الرأي

حرية التحرش

عمار يزلي
  • 3096
  • 15

لحرية التعبير حدود، هذه الحدود، نحن من نرسمها لأنفسنا قبل أن يفرضها علينا غيرنا، اللهم إلا إذا أعلنّا رفضنا للآخرين تماما ووضعنا أنفسنا فوقهم عاليا. الذين يتشدقون بحرية التعبير ويقدّسونها أكثر من أي دين سماوي ويعتبرونها فوق الأديان، ويعتنقون الفكر العلماني و”الفولتيرية” هم من يدوسون على حرية الرأي والمعتقد اليوم.

قبل أيام، كنت أتابع حصة في إحدى القنوات الفضائية حول الكاريكاتير حوارا مطولا معولينسكي، أشهر رسام وكاتب هزلي فيشارلي إبدو، والذي قضى في حادثة الاعتداء على مقر الأسبوعية. الرجل يقول صراحة إنه ملحد (وهذا من شأنه.. وشأنه مع خالقه) وإنه لا يمكن أن يتصور كاتبا هزليا ورساما فكاهيا لا يكون غير مؤمن.. أي ملحدا، أما أن  يكون ساخرا، فهذا ممكن! ولينسكي يربط إذن الهزل والفكاهة  (L_humour) بالكفر.. إذن عليك أن تكون كافرا، لتكون فكاهيا، وهذه كانت قناعته. وعليه، لم يتجرأ مع غيره على التحرش (جنسيا) بالمقدسات الدينية وبأشنع الصور، بمن فيهم القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم والمسيح عليه السلام. الصور موجودة على الأنترنت ويمكن العودة إليها. أما المسيحيون، فلم تعد لهم لا الغيرة على أنبيائهم ولا حتى على نسائهم، قتلتهم العلمانية الفرنسية الملحدة وأفسدت طباعهم (بالمناسبة: هناك علمانية ملحدة وهناك علمانية مؤمنة، والعلمانية الفرنسية تأسّست على الإلحاد والحرب على الكنيسة ورموزها، فيما العلمانيات الأوروبية والأمريكية، لا يعني أنها كلها تعادي الدين، قد لا تتمثلها، ولكنها علمانية متدينة شكلياً).

ما أقدم عليه فريق الكومندوس ضد الجريدة غير مبرر بأي حال من الأحوال، عملية شنيعة، تسيء إلى الإسلام والمسلمين. غير أن ما قامت وتقوم به الأسبوعية منذ سنوات، بدعوى الفكاهة وحرية التعبير والتهكم والسخرية، خرج عن نطاق الحرية وبدا استفزازا مقيتا وتحرّشا بالمشاعر. وعليه، نتوقع هجمات أخرى ألعن وأخطر إذا استمرّ استفزاز المشاعر بهذا النحو، خاصة وأن المسلمين يرون أنفسهم ضحايا العالم كله من قتل وتفقير وتجويع وعنصرية واحتلال وعلى رأس أم القضايا: الشعب الفلسطيني، وتضامن العالم مع إسرائيل قاتلة الشعب الأعزل، يُضاف إلى كل هذا ازدراء المسلمين ونبيهم وقرآنهم وبدينهم ومقدساتهم!…

لم أنم هذه الليلة، وإنما رأيت نفسي موجودا في قاعة التحرير أرسم رسما كاريكاتوريا ضد العلمانية وأمسخها مسخ القردة، فما كان على هيئة التحرير ورئيسها، إلا أن مزقوا الرسم ورموا القصاصات فوق رأسي وطردوني شر طردة وتوعدوني بالملاحقة في المحاكم. بل ولعنوني بكل أشكال السب وهددوني بالقتل ورمي جثتي في السين إن رسمت رسما واحدا يسيء إلى دين أمهاتهم، سكتُّ وخرجت قبل أن أسمع الرصاص.. من خلفي داخل قاعةالتحرر“!

 

مازالت ما فقتش.. ولا أنتم!

مقالات ذات صلة