الجزائر
كثرت المبادرات واللقاءات بين الأحزاب

حراك حقيقي أم مجرد فولكلور سياسي؟

الشروق
  • 1624
  • 13
ح.م

في الوقت الذي بدأ النقاش بشأن مبادرة “التوافق الوطني” التي أطلقتها حركة مجتمع السلم يتراجع، تعزز النقاش السياسي داخل معسكر الموالاة حول دعم العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة، فاللقاءات أصبحت شبه يومية بين مكونات هذا المعسكر الذي بات أكثر إصرارا على طرح مشروعه السياسي، مشفوعا بمبررات الإنجازات المحققة على الأرض، كما يقولون. بعض المحللين يقولون إن معسكر العهدة الخامسة انتقل من الدفاع إلى الهجوم والدليل على ذلك اللقاءات شبه اليومية بين الأحزاب المشكلة لمعسكر الموالاة. لكن ما خلفية اختيار هذا التوقيت؟ وهل يعتبر ذلك إيذانا بوفاة مبادرة مقري؟ ثم أين اختفى أحد أبرز الفاعلين في معسكر الموالاة ممثلا في حزب الحركة الشعبية ورئيسها عمارة بن يونس؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول “الملف السياسي” لهذا العدد الإجابة عنها.

بعد مفاجأة مبادرة “التوافق الوطني”
أنصار العهدة الخامسة في هجوم مضاد !

لقاءات في كل الاتجاهات بين قادة الأحزاب، بعضها مضاد للطبيعة كما قال أحد السياسيين.. ومبادرات تتساقط كالمطر، بعضها معروف المعالم والبعض الآخر سمه ما شئت.. لقد أصبح هم الكثير من السياسيين هو أن تكتب عنهم الصحافة ويقال إنه التقى فلان أو علان، أو هو مع هذا المشروع أو ضد ذاك..
فبالأمس فقط التقى رئيس حركة البناء، عبد القادر بن قرينة، برئيس التحالف الوطني الجمهوري، بلقاسم ساحلي.. هذا اللقاء وإن كان من الناحية السياسية عاديا، كون الأمر يتعلق برئيسي حزبين يبحثان عن التموقع على مقربة من استحقاق رئاسي ينطوي على الكثير من التحديات والرهانات والحسابات، إلا أن هذا اللقاء يبدو بلا طعم ولا رائحة.
عندما يلتقي الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، مع أي من الشركاء السياسيين، فالأمر يبدو طبيعيا كونه يعمل في إطار مشروع سياسي يناضل من أجله، ألا وهو إنجاح مشروع العهدة الخامسة، مثله مثل أمين عام التجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى، وبدرجة أقل رئيس تجمع أمل الجزائر “تاج”، عمار غول.
وإن بدا موقف ساحلي منسجما مع خطه السياسي، لأن الحزب الذي يقوده يعتبر أحد الأحزاب التي تدور في فلك معسكر الموالاة، إلا أن ما يقوم به بن قرينة يثير التساؤلات، فالرجل يبدو في غير موقعه الطبيعي، تماشيا مع التوصيف الذي كان ولد عباس قد أطلقه في سياق التعليق على لقاء رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، مع رئيس الحركة الشعبية، عمارة بن يونس، عندما قال إنه لقاء “مضاد للطبيعة”.
لا شك أن “حركة البناء” كانت لها مبادرتها الخاصة، غير أن نشاطها ازداد بالتوازي مع بروز مبادرة حركة مجتمع السلم، الأمر الذي دفع البعض لاعتبار هذا المعطى محاولة من بن قرينة ورفاقه للتشويش على مبادرة مقري، أملا في تموقع أفضل في الوقت الذي بات موعد الانتخابات الرئاسية على الأبواب.
كما أن عودة الروح لمبادرة بن قرينة تزامن مع الهجوم المضاد الذي تقوده الأحزاب المشكلة والدائرة في فلك معسكر الموالاة، الداعي إلى العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة، وهو أمر من شأنه أن يغذي التساؤلات، حتى ولو كانت نية قادة حركة البناء بعيدة عن كل ما يقال.
وبينما كان بن قرينة يتباحث مع ساحلي هموم المشهد السياسي وتحديات العهدة الخامسة، كان القيادي السابق في حركة النهضة، عز الدين جرافة يشرح في رسالة وجهها للصحافة، الخطوط العريضة لمبادرة قريبة من مبادرة مقري، لكنها تختلف معها من حيث آليات التجسيد، وهي التي قوبلت كما هو معلوم برفض مطلق من قبل أحزاب الموالاة.
وبين هذا وذاك، يبقى لغز اختفاء الوزير الأسبق ورئيس الحركة الشعبية، عمارة بن يونس، عن المشهد وبالأخص عن لقاءات معسكر الموالاة، بحاجة إلى تفكيك، فالرجل الذي دعم الرئيس بوتفليقة في العهد الرئاسية الأربع، واضطر إلى تأسيس حزب جديد بعد ما تمرد على الحزب (التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية) الذي نشأ وترعرع فيه سياسيا من أجل ذلك، لا يزال موقفه غامضا، ويبدو أن معسكر الموالاة يكون قد لفظ بن يونس أو العكس، ولعل بعض جوانب الإجابة على هذا التساؤل يمكن استشفافها من خلال كلام ولد عباس الذي قال للصحافة في وقت سابق “لا تسألوني عن عمارة بن يونس!”.
ومهما كانت القراءات والتأويلات التي أعطيت لهذا الحراك، فهو يعتبر من مظاهر النقاش الديمقراطي الذي كان يجب أن ينطلق قبل هذه الأيام بأشهر وليس بأسابيع مثلما هو معمول به في الديمقراطيات التقليدية، لأن موعدا انتخابيا بحجم الانتخابات الرئاسية ليس كغيره، وهو ما يتطلب نقاشا سياسيا مستفيضا تتعارك خلاله المشاريع والأفكار في سوق تطرد فيه الأفكار الرديئة ويبصم على النجاح للأفكار الجيدة، كما يقول أحد المفكرين.

