الرأي

حول تقليص ساعات الصوم في رمضان؟!!

التهامي مجوري
  • 6625
  • 0

دعت منظمة إسلامية في بريطانيا، يوم 14 جوان 2015، إلى تقليص ساعات الصيام في اليوم، معللة دعوتها هذه بأن “الصيام من طلوع الشمس إلى مغربها قد يشق على البعض؛ لأنه يمنعهم من الطعام والماء مدة 19 ساعة”، كما تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي، تصريحا منسوبا لزعيم التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية بالجزائر RCD الدكتور سعيد سعدي العلماني اللائكي، يطالب أيضا بتقليص أيام الصوم في رمضان إلى 13 يوما، ونقل موقع الأم بي سي، هذا التصريح ونسبه إلى وزير الشؤون الدينية والأوقاف “سعيد سعدي”!!.

أول ما يخطر ببال المرء عند قراءة مثل هذه التصريحات، هو ما الجدوى من طرحها؟ أهو حقيقة انشغال بالمشقة التي تصيب الصائم؟ أم أن الأمر يدخل في إطار البحث في حقوق الإنسان؟ أم أن المراد هو إقحام العقل في قضايا التعبد التي ليست من مهامه، وإنما هي مشرعة بقرار إلهي.

ليست المرة الأولى التي يطرح فيها الموضوع، وإنما كان يطرح بشكل آخر، وهو ان الصوم قد يشكل عائقا لعجلة التنمية، كما أشيع في الستينيات والسبعينيات في نظام بورقيبة في تونس، وكما أثير في أكثر من مرة بالنسبة للفرق الرياضية التي تتزامن مقابلاتها مع شهر رمضان، فيكون الجدل هل يفطرون أم يصومون؟

وظاهر هذه الدعوات هو الحرص على واقع حركة الإنسان وتوازنها، وبحكم ان المنظومة الفكرية التي تهيمن على البشر، ليس في قاموسها حقوق الله على العباد، فإن ما تدعو إليه لا يمكن ان يكون إلا هذا الذي يتداول؛ بل ربما يأتي اليوم الذي يطالب فيه المسلمون بإلغاء شهر رمضان، وتعويضه بعبادات أخرى أقل مشقة.

على أن هذه المفاهيم هي نتيجة لضغط مقررات الفكر الغربي المعرفية، التي تنطلق من أن الإنسان هو محور الوجود، وحقوقه تسبق كل الحقوق، يعني الاهتمام به يسبق كل اهتمام؛ بل إن كل اهتمام بقضاياه، ينبغي أن تصب في مفهوم الإنسان في هذه المنظومة الفكرية، التي تنطلق من تأليه الإنسان، ثم تحويله إلى شيء من أشياء هذا الكون، على خلاف الفكر الإسلامي، فإنه ينظر للإنسان على أنه محور الكون وعبد لله سبحانه، أما محور الوجود فهو الله سبحانه وتعالى، ومن ثم فإن إرضاء الله هي الغاية العليا، وما دونها لا يكون إلا خادما لها، ومن هنا كان هذا التباعد في النظرتين، نظرة تنظر للإنسان على أنه مقدم على كل شيء، ونظرة تنظر لله على أنه مقدم على كل شيء، نظرة تضحي بالله في سبيل الإنسان، ونظرة تضحي بالإنسان في سبيل الله عند التعارض، ولذلك نلاحظ أن كل ما ذكر ويذكر من أسباب داعية للكلام في مسألة الصوم، سواء بتقليص ساعاته أو بتحديده في فصل من فصول السنة أو بإلغائه، كلها كانت قائمة، فقد صام الناس في جميع الفصول، وفي كل بقاع العالم، وصاموه وهم في ميادين الجهاد، وصاموه وهم في المصانع والأعمال الشاقة…، ولكنهم تعاملوا مع الصوم كفريضة أوجبها الله، ولم يعبأوا بما يعانون من مشاق؛ لأنهم يؤدون حقا لله أوجبه عليهم، وإذا لم يستطعوا فإنهم يتتبعون أحكام الله في المسألة، حالة بحالة.

ذلك أن الله فرض الصوم وأحاطه بكل متطلباته التي يمكن أن يحتاج إليها المكلف، سواء فيما يصادفه من مشاق، او ما يطرأ عليه من حالات أخرى ظرفية ودائمة، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ، أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [البقرة 183/187]، فقرر بهذه الآيات جملة من الأمور.

مدة الصوم شهرا قمريا..

