حديقة في كل مسجد
الذين تابعوا طواف فرنسا للدراجات الهوائية، على مدار أيام الصيف الحارقة، عرفوا لماذا حافظت فرنسا على مركزها الأول في استقطاب سياح العالم من القارات الخمس، وعلموا بأن شعبية الطواف الأشهر في العالم، ليس في هاته الرياضة التي لا تكاد تلقى أي رواج شعبي أو رسمي، مقارنة مع بقية الرياضات الأولمبية، وإنما بفضل ما تقدمه فرنسا من مناظر خلابة جمعت بين روعة الخالق، عبر مناظر طبيعية باهرة، وإبداع المخلوق الذي حوّل فرنسا إلى تحفة بديعة، وإذا كان الخالق قد منح أرض فرنسا من جنان الغابات والأودية، فإن الفرنسيين نحتوا في الجبال وعلى ضفاف الأودية وفي قلب المدن والقرى كنائس، تبيّن مدى حرص المسيحي الفرنسي على منح هندسة هاته الأماكن التعبدية، لأحسن الكفاءات من مكاتب الدراسات والمهندسين وفناني النحت والمزارعين والمختصين في إنجاز النافورات، وتجتمع الدولة والمواطن سهرا على الحفاظ على هاته التحف العمرانية والفنية حتى يُخيّل لك بأنها بنيت منذ أسابيع فقط وغالبيتها يعود إلى قرون خلت.
نعود إلى بداية شهر أوت عندنا، حيث يبدأ طواف النيران، التي صارت تلتهم ما أبدعه الخالق فقط، في غياب ما يبدعه المخلوق، وبقدر ما تفقد الجزائر سنويا آلاف الهكتارات، تعجز عن تغطية الأماكن التي تصحّرت، والتي حوّلها هذا الطواف الناري إلى أرض جرداء، وما عاد الجزائري يلتقي بشجرة ليستظل بها إلا وهو يعلم بأنه لقاء وداع، لأنها ستُباد بعد أيام أو شهور بفأس جاره أو سيجارة عابر سبيل أو من همجية بلدية أو جشع طامع، وإذا كانت الدولة بوزارات الغابات والبيئة والمحيط والسكن، وبأكثر من ألف وخمس مئة بلدية قد عجزت عن إبرام إتفاقية حب أو على الأقل احترام بين الجزائري والشجرة، فإن المواطن أيضا مسؤول عن قطع هاته العلاقة، في مسكنه الذي ينجزه، حيث يبقى عشقه الأول هو الإسمنت، وحتى في مسجده الذي من المفروض أن يؤمه في خمس مناسبات في اليوم، حيث تبقى الشجرة آخر اهتماماته، بل دون اهتماماته، فنرى كيف تمنح الكنيسة للناظر ما يسرّ من حدائق ونافورات وزوّار يدخلونها آمنين، وما يمنحه المسجد من مناظر إسمنتية بهندسة بائسة، وكأن بانيه بصدد إنجاز كوخ قصديري أو بيت فوضوي أو كشك لممارسة التجارة الفوضوية.
قد تكون صور نصف أندية الكرة وهي تتوجه إلى تونس، ونصف الآخر إلى المغرب للتحضير لموسمهم الكروي على ميادين العشب الطبيعي التي تتوفر هناك، ونصرّ هنا على اللعب على البساط الاصطناعي الجاهز، دليل على عدائنا للطبيعة، لأجل ذلك تقدم فرنسا طوافا يبين مدى العلاقة الجميلة بين الشعب وما حباه الله من جميل الطبيعة، ويبقى طوافنا لدى الجيران بحثا عن الطبيعة، ولا أحد حرّك ساكنا، من حاكم لا همّ له سوى كرسيه الخشبي المصنوع من بقايا شجرة، ومواطن حتى عندما يحلم بسكن أو بمحل تجاري أو بزورق هجرة خشبي، فإنما على حساب غابة أو شجرة.. ضمن معادلة..أنا وبعدي الحريق؟