الأمين العام للتحالف الوطني الجمهوري، بلقاسم ساحلي لـ”الشروق”:
مبادرة المعارضة تتنكر لإنجازات الرئيس ومن حقنا مناصرة العهدة الخامسة

بلقاسم ساحلي

كانت مبادرة حركة مجتمع السلم حول التوافق الوطني كفيلة باشتعال المشهد السياسي.. ما الذي جاءت به تلك المبادرة كي تحدث كل هذا الحراك في الساحة الوطنية؟

المبادرات السياسية التي عرفتها الساحة الوطنية مؤخرا أمر إيجابي، فهي تندرج في إطار التحضير لرئاسيات 2019، وبالتالي فمثل هذه اللقاءات بين الأحزاب السياسية تعتبر مهمة للغاية بالنسبة لكل الأطراف الفاعلة في الساحة الوطنية، لكن الشيء الذي يجب التنويه إليه هنا، هو أن هذه المبادرات، تحمل في مضمونها عنوانين، الأول يتعلق بأحزاب الموالاة التي تسعى للمحافظة على المكاسب والعمل على تجاوز النقائص عبر دعوة الرئيس بوتفليقة للاستمرارية ورفع التحديات الوطنية على غرار تكريس الديمقراطية وتنويع الاقتصاد الوطني، وهو جوهر هذه المبادرة التي تختلف عن مبادرة المعارضة التي تتنكر لكل المكاسب المحققة، وتسعى إلى التركيز على النقائص، كما أنها تدعو لمجلس تأسيسي ومرحلة انتقالية، وهي مسارات مغامراتية تقود البلاد للظلام ومصير غامض لا يخدم البلاد.

أصبحت اللقاءات بين الأحزاب المشكلة لمعسكر الموالاة شبه يومية، فخلال يومين سجل لقاءان (أويحيى مع غول، ثم ولد عباس مع غول).. ما هي القراءة التي تقدمونها لهذا المستجد؟

من الطبيعي جدا أن تلتقي قيادات أحزاب الموالاة فيما بينها، فهي ظاهرة صحية تسبق رئاسيات 2019، وهذا في انتظار اللقاء الجامع والمهم الذي سيرسم الطريق ويحدد متطلبات الاستمرارية، ويحدد التحديات المنتظرة على الصعيد السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، وبالتالي ستعمل أحزاب الموالاة على رفع التحدي والالتفاف فيما بينها والتحضير الجيد لهذا الاستحقاق الهام، الذي يعتبر محطة هامة في تاريخ الجزائر.

