-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حريتهم ودينُنا

عمار يزلي
  • 885
  • 0
حريتهم ودينُنا
ح.م
الثورة الفرنسية سنة 1789

تأسَّس الغربُ الرأسمالي منذ الثورة الفرنسية سنة 1789م على ثلاثة عناصر أساسية: الحرية، الأخوّة، المساواة، كان ذلك ثمرة لقرن الأنوار وعصر النهضة. هذه العناصر الثلاثة يقابلها فلسفيا ثلاثة عناصر: العلمانية، الفردانية، العدالة.

هذه المطالب، التي تأسّس عليها المجتمع الرأسمالي الوليد، سرعان ما تحولت إلى قواعد أخلاقية جديدة في العمل السياسي، أي قواعد إيديولوجية شبيهة بالدين، بل “لا دين، تأسس على دين”، منذ مرحلة هيمنة الكهنوت والكنسية إبان العهد الإقطاعي وما قبله في العهود القروسطية.

الحريات الفردية التي يتغنى بها الغرب اليوم، ويقدسها أكثر من الدين، هي ثمرة لهذا الموقف العدائي من كل الأديان وعلى رأسها الكنيسة المسيحية الكاثوليكية وحتى الأرثوذوكسية في روسيا قبل الثورة البلشفية سنة 1917.

يُفهم من هذا، أن العداء للدين هو عداءٌ لظلم الكنيسة أساسا، عُمِّم ليصبح عداءً لكل الأديان مع الإيديولوجيات العلمانية سواء كانت علمانية مادية اشتراكية، أم علمانية مادية رأسمالية، وكل هذا العداء هو أصلا نتيجة لفلسفة عهد الأنوار التي ضجت بالاختراعات العلمية وقتها حتى أن كثيرا منهم أقرَّ بمادية العالم وبأن العالم ما قبل هذه الاكتشافات والاختراعات كان عالما مقلوبا يمشي على رأسه، بما في ذلك فلسفة هيغل الألمانية التي انتقدها ماركس وبنى عليها فلسفته الإلحادية.

الغرب الرأسمالي تشبَّع من نفس القناة المعرفية ومن نفس النهر التاريخي المتمثل في الثورة الفرنسية الرأسمالية التي أنهت عهد الإقطاع وحكم الكنيسة وأدخلت العالم في مرحلة الرأسمالية الناشئة التي ستغيِّر كثيرا من نمط الإنتاج والمعتقد، وتلغي كثيرا من المسلَّمات السابقة، وتبني عليها أنموذجا “غربيا للثقافة الرأسمالية” التي نسميها اليوم “القيم الغربية” بكل ما تحمل من محاسن ومساوئ.

كان هذا مع الرأسمالية الوليدة التي كانت تمثل مرحلة ثورية وقتها، أي بداية من نهاية القرن الـ18 إلى غاية نهاية القرن الـ20، غير أن دخول الرأسمالية الغربية عهد “الليبرالية الجديدة” مع العولمة والأحادية القطبية وسيطرة الرأسمال العالمي على كل الاقتصادات وكل الثقافات تقريبا وكل أنماط الإنتاج والاستهلاك، نقل المجتمع الرأسمالي الغربي من مرحلة “الثورة” ضد طغيان الإكليروس ورجال الإقطاع والنبلاء، إلى حرب ضد كل الأشكال التقليدية التي تعيق تطور الرأسمالية العالمية، أي تلك التي تعيق الاستهلاك الشمولي من القيم الفردية إلى اللغة إلى الأكل إلى التفكير إلى الدين إلى الأخلاق إلى العلم.. كل شيء يجب أن يتغير ويندمج في المجتمع الليبرالي الجديد، كونه “أنموذجا” مثاليا أو ما يسمونه “الباراديجم”.

هذا هو سرّ انتقال الغرب الرأسمالي اليوم إلى الهجوم والتهجُّم على قيم الآخرين في وسائل الإعلام وفي الأدب والخطاب السياسي والثقافي، والرغبة في فرض النموذج الغربي على الجميع على حساب معتقداتهم ودينهم وأخلاقهم وقيمهم: القيم غير الغربية بالنسبة للغرب هي قيمٌ تقليدية غير متحضِّرة يجب أن تُمحى لتدخل كل الثقافات والبلدان تحت عباءة الغرب. لهذا نراهم اليوم باسم الحرية والعلمانية والمساواة، وباسم الأخوّة والعدالة والفردانية، يدفعون باتجاه الثورة على القيم الدينية التي تعرقل نمو الديمقراطية البرجوازية التي تعتمد على الربح ولا شيء غير الربح الرأسمالي، من دون حواجز ولا موانع.

الغرب اليوم، والعرب والمسلمون عموما في حالة ضعف، يريدون أن يفرضوا قواعدهم عليهم باعتبارهم مجتمعا غير مفيد، ولا تفيد الغربَ إلا بواطنُ أراضيهم من نفط ومواد أوَّلية وبعض الأدمغة التي عليهم أن يستلبوها ويتبنّوها، لأنها مشروع توسُّع فكرهم وثقافته.

ليس من الغريب أن يكون عدو المسلمين واحدا منهم، وليس غريبا أن يكون عربيٌّ عدوًّا للعروبة.. لأن هذا يمرِّر إستراتيجية خطابهم وعِلمهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!