حتى المعرّبون أساؤوا.. إلى العربية؟
الانتقادات التي طالت وزيرة التربية والتعليم الجديدة، السيدة نورية بن غبريط، لأنها لا تتقن اللغة العربية وتجد نفسها أحيانا تتحدث، عن مصير تربوي وتعليمي للأمة، بلغة لا يفهمها من يستمعون إليها، فيها الكثير من الحقيقة ولكنها ليست الوحيدة التي تستحق الانتقاد، لأن التاريخ يشهد بأن الكثير من وزراء التربية والتعليم الذين حملوا هته الحقيبة الملغمة وخاضوا ما يسمى معركة التعريب، لم يكونوا يتقنون اللغة العربية أو على الأقل لم يطوّروا التحصيل بها بطرق علمية تجعلها في مستوى اللغة التركية في بلدها أو اللغة الفارسية في إيران أو اللغة الماليزية في ماليزيا.
فقد كان الشاعر الراحل مالك حداد الذي رفض الوزارة التي قدمها له هواري بومدين على طبق، متمكنا من الفرنسية، وشاعرا يقرأ له سارتر وبول أراغون، وكبار فرنسا، ولكنه قبل وفاته، بكى إحساسه بالغربة بين الأحرف الفرنسية، وكان مالك بن نبي مفكرا ومهندسا تعلم باللغة الفرنسية وكتب مقالاته وكتبه جميعها باللغة الفرنسية، ولكنه دافع عن العربية وطنا ودينا ولغة وهوية في كل البلدان التي زارها، ومازال فكره العربي، يشع في كل الأمصار، بل إن بيان أول نوفمبر، كُتب باللغة الفرنسية، لأجل أن تكون الجزائر عربية، ولن نبالغ إذا قلنا بأن المعربين في الجزائر، هم من أساؤوا إلى العربية أكثر من أعداء لغة القرآن، ولن نبالغ أيضا إذا قلنا إن الذين زعموا الدفاع عن اللغة الفرنسية، واتهموها بكونها لغة العلوم، أساؤوا إليها أكثر من أعدائها، وكانت النتيجة التي يعيشها الجزائريون الآن، هي غياب من يتقن اللغة العربية والفرنسية أيضا، فانقرض مزدوجو اللغة وظهر قاموس لغة جديد لا هو عربي ولا فرنسي يتقنه الشعب والحكام بعث مفردات “فقاقير” وأخواتها..
كلمة حق قالها الدكتور علي بن محمد، عندما ضرب مثلا من تونس والمغرب، حيث لم يحدث وأن رأس قطاع التعليم والتربية فيهما وزير لا يحسن اللغة العربية، واستهجن أن لا يتقن وزير في الجزائر، اللغة الرسمية والوطنية للبلاد، ولكن المشكلة أن الأمر لا يقتصر على وزارة التربية والتعليم، بل استفحل في الكثير من القطاعات، بما في ذلك لعبة كرة القدم، التي ارتبطت منذ أربع سنوات بكون منتخب الجزائر هو الممثل الوحيد للأمة العربية يتحدث لاعبوه للفضائيات العربية، ومع ذلك لا يتقن لاعبوه العرب اللغة العربية، ومن أطرف النكت التي ربما لا تحدث إلا في الجزائر، أن اللاعب سفيان فيغولي لعب لفالونسيا، فتعلم الإسبانية وبقي جاهلا للغة التي يصلّي بحروفها، واللاعب نبيل بن طالب لعب لتوتنهام، فتعلم الإنجليزية وبقي جاهلا للغة التي سيمثل أمتها في كأس العالم، ورفيق جبور لعب في بلاد الإغريق، فتعلم اليونانية، وبقي جاهلا للغة أجداده، وفوزي غلام لعب خمسة أشهر في نابولي فتعلم الإيطالية ولم يتعلم اللغة العربية التي أدى بحروفها مناسك العمرة عقب تأهل المنتخب الجزائري لكأس العالم.
المشكلة بالتأكيد ليست في السيدة بن غبريط، أو من ورّطها في قطاع التربية والتعليم فقط.. وإنما في أمة أضاعت بوصلة الهوية، فطار العالم، وهي ما تزال تبحث إن كان الطيران مذكرا أم مؤنثا؟