عندما تلتقون الأمين العام للأفلان والأرندي، فهذا أمر طبيعي لكن الشيء غير المفهوم هو عقد لقاءات تشاور مع أحزاب تختلفون معها على غرار حركة البناء الوطني ما الهدف برأيكم؟

التحالف الوطني الجمهوري، هو حزب متفتح على كل التشكيلات السياسية على اختلاف توجهاتها، وبالتالي لقاؤه بقيادات أحزاب معارضة هو أمر طبيعي للغاية، خاصة إن كان هذا الحزب يحترم الدستور والمبادئ الوطنية المتفق عليها، وهنا أريد أن أوضح شيئا..

تفضل..

حزبنا أبوابه مفتوحة أمام جميع الأحزاب، سواء كانت معارضة أم موالية، فنحن نحترم الحوار الذي يهدف لتقوية نقاط التقاء ويقلل من هوامش الخلاف والاختلاف.

سجل تراجع حضور مبادرة حركة مجتمع السلم في المشهد السياسي منذ إعلان أحزاب السلطة رفضها للمبادرة.. هل يمكن القول إن مبادرة “حمس” ماتت رسميا؟

أنا شخصيا أتحفظ على التعليق على مبادرة الإخوان في حركة مجتمع السلم، وهذا بسبب عدم اطلاعي على فحوى المبادرة، فأنا لم ألتق رئيس “حمس” عبد الرزاق مقري، لكن لقائي مع الأحزاب السياسية التي اطلعت على فحوى مبادرة التوافق الوطني، جعلتني أسجل بعض الملاحظات التي دفعتني للتحفظ عليها على غرار عدم المساس بشرعية المؤسسات ورفض تدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية واحترام الآجال الدستورية، كلها أمور يرفضها التحالف الجمهوري، ويعتبرها خطا أحمر لا يجب تجاوزها أو المساس بها .

بعض قادة أحزاب الموالاة يتحدثون عن دعوة الرئيس إلى الترشح لعهدة خامسة، ثم يعودون للوراء أحيانا ويقولون إنهم يتركون الحرية للرئيس في اتخاذ القرار.. ما تعليقكم؟

في الحقيقة لا يوجد لبس أو غموض في دعوة أحزاب الموالاة للرئيس بوتفليقة على الترشح لعهدة خامسة، فنحن طالبنا بالاستمرارية، وهذه الأخيرة مرتبطة بإرادة الرئيس وحده، فنحن كأحزاب سياسية تنتمي للموالاة، قررنا وبعد النظر للمسار التاريخي للرئيس الحافل بالبطولات الوطنية والدولية، فضلا عن الإنجازات التي قدمها للجزائر طيلة 20 سنة تدفعنا لمناشدته الترشح، والقرار الأول والأخير يعود له، فنحن نأمل أن يستجيب للأحزاب السياسية ودعوات آلاف من المناضلين الشرفاء الراغبين في أن يستمر في خدمة البلاد والعباد.

القيادي في جبهة العدالة والتنمية، لخضر بن خلاف: لـ”الشروق”
الموالاة تتخبط.. ونجاح مبادرة حمس لا يحتاج إلى قرار من أحد

أشعلت مبادرة “حمس” المشهد السياسي.. ما الذي جاءت به لِتحدث كل هذا الحراك؟

هذه لا تسمى مبادرة وإنما مشروع مبادرة، بمعنى أن مبادرة حمس لم تُكتمل ولم تُكتب ولم تُسلم للمعنيين بها، وأصحاب المبادرة قالوا إنها مشروع مبادرة، وهم ينوون مستقبلا الاتصال بأحزاب أخرى، ثم يكتبون المشروع خلال شهر أكتوبر أو نوفمبر، لِيسلم لاحقا.
وفي ظل الركود الذي نعيشه والضبابية، فظهور مبادرة من هذا النوع والتي شخصت الواقع ودعت للتغيير، في حال حسنت النيات والتقى المخلصون في البلد وحدث اتصال بين الأحزاب، فالأكيد أن مثل هذا العمل تكون له حركية على كل المستويات، وكما شاهدنا، الجميع تفاعل مع المشروع، من أحزاب وشخصيات سياسية وحتى المؤسسة العسكرية خرجت عن تحفظها وأدلت بدلوها.

