حروف التسويف وحروف التنفيس
“سوف” و”السين” هي حروف تسويف، وتسمى أيضا حروف التنفيس، وهي بالفعل كذلك. عندما يستخدمها المسؤول فإما أنه يسوف أو يسعى للتنفيس على الناس لأيام أو شهور أو سنوات.. وكم استخدم هذان الحرفان في خطاباتنا الرسمية، بل قل إنه لا توجد خطابات رسمية لا تتضمنهما. سوف تشتغل، سوف تسكن، سوف تنجح، ستتزوج، ستسافر، سنطوّر القطاع، سنزودكم بالإمكانيات اللازمة، سنرسل لكم الأطباء، سنفتح عيادات جديدة، سنشق لكم الطريق، سنوصل الماء أو الكهرباء… إلى آخر القائمة. وفي الغالب ما لا يحدث ذلك، على الأقل في الوقت المحدد. هي فقط لحظات تنفيس على المواطنين ثم تبقى الحال على ما هي عليه إلى حين… سمعها المرضى والطلبة والعمال والشباب والرجال والنساء والأطفال آلاف المرات في حياتهم، بل أصبحت لازمة من لوازم هذه الحياة لا تفارقنا حيث حللنا أو انتظرنا. بل انعكس على مجمل حياتنا، ولم نعد نسمع حتى من أطفالنا سوى إجابات تبدأ بحروف التسويف…
ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا أن هذين الحرفين بالتحديد أصبحا المصدر الأول لفقدان الثقة بين المواطن ومسؤوليه في أي مستوى كان…من العائلة إلى الحكومة.
وعليه فإن أي تفكير في استعادة ولو قسط قليل من هذه الثقة المفقودة ينبغي أن يبدأ من هنا: إلغاء حروف التسويف من خطابنا السياسي واليومي، وتأجيل أي حديث عن ما سيتم إلى حينه، إلى أن يُصبح واقعا مجسدا لا شك فيه.
على كل مسؤول أن يقوم بإنجاز ما ينبغي عليه أن يقوم به، وبعدها يقول للمواطنين: درسنا طلباتكم وأنجزنا وجئنا اليوم لنعاين الإنجاز. على صيغة قررنا ونفّذنا التي كانت أيام العز.
قبل الإنجاز وقبل الفعل ينبغي على المسؤول أن يصمت، لأن صدق وعوده، إن كانت كذلك، لا تعفيه من المسؤولية إذا تجاوزته الأمور ولم يستطع تنفيذ ما وعد به. لا تكفيه حسن النية لينجو من النتائج الوخيمة لحروف التسويف… عليه حذفها تماما من قاموسه إذا أراد أن ينجو من عقابها أو أراد أن يساهم في استعادة أهم ركيزة لاستقرار الدولة والمجتمع: الثقة.
إن أساس وجود الدولة وبقائها هو الثقة بين الحاكم والمحكوم حتى قبل توفير لقمة العيش والأمن كما تقول الحكمة الصينية. والمعول الأول الذي يخرب هذه الثقة هي الوعود الكاذبة، أو التي لا يتم الوفاء بها.
علينا أن نقرر فورا الشروع في هزيمة حروف التسويف إذا أردنا لقسط من الأمل أن يعود.