حرب “داعش” الغبراء!
هكذا تسير الأمور: الدول العظمى تخلق الفتن باسم السلام العالمي، وشعوبها تجني شوك حرث دولها، والعنف الأعمى، الذي لا يميّز بين بريء ومعتدٍ، وبين مسالم ومسلم وموحد وباحث عن الحقيقة، ولا بين طفل وامرأة وشيخ وشاب وطفلة، والممارَس باسم الإسلام!
ما عرفته فرنسا مؤخّراً، وما عرفته الطائرة الروسية، وما ستعرفه دولٌ أجنبية ومسلمة وعربية، لن يتوقف عند حدود الحدود، فالشر لا حدود له والخير محدود، وما بين الخير والشرّ معارك لا تنتهي.. غداً على الأقل.. والكل يرى أنه يمثل محور الخير والبقية محور الشر، الأمريكان كما الغرب، والإرهاب المؤدلج دينياً، لا فرق بين ذاك وذاك، الكل يعمل على بسط رؤيته المقلِّصة والمضغوطة للمفهوم الأجوف للعدالة والسلم والأمن العالمي والدين والآخر.. إننا نعيش جيلا جديدا من حرب الديناصورات التي لم تنقرض، والتي تحوّلت إلى سحال بشرية وقوارض وكواسر ووطاويط باحثة عن الدم ولا شيء غير الدم.
ليس من الصّدف أن يتفق هذا الوضع الدموي مع منطق تفكير التطرف في الاتجاهين في سيناريو نهاية العالم على النحو الذي يراه كل طرف دينيا وحضاريا، فرقم 13 ورقم 21 ورقم 8، أرقام تتكرر في اختيار المناسبات والقرابين المقدّمة أمام أعين المشاهدين في العالم.. رقم 21 في الفكر الغربي المسيحي مرتبط باقتران عددي 8 و13. العدد الأول يمثل الحق (الله) والعدد 13 يمثل الشرّ (الشيطان) ومجموع العددين يمثل الصراع بين الحق والباطل، بين الخير والشر، وبين الله والشيطان على حد تصورهم. لهذا، داعش لا تقتل إلا بتوفير 21 ضحية أمام العالم. واختيار الجمعة 13، التي هي جمعة الشر، هو اختيار رمزي أيضا، مما يفيد أن فكر داعش يأخذ معانيه ورموزه من الفكر المسيحي الغربي، مما يعني أنها إنتاجُ فكر غربي وليس من إنتاج مجتمع إسلامي، مما يعني في الأخير أن هذا التفكير هو من إنتاج الغرب وليس العرب، والعرب إن أنتجوا العنف في بعض المحطات التاريخية، فإنما أنتجوه بأدوات فكرية غربية: إما أنهم استعملوا العنف للرد على عنف أعنف، وإما أنهم لم يجدوا غيره فخلطوا بين البريء والمتهم ووضعوا الكل في سلة واحدة ونسوا أن يوجِّهوا عنفهم للعدو الأساسي الناهب للأرض المحتل للوطن، قاتل الأطفال، مبيد الشعب، الهادم للحضارة، المدمر للتراث، العابث بالحقوق، المفسد في الأرض، الآمر بالمنكر، الناهي عن المعروف: إسرائيل!
نمتُ لأجد نفسي “أميرا” على جماعة “داعش” (ومعناها: الداء الإنساني للعبث بالشعوب) آمرُ كتيبتي بما نُسِب زوراً وبهتاناً إلى نبيّ بني إسرائيل بعد موسى “يوشع بن نون” عليهما السلام، بقتل الأطفال والنساء والشيوخ من الفلسطينيين في أول مدينة دخلوها وأبادوها عن بكرة أبيها “أريحا”، وأخطبُ فيهم: لا تتركوا شجرا ولا حجرا، ولا صغيرا ولا كبيرا.. أقتلوا وكبّروا الله كبيرا وسبِّحوه بكرة وأصيلا، لا تأخذكم رأفة بمسلم ولا بكافر، اقتلوا أنفسكم ولكم الجنة، فجِّروا المساجد ودور العبادات والحرم ومكة وقبور الصحابة والتابعين، فهي أوثانٌ من الجاهلية، أقتلوا واذبحوا وقدِّموا القرابين لله، لا تمسوا إسرائيل حتى نتركها لله وحده يحكم فيها بالعدل! المسلمون أولى بالقتل، لأنهم مرتدّون! أقتلوا البسطاء والضعاف ليخاف الأقوياء وترهبون بذلك عدو الله وعدوكم.
وأفيق وأنا أبكي دما على ما يحدث في العالم ضد المسلمين باسم السلم الأممي، وباسم أمة الإسلام!