الرأي

درس من إيران وتركيا

في الوقت الذي انقسمت الدول العربية في توجهاتها السياسية والاقتصادية بين تركي وإيراني، كما انقسمت سابقا بين أمريكي وسوفياتي، طار الرئيس التركي رجب أردوغان إلى طهران مبتهجا، ومُستقبلا بالابتهاج، والتقى المسؤولين الإيرانيين، ووضع رفقتهم خطة اقتصادية، رفع من خلالها البلدان التبادل التجاري بينهما، إلى أكثر من ثلاثين مليار دولار، وهدفهما في ذلك، جلب مزيد من المصالح لشعبيهما، ولا أحد منهما تحدث عن الأزمة السورية، حيث تدعّم إيران نظام بشار الأسد بالمال والسلاح، وتدعم تركيا المناوئين أيضا بالمال والسلاح، في حرب غير مباشرة بين البلدين، ولكن على أرض أخرى وبجنود آخرين وضحايا آخرين، ولا أحد تحدث أيضا عن الأزمة في اليمن، حيث تدعم إيران الحوثيين، وتحاول تركيا أن تقول بأنها ضدهم، ولا نظن بعد هذا، بأن الرسالة التي وجهتها إيران وتركيا للعالم، غير واضحة، فهما يعملان لصالح شعبيهما وقد نجحتا في أن تكونا في منطقتهما قوة تزاحم الكبار، وتحققان بعض الانتصارات، ومهما يكن فإن الصهاينة سمعوا من رجب أردوغان ومن حسن روحاني ما لم يسمعوه من كل رؤساء وملوك العرب من انتقاد وتهديد حتى ولو كان لفظيا.. كأضعف الإيمان.

ولا أحد في تركيا تحدث عنصفويةإيران، ولا أحد في إيران تحدث عنعلمانيةتركيا، لأن الدول العربية والإسلامية جميعا تتعامل مع البلدان الغربية التي تشجع المثلية في مجتمعاتها وفي بقية المجتمعات، وبعضها يتعامل مع الصهاينة الذين استباحوا أولى القبلتين وحوّلوا مسرى خاتم الأنبياء إلى تراث يهودي خالص، ومع ذلك يتحدثون عن لائكية تركيا وعن تقديس الإمام علي وبنيه، من طرف شيعة إيران.

في عام 1938 عندما توفي الزعيم التركي كمال مصطفى أتاتورك، هلّل وابتهج الحنابلة في مصر، واعتبروا رحيله انتصارا للإسلام وعودة قريبة للخلافة العثمانية، ولكن الشيخ بن باديس ترحّم على الرجل، وكتب في جريدة الشهاب بالحرف الواحد:  إن كمال نزع عن الأتراك الأحكام الشرعية وليس مسؤولا في ذلك لوحده، وفي إمكانهم أن يسترجعوها متى شاؤوا ولكنه أرجع لهم حريتهم واستقلالهم وسيادتهم وعظمتهم بين أمم الأرض، وذلك ما لا يسهل استرجاعه لو ضاع، وسأل الشيخ بن باديس الأزهريين، كيف لهم أن ينتقدوا أتاتورك وقوانين بلادهم التشريعية مصدرها نابليون بونابرت؟

 وفي عام 1980، قام المفكرون الجزائريون وعلماء الدين، مولود قاسم نايت بلقاسم وأحمد حماني وعبد الرحمان شيبان، بزيارة الزعيم الإيراني آية الله الخميني في منزله بمدينة قم الإيرانية، وتبالدوا معه الحديث في شؤون الأمة لعدة ساعات، وعندما توفي عام 1989 ترحموا عليه جميعا ورثوه بأحسن الكلام، ولا أحد منهم تحدث عنصفويةالرجل وما شابه ذلك.

أكيد أن للشيخ بن باديس وتلامذته أخطاءهم وليس بالضرورة ما يقولونه أو يقومون به دائما هو الصواب، وأكيد أن للبلدين الكبيرين إيران وتركيا أخطاءهما، وليسا بالضرورة نموذجا يجب الاقتداء به، ولكن المؤكد أننا كشعوب لا نفهم أحسن من الشيخ بن باديس والرعيل الأول، وكدول لا نفقه في السياسة وفي الاقتصاد أحسن من إيران وتركيا.. على الأقل في الوقت الحالي.

مقالات ذات صلة