والدم تمنّيه بتدخل الناتو عسكرياً لحسم المعركة وإيصالها إلى الحكم على الطريقة الليبية، ولكن هاهي “الأيام المعدودة” تتحول إلى سنتين ونصف سنة، وقد تستمر أعواماً أخرى دون أن تلوح في الأفق مؤشرات لإسقاط النظام بالقوة، وهاهي أمريكا ترفض التدخل عسكرياً ما دام النظامُ قد قبل بالتخلي طواعية عن سلاحه الكيماوي، ما يعني إبعاد الخطر عن حليفها الصهيوني، وحتى قطر نفسها التي طالما دعّمت هذه المعارضة سياسيا وعسكريا وماليا وإعلاميا.. تنفض أيديها منها وتبعث رسالة ودٍّ لبشار عن طريق وسيط فلسطيني، في حين يضيق الخناق على المعارضة أكثر وتتعرض للمزيد من التشرذم والانقسام والصراعات.
هناك احتمالٌ أن يفشل “جنيف2” كما فشل “جنيف1” ويستمر الاقتتال ردحاً آخر من الزمن وتتواصل معه معاناة الشعب السوري، لكن الاحتمال الأرجح هو أن يتوصل “جنيف2” إلى تسوية سياسية للأزمة السورية ويُجبر النظامُ والمعارضة على قبولها والذهاب إلى مرحلة انتقالية تتيح المجال لبداية عملية سياسية تهدف إلى مقرطة الحياة السياسية تدريجياً.. ويُنتظر أن تقبل المعارضة العلمانية بهذه التسوية في حين سترفضها “جبهة النصرة” و”الدولة الإسلامية في العراق والشام” وباقي التنظيمات السلفية التي تدور في فلكهما، وستواصل استعمال القوة أملاً في إسقاط النظام، لكنها ستجد بالتأكيد الوضعَ قد تغيّر جذرياً ولم يعد في مصلحتها؛ فحلفاؤها في المعارضة الآن سيشكلون “صحواتٍ” مماثلة للصحوات العراقية لقتالها، بدعم أمريكي غربي قويّ، وبتحالف مباشر أو غير مباشر مع النظام القائم، وحلفاؤها الإقليميون الذين طالما زوّدوها بالمال والسلاح والدعم الإعلامي سينقلبون عليها بإيعاز من أمريكا، وستضيق عليها الخناقُ أكثر.
أمريكا وحلفاؤها الغربيون باتوا مقتنعين أن التنظيمات السلفية المسلحة هي أكبر خطر عليها وعلى الكيان الصهيوني وليس نظام بشار، ولذلك فإن المعركة القادمة بعد “جنيف 2” ستكون ضدها وحدها، ولا يُستبعد أن تدخل الطائراتُ الأمريكية بدون طيار “درونز” ميدانَ المعركة ضدها، كما دخلته في أفغانستان وباكستان واليمن والصومال… ما يعني أن سوريا لن تعرف الاستقرار بالضرورة إذا اتفق النظامُ والمعارضة العلمانية والقوى الكبرى على تسويةٍ ما في “جنيف 2″، بل ستعيش مرحلة دموية أخرى من خلال حرب طاحنة يقودها تحالفٌ دولي وإقليمي جديد ضد نحو 50 ألف مقاتل إسلامي جاؤوا إلى سوريا من 82 بلداً. وكما سقط آلافُ الأطفال والنساء والمدنيين الذين لا علاقة لهم بـ”القاعدة” في تلك البلدان، فسيسقط بالتأكيد آلاف آخرون بطائرات “الدرونز” الأمريكية في سوريا وهي تزعم قصف مواقع السلفيين فيها.