-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حرب اللحوم؟

حرب اللحوم؟

عقدة الجزائريين مع اللحوم الحمراء، تتجلّى كلما هلّ شهر رجب، أو شعبان، على أقصى تقدير، فالمواطن يتذكر بأن الفيتامينات ضرورية لجسمه، فيقضي شهر الصيام في أكل ما لذّ وطاب، وخاصة اللحوم الحمراء، والدولة تتذكر بأن البواخر الضخمة، والحاويات المبرّدة التي اخترعها الآخرون، يجب أن تنقل للشعب اللحوم الحمراء من طازجة ومجمدة، والأئمة أيضا يتذكرون بأن الإسلام حرّم أكل اللحم غير المذبوح، فراحوا يفتون ويقترحون أنفسهم للسفر إلى البرازيل أو الأرجنتين أو الهند للإشراف على الذبح الحلال على الطريقة الإسلامية، وتبدأ معركة اللحوم ليس بين المنتجين والموالين، وإنما بين “بارونات” الاستيراد الذين يتحوّلون بين ليلة وضحاها، إلى علماء في الكيمياء والبيطرة، ودُلال خير وناصحين ومُشفقين على صحة المواطنين، يحفظون كل أنواع البكتيريا من سالامونيلا والإيروبي وأخواتهما، ويخطف اللحم على مدار الأشهر التي تسبق شهر رمضان، الحدث من على المنابر ومعهد باستور وحقائب وزارتي التجارة والفلاحة، والصفحات الأولى لمختلف الصحف الوطنية، حتى تكاد تجزم بأن اللحم هو الحاكم الأول للبلاد وهو الشعب أيضا.

قدر الجزائري أن يترقب رؤية بواخر الاستيراد، قبل أن يشهد هلال رمضان، وهمّه أن تطلق الدولة سراح “شياطين الإنس” من المستوردين الجشعين، لينقلوا له الأكل حلاله وحرامه، وطيبه وخبيثه، قبل أن تصفّد الشياطين في رمضان، والدولة يعجبها هذا المواطن البائس، الذي ينطق من جهازه الهضمي، فتسرع لتقدم له برنامجها الجاهز، في غياب البرامج الحقيقية، فتطلق بكل وزرائها، تصريحات الطمأنة، على محاربة الندرة وإغراق السوق بالمواد الغذائية التي هي بالكامل مستوردة من القارات الخمس، ومنها اللحوم على وجه التحديد.

  فسعادة الدولة أن يبقى همّ المواطن بطنه، وهو في خدمتها دائما، ووظيفتها الوحيدة أن تشفي غليل المعدة، بالاستيراد من أموال النفط، التي مازالت تتهاطل برغم بعض التيارات الحارة التي تنذر بجفاف السحابات الماطرة، والمواطن أيضا، تعجبه هاته الدولة البائسة، التي تستجيب لمطالب بطنه ولا تلتفت لمطالب عقله، فهو الذي طالب منذ نصف قرن، وهي التي استجابت بالبواخر من دون أن تذكره بأن الذين أنتجوا هاته اللحوم القادمة من الأرجنتين والهند، إنما هم أناس مثله يعيشون في أرض مثل أرضه، وربما أقل؟

في معركة اللحوم، الدائر رحاها في رجب، لأجل الفوز بسوق شعبان ورمضان وشوال، يتجلى حالنا بصورة واضحة، فالأئمة يفتون في حلال اللحوم القادمة من أمريكا اللاتينية أو الهند من حرمتها، والبيطريون يتحدثون عن طرق الذبح وخطورة اللحوم القادمة من هنا وهناك، فيؤشرون على الأطنان منها ويحذرون من أخرى، والشعب يسأل عن المساحات التجارية التي ستبيع الطازج منها والمجمد، والدولة تمنح التراخيص لهذا وذاك بالطرق المعلومة لأجل الاستيراد. ولا رجل رشيد واحد، يُذكر هؤلاء، دولة وشعبا، بأن مساحة الجزائر تقارب المليوني ونصف مليون كيلومتر مربع، ومساحة المراعي تفوق ستة عشرة مليون هكتار، والأرض الخصبة مساحتها سبعة ملايين هكتار، وبقليل من العمل بإمكان الجزائر أن تُطعم شعبها لحوما حمراء وبيضاء، وتطعم دولا أخرى، بعيدا عن الفتاوى وعن حكاية البكتيريا ووجع الرأس.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • بنت عمران

    لقدجعلؤانا نفكر بمعدتنا ؤخافؤا من صؤم الا يمان ؤالاحتساب

  • algerien

    المشكل ليس في اللحوم الحمراء أو المستوردين اللذين يفضلون لحوم الهند و البرازيل على لحوم السودان ,المشكل الحقيقي يكمن فينا كمواطنين فنحن بمجرد حلول شهر رمضان ترى الناس تتهافت على الأكل و كأننا لا نأكل طوال السنة حتى أننا نسينا المعنى الحقيقي لرمضان وهو الإحساس بالفقراء و المساكين.

  • سمير

    كلامك في الصميم دائما ...