دين البداوة!
دين البداوة، نبزٌ يطلقه من يعجبهم أن يوصفوا بالعقلانيين والحداثيين، على أحكام الشّريعة الإسلاميّة، المتعلّقة ببعض مناحي الحياة، وهذا الوصف وإن كان مؤدّاه قديما قدم البشريّة، واجه به المكذّبون دعوات الأنبياء والرّسل “وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لاَ يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ” (الأنعام 25)، إلا أنّ لفظه اشتهر في السّنوات الأخيرة على لسان الكاتب الفلسطينيّ عزمي بشارة، الذي يقدَّم على أنّه مفكّر عربيّ، تتنافس القنوات العربيّة على استضافته وتقديم تحليلاته ليس للرّاهن العربيّ فقط، وإنّما للرّاهن الإسلاميّ أيضا!، مع أنّه رجل نصرانيّ، لم تسعفه علمانيته في إخفاء تعصّبه ضدّ الإسلام، وهو ما يظهر في فلتات لسانه، وفي لمزه لبعض أحكام الشّريعة الإسلاميّة التي يتستّر خلف نسبتها إلى الجماعات المتطرّفة.
ولعلّ ما يكشف تناقض صاحب نظرية “دين البداوة” ومن يسير على نهجه من علمانيي العرب، أنّهم وفي الوقت الذي وصلت دعواتهم لتخليص الإسلام من “البداوة”، إلى حدّ المطالبة بإعادة النّظر في بعض نصوص القرآن التي تثبت كفر اليهود والنّصارى، وتدعو إلى تطبيق الشّريعة وإقامة الحدود، لا يُسمع لهم في المقابل أيّ صوت يطالب بإعادة النّظر في المصادر النّصرانيّة التي حفلت بالإباحية والإساءة إلى أنبياء الله عليهم السّلام، وغيّبت العقول، وروّجت للخرافات، وفوق هذا وذاك أصّلت للإرهاب الأعمى الذي تُرجم ولا يزال يُترجم إلى واقع، من خلال الحروب الصليبية التي شنّت ولا زالت تشنّ على المسلمين بتحريض من الكنيسة؛ فتَنسب مثلا إلى نبيّ الله عيسى عليه السّلام أنّه قال: “لا تظنّوا أنّي جئت لألقي سلاما على الأرض، ما جئت لألقي سلاما بل سيفا؛ فإنّي جئت لأفرّق الإنسان ضدّ أبيه والابنة ضدّ أمّها والكنّة ضدّ حماتها” (إنجيل متّى 10: 34)، وتنسب إليه أيضا قوله: “أمّا أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم، فأْتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدّامي” (إنجيل لوقا 19: 27). بل تذهب بعض النّصوص إلى حدّ الأمر بقتل الأطفال والنّساء؛ ففي سفر صموئيل مثلا ورد هذا النصّ: “فالآن اذهبْ واضرب عماليق، وحرّموا كلّ ما له، ولا تعفُ عنهم، بل اقتل رجلا وامرأة، طفلا ورضيعا، بقرا وغنما، جملا وحمارا” (صموئيل الأول 15: 3).
هذه النّصوص وغيرها ممّا نضحت به مصادر النّصارى، لا تسترعي اهتمام علمانيي العرب، ولا تستحثّهم للمطالبة بإعادة النّظر فيها، لأنّهم يعلمون أنّ مقدّسات النّصارى خطّ أحمر، لا تسمح الأنظمة العربية التي تحتوي بلدانها أقليات غير مسلمة، بتجاوزه والقفز عليه، ويبقى المسلمون وحدهم في بلاد الإسلام هم من يُطلب منهم أن يراجعوا دينهم، ويعيدوا النّظر في نصوصه!.