كيفية الصوم الامساك من الفجر إلى غروب الشمس، فلم يحدد بعدد ساعات النهار ولا بأي علامة أخرى، غير علامتي بداية النهار ونهايته، ومن ثم فإن المقصد الشرعي، هو الصوم خلال هذه الفترة الممتدة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، بقطع النظر عن طول المدة وقصرها.

إذا كان المكلفون مرضى أو مسافرين، يسقط عنهم الوجوب،  ويقضونه بعد زوال المانع او العذر

الذين يتعذر عليهم الصوم مطلقا يفطرون ويفدون….، ولا شيء عليهم،

وفي الأخير إن الأمور التعبدية لا مجال فيها للإجتهاد، فهي مقررة بنصوص الوحي، ولا يجوز التصرف فيها إلا استثناء من قبيل الفتوى للضرورة والضرورة تقدر بقدرها، وليس من جهة التشريع والإضافة، لا سيما وقد نص على جملة ما يمكن أن يطرأ على الناس من أمور شاقة، فقد ذكر الله أنه يريد بنا اليسر (يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر…)، وغير القادرين على صومه سواء بشدة الحر أو طول اليوم أو أي شيء آخر، أرشدهم إلى الإفطار والتعويض بالقضاء أو الفدية.

في هذا الإطار أعجبني مسلم سمعته يوما في إحدى المحطات من أهل أيسلاندا، التي بلغ فيها عدد ساعات الصوم 22 ساعة، وقد اجتهد اجتهادا اوليا، عندما أسلم ولم يجد من يسأل..، فاجتهد  واقتدى بالمجتمع السعودي، فصام رمضان بعدد ساعات اليوم بالسعودية. فهذا الرجل اجتهد، وربما اعتبر هذه البقعة –السعودية-من العالم، هي المرجع والمعيار، لكونها البقعة التي نزلت فيها الرسالة، وعاش فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وأقام فيها العبادة والمعاملة معا، ومع ذلك لم يصر على ما فعلـ وعاد إلى الأخذ بالعزيمة.

وفي تقديري لو كان هناك مجال للاجتهاد في التعبد عموما، وفي هذه القضية بالذات، لكان رأي هذا الرجل أقرب لحقيقة التعبد؛ لأنه لجأ إلى الموقع الذي تعبد فيه صاحب الرسالة، صلى الله عليه وسلم، ومن ثم يتحمل كل ما يذكر من أسباب مانعة للصوم، كالمشقة وصعوبة الصوم في هذه المدد الطويلة، ولا يصح له التحجج بالمشقة لتقليص ساعات الصيام، فمن استطاع فليصم ومن لم يستطع يفطر ويقضي في وقت آخر…، وإذا كان من أهل الأعذار فربما يسقط عليه الصوم أصلا؛ لأن مقصود الشارع حسب نص القرآن، هو صوم اليوم بالصفة التي ذكرها القرآن وليس بعدد ساعات اليوم، وإذا عجز المكلف عن تحقيق الصوم بهذه الصفة، يسقط عنه الوجوب أو التكليف أصلا، مثلما يسقط الوجوب والتكليف عن المريض والمسافر وعن الحائض.

ثم لا أدري لما هذا الحرص وهذه الرأفة بالإنسان؟ الذي لا يفعل فيه الصوم اكثر من تغيير عاداته، وذلك من مقاصد الشرع؛ لأن العبادة في جوهرها كسر العادات حتى لا يصبح الانسان أسيرا لها. اما قصة حرمان الإنسان ساعات من الأكل في اليوم، فلا نظن أن حياة الإنسان مجرد أكل..، وحتى لو اعتبرنا الأكل والشرب معيارا حكما على على عبادة الصوم فما هو الكم الساعي للأكل في اليوم عادة؟

 

ولذلك لا أرى جدى من مناقشة هذا الموضوع بالصفة التي يناقش بها القوم الموضوع؛ لأن مجرد المناقشة فيها خلل، لأن أصل الموضوع، عبادة سنوية أوجبها الله، اختبارا وابتلاء للإنسان وعاداته، ليتخلى عن الحلال والطيبات من الرزق طاعة لله، على ما في ذلك من شدة وقسوة على النفس البشرية، والقوم يريدون أن نحاكم هذه العبادة إلى عادات الناس وما ألفوا من سلوكات وفهوم وعوائد… ونغلف ذلك بالحرص على الإنسان وكرامته.. من غير اعتبار لمراد الله بهذه العبادة.    

مقالات ذات صلة