ما القراءة التي تقدمونها لتواتر لقاءات قادة أحزاب المعارضة؟

هؤلاء دخلوا في سلسلة لقاءات وخرجوا بتصريحات بهلوانية، فمرة يناشدون الرئيس الترشح ومرة الاستمرارية، وهؤلاء من أحزاب السلطة يلتقون مع أحزاب صغيرة، ويتعاملون معهم كأنهم أرقام وفقط، وهدفهم تكبير رقم المناشدين.
ولم نفهم عن أي استمرارية يتحدثون، فهل هي الاستمرارية التي أوصلتنا إلى طريق مسدود، وأنتجت لنا سياسات خاطئة في جميع المجلات، سواء اقتصاديا إذ نعيش في أزمة حقيقية، واجتماعيا مع عودة الاحتجاجات في جميع القطاعات خاصة خلال الصائفة، ما يهدد بدخول اجتماعي ساخن، إضافة للفساد الذي عشش في جميع القطاعات، وبعض ملفاته مطروحة على العدالة.

تخلفت “الحركة الشعبية” عن هذه اللقاءات رغم من تلاحم أحزاب الموالاة.. ما تعليقكم؟

الأحزاب حرة في مواقفها، وأظن أن دعاة الاستمرارية يتخبطون، والرؤية لديهم غير واضحة، فهم يناشدون الرئيس الترشح رغم أنه لم يقل كلمته، بل أجزم أنهم لم يلتقوه أصلا.
ومن ثم فهم يعيشون في ضبابية، وهناك أحزاب من الموالاة لم تنخرط معهم فهي ترى هذا المسعى غير واقعي ولا يخدم البلاد والعباد. والحل أن تترك الفرصة للتغيير المنشود الذي يريده عامة الشعب الجزائري، ونحن نثمن مثل هذه المواقف التي لا تنخرط في الأوهام، وندعو إلى ترجيح كفة العقل

هل يمكن القول إن مبادرة “حمس” ماتت رسميا؟

هذه المبادرة لا تقاس بالمصادقة عليها من أحزاب الموالاة، لأن موقفهم واضح، فهم لا يعترفون بأننا نعيش مشكلة سياسية، ولا يعترفون بوجود مشكلة اقتصادية، فهم يطبعون الأوراق المالية من دون حسيب ولا رقيب، وما طبعوه من 30 مليار دولار، والذي كان مقررا طبعه في سنتين ونصف، طبعوه خلال 8 أشهر.
لا نستطيع الحكم على المبادرة بالفشل لأن أحزاب الموالاة رفضتها، فبالنسبة لنا فنحن نلتقي مع أحزاب مشروع المبادرة في الجانب السياسي والاجتماعي والإقليمي، وخاصة بعد حذفهم من المبادرة دور للمؤسسة العسكرية في المرحلة المقبلة أو في الانتخابات الرئاسية. ونحن نوافقهم في كثير من النقاط، وأضفنا لهم شرطا أساسيا، وهو عدم فتح ملفات الماضي، كي يكتب النجاح. ما يهمنا اليوم حماية السفينة من الغرق.

بعض قادة أحزاب الموالاة يتحدثون عن دعوة الرئيس إلى الترشح لعهدة خامسة، ثم يعودون للوراء أحيانا ويقولون إنهم يتركون الحرية للرئيس في اتخاذ القرار.. ما تعليقكم؟

للأسف يتكلمون باسم الرئيس وقد أساؤوا إليه، فهم يتخبطون في طرحهم، مرة يدعون إلى العهدة الخامسة ومرة إلى الاستمرارية، ومرة يقولون إن القرار في يد الرئيس، وهو من يفصل في الموضوع، وهذا دليل أن لا موقف لهم. هدفهم التقرب من الرئيس، والخطير أنهم يتكلمون باسم الشعب، ويناشدون الرئيس باسم الشعب، وهو لم يكلفهم بهذه المهمة. وأنا أشبههم بالشخص الذي أضاع بوصلته في الصحراء، وصار يضرب خبط عشواء.
والحل في نظرنا يكمن في تنظيم انتخابات نزيهة، تحت إشراف هيئة مستقلة على الانتخابات من بدايتها إلى نهايتها، فيما تقوم المؤسسة العسكرية بدورها الدستوري فقط.

مقالات ذات صلة