-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ديكتاتورية‮ ‬الشعوب

ديكتاتورية‮ ‬الشعوب

نخشى أن يمرّ على المصريين حين من الدهر، يفقدون فيه تأريخا ثابتا لثورة يحتفلون بها، من كثرة الثورات المرشحة للتكاثر مستقبلا، ونخشى أن تبقى مختلف البلدان العربية منتجة للثورات العربية ومستهلكة لها. فالتاريخ يشهد أن لفرنسا ثورة واحدة، ولبلدان شرق أوربا ثورة واحدة، بينما بوادر تفريخ الثورات تلوح على المشهد العام في مصر، لأن الذين رفضوا حكم محمد مرسي، لا يبدو أنهم سيقتنعون بأي رئيس آخر لا يمتلك مصباحا ينقل تسعين مليون مصري إلى العالم الذي يحلمون به، في ظرف زمني دون “السنة” التي اجتهد فيها محمد مرسي، فحرمه الملايين من الاعتراف باجتهاده، فغادر بشرعيته وبمسالمته، دون أن تصله مواساة كتابية أو شفوية أو ـ بأضعف الإيمان ـ من الذين هنأوه واعترفوا بشرعية حكمه، ودعّموه عندما اقترض قرابة خمسة عشر مليار دولار لأجل استيراد الغذاء، وحذروه من الدنو من اتفاقية كامب ديفيد، ودفعوه‮ ‬لقطع‮ ‬العلاقات‮ ‬مع‮ ‬سوريا،‮ ‬وناؤوا‮ ‬بجانبهم‮ ‬عندما‮ ‬ثار‮ ‬عليه‮ ‬المصريون‭.‬

وأكثر الناس تفاؤلا، متأكد بأن خليفة محمد مرسي، سيصطدم بثورة في أول منعرج في عهدته الانتخابية، فضمأ الشعوب للثورة على الحكام تحوّل إلى أزمة، منذ أن انتحر البوعزيزي، فالمصريون عاشوا منذ ثورتهم على مبارك، في الشارع، أكثر من المصانع والمزارع والجامعات، وكل الدول‮ ‬العربية‮ ‬مشلولة‮ ‬منذ‮ ‬تحرّرت‮ ‬من‮ ‬ديكتاتورية‮ ‬الفرد‮ ‬الواحد‮ ‬إلى‮ ‬الديكتاتورية‮ ‬الشعبية،‮ ‬فتحوّلت‮ ‬من‮ ‬ظلم‮ ‬رجل‮ ‬واحد‮ ‬إلى‮ ‬ظلم‮ ‬أمة‮ ‬واحدة‮.‬

وما يحدث في الجزائر منذ ثورة البوعزيزي، صورة لديكتاتورية الشعب الذي عانى من قطع المسؤول الواحد للتيار الكهربائي أو الماء أو الهاتف. فصار بعض الشعب يقطع على غالبية الشعب الطرقات، والجميع يسعى لأغراض شخصية، وليس لبناء دولة كما حدث في الثورات العالمية المعروفة‮.‬

لقد عانت مصر من اليد الحديدية للزعيم الواحد، منذ عهد الفراعنة إلى عهد مبارك، فكان الشعب يريد، والحاكم يفعل ما يريد، وأصبح حكامها يريدون والشعب يفعل ما يريد، وكما داس حكامها السابقون على الشرعية، ولم يعترفوا بالانتخابات، داس الشعب على الشرعية، ولم يعترف بالانتخابات، وانتقل الحاكم من القصر الرئاسي في عابدين إلى ميدان التحرير في الهواء الطلق، ولم يعد الشعب يريد إسقاط الرئيس بل كل الرؤساء رغم “لمسة العسكر”، ولم يعد الرئيس متشبثا بالكرسي، وإنما بالهروب منه، رغم “لمسة العسكر”.

والإخوان المسلمون عليهم أن يعلموا بأنهم لم ينجحوا في اختيار توقيت بلوغ كرسي القيادة، بعد سنوات من اللاشيء الذي عاشته مصر، فالناس اقتنعت أن صاحب الحل ليس بالضرورة المتديّن، وهي تريد من يقدم لها الحياة، وليس الدين الذي بلغها منذ أربعة عشرة قرنا، وربما فقهته أحسن من الذي يزعم فهمه وتطبيقه، ضمن دولة إسلامية تعجز عن قطع علاقاتها مع إسرائيل، وتعجز عن قهر الفقر والرشوة ومختلف الأزمات الاجتماعية والأخلاقية، وكم تمنينا لو خرج مرسي من الحكم وقد مزّق معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني.

