الشروق العربي
نساء تزوجن خارج ولايتهن

حب عن بعد ومآس عن قرب

فاروق كداش
  • 5294
  • 6
ح.م

في زمن المراسلات، كنت دائم الفضول لقراءة طلبات الزواج في الجرائد، ولم يكن يعترف العزاب بالحدود الجغرافية الواهية، ولكن بعد مرور عشرات السنين، لا تزال المسألة ذاتها، مع اختلاف وسيلة الإعلان… فهل الحب والزواج من خارج البلدة والولاية ورطة؟ وهل المسافة تقهر المودة والبعد يزعزع الاستقرار…؟ هذا ما تستقصي فيه الشروق العربي هاهنا.

كثيرة هي قصص الحب والزواج، التي تطيح بها المسافات، رغم صلابتها، ‪وكثيرة هي شهادات النساء اللائي تبعن القلب، فتعثرن على تخوم التجربة، وما يدفع المرأة إلى ترتيب حقائبها وقطع الأميال، من أجل الحب والزواج.. فهل ينطبق على الجزائرية قول الكاتبة أحلام مستغانمي: “في كل امرأة تنام قطة يقتلها الفضول”‪.

من وحي المأساة، تكتب سيدة من إحدى ولايات الشرق قصتها في صفحة نسوية على فايسبوك، تقول فيها:
”أنا امرأة في الثلاثينيات. توفي والدي وأنا في سن الخامسة. رغم ذلك، حققت ذاتي، واستقللت ماديا، وأعين والدتي التي تحملت كل الصعاب لتربيتنا… بعدها بفترة، خطبني رجل يكبرني بعشر سنوات، رأيت فيه كل مواصفات فارس الأحلام، ولكنه يقطن بعيدا في غرب البلاد. بعدها، تعرفت عليه عبر الهاتف، وكانت مكالماته بلسما يضمد جراحي، وثلجا يبرد جمر ماضي الحزين… صليت صلاة الاستخارة مرارا وتكرارا، وهو بدوره قرر تقديم الفاتحة، لكن، بسبب كورونا تأجل مشروع الزواج.. اكتشفت بعدها أنه متزوج وأب لطفلين، وهذا بعد أن اتصلت بي زوجته، وكان يريدني زوجة ثانية، خاصة أنه كان ينوي أن يستقر معي في ولايتي… كانت صدمة، خاصة أنني ضيعت عاما بأكمله، وأنا أمنّي نفسي بزواج سعيد، ولم تتمكن عائلتي من السؤال عنه لبعد المكان”.

حبّ دمرته الحدود

تجربة منال كانت أكثر حسرة من غيرها، فقد تزوجت برجل من خارج ولايتها، بعد سنتين من التعارف على الإنترنت، وزفت إليه، تاركة أهلها وراءها وكل الصديقات والقريبات، غير أنها اصطدمت بفارق العادات والتقاليد، خاصة في الطبخ، ولكونها من العاصمة، كانت تطبخ طبخات تعلمتها من الأم، بالإضافة إلى اليوتيوب، غير أن زوجها كان يتذمر من كل شيء، ويقارن طبخها بطبخ أمه اللذيذ… وقررت بعد إلحاح منه تعلم الطبخات المحلية، غير أنها اصطدمت بتعنت حماتها ومعاملتها الفظة، خاصة أنها كانت ترفض زواجه بها… تأزمت العلاقة بينها وبين زوجها، إلى درجة أنها طلبت الطلاق والعودة إلى بيت أهلها.

ريمة، هي أيضا عانت الويلات في زواجها مع رجل من الجنوب.. كان اختلاف العادات وأسلوب الحياة سببا في الانفصال، بالإضافة إلى عدم تحملها الطقس الحار، الذي يمنعها من الخروج، كما تعودت في مدينتها الواقعة في ولاية سطيف… ورغم حسن أخلاق زوجها، إلا أنها لم تتحمل، وطلبت منه أن يستقرا في ولايتها قرب أهلها، إلا أنه رفض ترك منصبه وأهله.

رحلة البحث عن الوطن

في المقابل، هناك قصص ناجحة وزيجات ربت أجيالا، رغم أن العروسين من ولايتين مختلفتين، وهذا ما أخبرتنا عنه السيدة وردة، “أنا من ولاية تيبازة، وتزوجت منذ عشرين سنة من أحد أقاربي، القاطن في وهران… في البداية، استصعبت الأمر، وكنت أحن إلى عائلتي كثيرا، ورغم المسافة، تغلبت على الصعاب، لأن زوجي كان متفهما وحنونا.. وبعد مجيء الأولاد، تغيرت حياتي، وأصبحت عائلتي هي بلدي وهي بوصلتي… وأنا أنصح الفتيات بألا يلتفتن إلى حياتهن الماضية، بل أن يؤسسن لحياة جديدة بنية صادقة”.

عن هذا الموضوع، استقصينا بعض المتدخلين في أحد المنتديات الاجتماعية، فمثلا أحلام، رفضت الفكرة جملة وتفصيلا: “الزواج من ولاية مختلفة يجعل الحياة الزوجية متقلبة، لأن العادات مختلفة وقوانين الحياة مختلفة، حتى لا تقع في تنازلات ونقاشات لا فائدة منها تزوج الفتاة التي تربت في حيك، فتاة تعرف صوابك كما تعرفه أنت وتجتنب الخطأ مثلك”. أما كريم، فلا يميل إلى الزواج من فتاة خارج ولايته: “أريدها أن تتعلم عند “العجوز” عاداتنا وطبخنا، فأنا لا أصبر على طبخ الوالدة”… في الكفة الأخرى، ترى نسيمة أنه لا ضير من الزواج من خارج الولاية، لكن من الأفضل أن تكون من نفس المنطقة، أي من الشرق أو الغرب أو الجنوب، كي لا تتغير العادات ولا تصطدم الإديولوجيات..

 وأنهي حديثي بمقولة عبقري التشيلو “بابلو كسالس” حب الوطن شيء جميل، لكن، لماذا يجب أن يتوقف الحب عند الحدود”.

مقالات ذات صلة