الرأي

“داعش” بشعر أصفر وعيون زرق

تقدّم بطولة أمم أوروبا لكرة القدم، التي مازالت في أسبوعها الأول، صورة جليّة عن التناقض الصارخ، ما بين ما يقوله الغرب وفرنسا على وجه التحديد، وما بين ما يقومون به على أرض الواقع، فهم تارة يتحسّسون من سجود بعض اللاعبين في الملاعب بعد تسجيلهم الأهداف، ويعاقبون تارة أخرى كل من نعت أصحاب البشرة السمراء بأوصاف سيئة، ويزعمون محافظتهم على براءة اللعبة، بعيدا عن السياسة والصراعات الإقليمية.

ولكن دحرجة الكرة حوّلتها مع مرور المباريات إلى كرة ثلج، تتضخم من مباراة إلى أخرى، حاملة الكثير من الترسّبات التاريخية والاجتماعية والسياسية، فلم تعرف المدن الفرنسية التي استقبلت ما أسمته فرنسا بـ”العرس الكبير” الأمانَ، حيث عملت الشرطة والقضاء والجماعات المحلية والمستشفيات كما لم تعمل من قبل، في شجارات بين مناصرين قدموا من كل البلاد الأوروبية، التي تزعم بأنها هي من علمت بقية الشعوب كيف يلعبون وكيف يتخلّقون.

وعندما تصف الصحافة الفرنسية مباراة أنجلترا وجارتها بلاد الغال التي لُعبت زوال أمس بالخطيرة، وتنصح الفرنسيين بأن يقروا في بيوتهم خوفا من الأذى، فمعنى ذلك أنهم هم أيضا لا يحسنون اللعب فما بالك بالجد !؟

وإذا كانت فرنسا قد باشرت المنافسة على وقع اتهامات من قلب فرنسا بكونها عنصرية لا تحب الجيل المغاربي الذي تربّى على أرضها، فإنها أقحمت السياسة وبقوة، وأبدت تحسّسها من كل ما هو روسي، إلى درجة أن الفرنسيين شجّعوا سلوفاكيا بطريقة غير “أوروبية” نكاية في منتخب روسيا، الذي عرف وعرف رجالاته السياسيون بأن البطولة الكروية ليس فيها من الكرة إلا بعض قذفات “هامشيك” ومراوغات “باييت” وتصديات “بوفون”، أما البقية فهو دين وسياسة ومجتمع وتاريخ واقتصاد وتصفية حسابات قديمة واستشراف للمستقبل، ضمن مخططات ظهر فيها الصراع في سوريا والعراق والشرق الأوسط، في مشهد ظاهره مباريات كرة وأهداف وكأس.

لقد شغلت فرنسا العالم قبل انطلاق البطولة بتخوفاتها من “داعش” الذي تصرّ على أنه مسلم، حتى تصور الناس بأن مرمى ميدان الكرة قد ينفجر في وجه الحارس، وأن صافرة الحكم قد تكون عبوة ناسفة، وقد تُسرق الكأس وتُفجّر، فمارست مزيدا من الضغوطات على المهاجرين، واستقبلت الوافدين على أرضها من الجنوب ببعض الاستفزازات، خلال منحهم للتأشيرة، وتفتيشهم في مطاراتها، ومراقبتهم على أرضها، بينما استقبلت عشرات الآلاف من الأوروبيين بالورود، وفتحت لهم مطاراتها وفنادقها، وأيضا مخامرها، وما إن مرّت بضع ساعات حتى عرف الجميع بأن “داعش” أنواع وأجناس ومعتقدات مختلفة.

يشهد التاريخ بأن كل الذين استعمروا فرنسا ونكّلوا بشعبها إنما كانوا من أوروبا، انتهاء بالنازية التي دخلت عاصمتها باريس، وتشهد أحداث بطولة أمم أوروبا الجارية مبارياتها حاليا، بأن كل الذين خربوا منشآت فرنسا وأرعبوا شعبها هم من أوروبا، انتهاء بالروس والإنجليز، ومع ذلك سنبقى نحن المذنبين.. ونحن “داعش”؟

مقالات ذات صلة