ثورة مصر الجديدة أضافت للمصريين يوما آخر للاحتفال به، يضاف إلى أيام بدأ الناس نسيانها من كثرتها، وأضافت أسماء جديدة لقاموس المغضوب عليهم، من هامان وكافور الإخشيدي والحاكم بأمر الله.. دون أن تمنحهم بريق أمل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
9
  • mahfoud

    اريد بريدك بارك الله فيك اخ عبد الناصرعلى مقلاتك
    وشكرا لجريدة الشروق

  • عربية للأسف

    ما يحتاجه شعبنا العربي هو ثورة فكرية علينا ان ندرس اولادنا و انفسنا مفهوم الديمقراطية و الحوار و الرأي الاخر و النهضة .
    ما حدث في مصر مروع اكثر من ليبيا او سوريا هو نهاية النهضة بالرغم من كل ما يقال عن مرسي فهو رجل من خير الرجال و اذا كان المصريين ينتظرون عمر بن الخطاب ليحكمهم فالايام كفيلة بالرد.

  • بدون اسم

    وهو كذلك لأن الحرية أشد خطرا من القمع إ من لم تؤطر ولم ينشّأ طالبها على احترام الآخر...وهو حال العرب مع حكامهم وتبت يداك يا مبارك... وأمثالك...المصريون حرموا طويلا والفقر نخر حياتهم ولايريدون الثقافة السياسية بل الغنى..وعليم يصعب ايجاد رجل الوفاق لأن لكل مشروع مناهضوه...

  • الجزائرية

    إننا نعيش اليوم فعلا تحت سلطة واحدة و هي السلطة الرابعة "الإعلام" و جبروتها في تسيير "تدمير الأوطان" بعد تغييب السلطات الثلاث و هي مرجعية الأنظمة الأكثر تحضرا أي الأنظمة الديمقراطية ... و قد يعكس وضع كهذا هشاشة البنى الفكرية للمجتمعات العربية عموما و الوصاية التي باتت تفرضها شرذمة عن وعي أو غير وعي ممن ينتسبون للإعلام بالشكل و الإستعراض أكثر من الرسالة النبيلة للأسف!!!

  • علوي لينا

    السّلام عَليكُم ...

    مَا يَحْدث الآن فِي مصر شَيء غَير مُتوقَع مِن قبل
    وَ لكن هُو عبارة عَن خطّة شَاركت فِيها العَديد مِن الأيادي الخَفية وَلَن نسْتبعِد أن يَكون لإسْرائيل وأمريكَا دَخل

    نَحن الآن نَخوض مَعركة حَاسمة بالنّسبة لأمّتنا العَربيَّة وَ ربما مَا يَحدث الآن سَيُحَدّد مَصِير الأمّة كَكُل

    فالرّبيع العَربي لَن يُحَقّق إلاّ بمُرور مَراحِل وَفترات صَعبَة

    وأتمَنَى أنْ يَستَقر وَضْع اَلوَطن العَربي و يُزهر رَبيعنا العَربي فِي فلسطين

  • الزهرة البرية

    تابع... أما السلفية كعادتهم يريدون استعمال الدين لخنق الديمقراطية وللوصول الى الحكم لا أكثر , فنراهم تراجعوا عن مساندة مرسي في أول ضائقة وطعنوه في الظهر فهم يقفون مع الأقوى مهما كان مذهبه فسارعوا الى تهنئة المغتصِب بكل خبث حتى يشاركوا في الغنيمة ولا يُقصَوا منها ..لكن أبشركم لن تكون هناك غنيمة , بل هو شر ووبال لأن الله تعالى قال عن دعوة المظلوم: " وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين".

  • الزهرة البرية

    هؤلاء شعب ورثوا الفرعنة والنرجسية ولا شيء يصلحهم سوى حاكم مستبد مثل الحجاج,لقد سقط القناع عن الشعوب "المظلومة المقهورة والبريئة" التي تعلق كل إخفاقاتها وأخطائها على مشجب حكام طغاة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تجتمع أمتي على باطل"وهؤلاء اجتمعوا على باطل واغتصاب حق بالقوة مهما كان صاحبه فهو امتلكه بشرعية,لأن أكثر دخلهم يأتي عن طريق الرقص والعري ولا ينبغي لأحد منعه,لقد شاهدت مثقفين يدعون بكل صراحة الى فصل الدين عن الدولة, وأن الدين والسياسة لا يلتقيان أبدا .. غريب ولله هذا المنطق المستورد

  • merghenis

    سمعت وأكاد لا أصدق أن ديون مصر تصل الآن قرابة 200 مليار دولار. هل هذا صحيح ؟

  • بدون اسم

    لعنة الله عليها ثورة ومن يقول غير دلك عليه بالدليل مادا قدمت الثورات العربية الا الدمار والدماء ..فنعم تحيا الاحتجاجات على الماء والكهرباء و الطرقات والتشغيل *سوف نجعل حياة المسؤولين جحيما دون الدخول في الفوضى الخلاقة لبرنار ليفي وامريكا* فلتسقط ثورات التدمير السياسي الممنهج اما المطبلون لها احيلهم على مصر سوريا ليبيا وحتى تونس........