الرأي

خريف‭ ‬سعدي‭!‬

قادة بن عمار
  • 4078
  • 6

تخلّي سعيد سعدي عن قيادة التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، يحتمل أحد المعنيين، إما أن سعدي فهم جيدا أن القطار فاته، والزمن لم يعد زمانه، بعدما جرب كل الطرق والأساليب، من أجل الاستمرار في رئاسة حزب لا يعترف به الشعب، وتمقته الصناديق، وتفرّ منه الإرادة الشعبية، وتخلت عنه المخابرات… أو أنه وجد في وسيلة الاستقالة نوعا من الالتفاف حول الراهن المشحون بالمنافسة الانتخابية ـ في ظل صعوبة إقناع مناضلي حزبه بالمقاطعة ـ عنوانا عريضا لبرنامج سياسي لا وجود له أصلا.

لكن في الحالتين، فإن سعيد سعدي يواجه خريفه السياسي في عز الربيع العربي، الذي بات مخيّرا فيه بين استجداء التدخل الخارجي أو الانتحار سياسيا، في ظل صعود خصومه التقليديين، ونقصد بهم الإسلاميين، على غرار ما وقع في بلدان كان الحكام فيها يسوسون شعوبهم، وفقا للنظرية‭ ‬السعدية،‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬يفعله‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬فما‭ ‬إن‭ ‬حلّ‭ ‬الربيع‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬خريفا‭ ‬استبداديا‭ ‬طويلا،‭ ‬حتى‭ ‬أرادته‭ ‬الشعوب‭ ‬ربيعا‭ ‬إسلاميا‭ ‬بالمطلق،‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬فيه‭ ‬لسعدي‭ ‬وأمثاله‭.‬

 

هذا الكلام لا يعني تأييدا للتيار الإسلامي في البلاد، أو لما بات يعرف بالجزائر الخضراء، فكم من “أبو جرة سلطاني” يوجد داخل التيار العلماني، وكم من “سعيد سعدي” يندّس بين الإسلاميين المفبركين في الجزائر!! علما أن بعض الزعماء في الساحة السياسية والحزبية عندنا، لا شيء يمكنهم تقديمه للبلاد والعباد أعظم ولا أحسن من الاستقالة، والانزواء قليلا عن الأضواء لترك المقاعد الأمامية لمن يأتي بعدهم، وسعيد سعدي واحد من هؤلاء، فبعدما جرب الشعب في الانتخابات التعددية الأولى، والتي ساهم في التنظير لتوقيفها والانقلاب عليها، أضحى في‭ ‬مرحلة‭ ‬ثانية،‭ ‬لا‮ ‬يعترف‭ ‬بوجود‭ ‬الشعب‭ ‬أصلا،‭ ‬بل‭ ‬يريد‭ ‬الحكم‭ ‬والوصول‭ ‬للسلطة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬متغيرات‮ ‬ومؤثرات‭ ‬هامشية‭ ‬أخرى،‭ ‬لا‭ ‬تعترف‭ ‬بها‭ ‬الديمقراطية‭ ‬التي‭ ‬يتشدق‭ ‬سعدي،‭ ‬بأنه‭ ‬واحد‭ ‬من‮ ‬فرسانها‭ ‬أو‭ ‬المدافعين‭ ‬عنها‮!‬

والحقيقة أن مسيرات السبت قضت على سعدي نهائيا، بعدما تبين عجزه الواضح حتى في إقناع سكان حيّ واحد بالخروج معه، فما بالك بالشعب كله! ثم إن مناضلي حركته باتوا يشعرون بالقلق حيال مشاركة الأفافاس في الانتخابات المقبلة، في مقابل تراجع كوطة الأرسيدي، وهو ما يفسر مقاطعته للانتخابات، في ظل صعوبة الحصول على كوطة، كالتي تعوّد عليها من طرف جهات في السلطة، هاجمها في خطابه الأخير بصورة مباشرة، وذنبها الوحيد، أنها باتت تدرك دنوّ الربيع العربي من الجزائر، وأن الشعوب هذه المرة لا يمكنها أن تسكت عن التزوير، تماما مثلما ترفض الصمت‭ ‬حيال‭ ‬غياب‭ ‬الكرامة،‭ ‬وانتشار‭ ‬الجوع،‭ ‬واغتيال‭ ‬الحريات‮!!‬

مقالات ذات صلة