خميني جديد … في الجزائر
تمكن الروائي الجزائري كمال داود، من تحويل حوار عادي له مع قناة فرنسية، إلى حدث كبير، استفاد من خلاله في حرق مراحل الشهرة، عندما أخطأ الشيخ عبد الفتاح حمداش زيراوي في الدعوة للحكم عليه بالإعدام، وصار هذا الروائي الذي لم يكن يعرف إسمه أدباء الجزائر باللغة الفرنسية، ولا نقول الجزائريين، من أشهر رجالات الأدب، وتهاطلت عليه الدعوات من فرنسا ومن غيرها من بلاد العالم، بفضل الهدية التي قدّمها له الشيخ حمداش، وتكاد تكون تأشيرة إقامة في الخارج صالحة لكل زمان ومكان في العالم، بعناوين مختلفة من الهروب من الإرهاب أو اللجوء السياسي خوفا من الظلاميين، حيث كل الطرق تؤدي إلى ما وراء الماء.
ولو أبان الشيخ حمداش، نيّة في أن يحوّل موقعه على الفايس بوك لاقتراح أحكام بالإعدام في حق من يسير على نهج الروائي كمال داود، لاصطف الروائيون الجزائريون أمام مبنى ذات القناة الفرنسية، وقالوا أكثر وأفظع مما قاله هذا الروائي، حتى ينعموا بفتوى مماثلة من الشيح حمداش، تمنحهم الشهرة التي افتقدوها والالتفاتة لكتبهم، وربما فرصة طلب اللجوء السياسي في أي بلد أوروبي.
في منتصف ثمانينات القرن الماضي، عندما اعتصرت الأزمة الاقتصادية الجزائر، لجأت أسواق الفلاح إلى بيع المواد الغذائية الضرورية ومنها البقوليات، مقابل شراء بعض المنتجات الكاسدة، ومنها الكتب التي كانت تطبعها “لاسنيد“، وقد احتج مرّة الروائي الجزائري رشيد بوجدرة وهو يشاهد كتبه مثل “ألف عام وعام من الحنين” و“يوميات إمرأة أرق” تقدم لمن يشتري كيلوغراما من اللوبيا في سوق الفلاح، لأجل ذلك لم تقلقه اتهامات الحزب المحل بالإلحاد، في بدايات تسعينات القرن الماضي، فكتب “فيس الأحقاد” وحقق في أشهر قليلة، ما لم يحققه في نصف قرن، من شهرة ورواج لرواياته باللغتين العربية والفرنسية.
وإذا كان كل العالم، وليس الأدباء فقط، صاروا يعرفون الكاتب الهندي الأصل سلمان رشدي، ويعرفون مؤلفه “النكرة” آيات شيطانية، فإن الفضل كلّه، يعود للزعيم الإيراني الرحل آية الله الخميني، الذي أفتى بإعدام الكاتب، فأحيا كتبه ونقل الرجل، الذي لم يكد يقرأ كتاباته أهله، إلى عالمية لم يحلم بها، وهو حاليا من أثرياء المعمورة، تفتح له كل البلاد الغربية أبوابها، فقد ماتت فتوى الخميني التي عمرها أكثر من ثلث قرن، ومات الخميني أيضا، وعاش سلمان رشدي كالسلاطين، أحسن من مليار هندي، وانتشرت كتبه أكثر من كل كتب الإيرانيين والمسلمين عامة.
يعلم الشيح عبد الفتاح حمداش بأن الدولة لن تستجيب لدعوته إياها بإعدام الروائي علنا، وهو الذي دعاها لمنع السباحة بالمايوهات فلم تلتفت إليه، ويعلم بأن فتواه هي تقليد للخميني الذي يعتبره هو نفسه من الكفار، وبدلا من أن تقبر أفكار كمال داود ستحييها، ومع ذلك يصرّ حمداش على أن يجتهد بطريقته الخاصة، وهو يعلم أن أجري اجتهاده يذهبان في … الريح؟