الرأي

ذو الشقاوتين

احتفل العالم يوم الخامس من هذا الشهر باليوم العالمي للمعلم، وإنْ لم نُحِس به في وطننا، لأنّ “الحُمُر المستنفرة” أهم عند كثير منا من المعلِم الذي كاد -عند غيرنا- “أن يكون رسولا”.

قد يكون المعلِم في أغلب دول العالم يعاني معيشة ضَنْكَا، ولا يكاد ما يتقاضاه من دراهم معدودات يغطي ما يحتاجه من ضرورات، وأبسط تكاليف الحياة، مما يجعله يندم على اختيار مهنة التعليم، خاصة عندما يرى تلميذا غبيًا من تلاميذه فشل في الحصول على الشهادة الابتدائية يصير”…” بعدما قلَّد بصوته “الحُمُرَ المستنفرة” وقلد بحركاته القردة، مطوقا عنقه بسلسلة ذهبية، ومقيدًا يده بأساور عسجدية، ومحلّيًا أصابعه بخواتم زمردية.

كان المعلم فيما مضى راضيًا عن وضعه المادي البئيس، ومقتنعًا بحظه التعيس، مخففا عن نفسه بأمرين اثنين هما:

 اعتزازه برسالته، التي قال فيها شوقي: “أَرَأيْتَ أَشرَفَ أوْ أجلَّ منَ الذي يَبْنِي وَيُنْشِئُ أنْفُسًا وعُقُولا”.

احترام الناس جميعا وتقديرهم له، فيعوضه ذلك الغِنَى المعنوي عن العوز المادي، فيشعر أنّه “ملك” غير متوّج، فيصبر على لأواء الحياة…

ولكن المعلم اليوم -خاصة في بلدنا- يشعر أنّه أشْقَى من أشْقَى ثمود، لأنه يعاني شقاءين؛ شقاء ماديا، وشقاء معنويا… بتجاهل الجاهلين له، حيث رفعتهم سفاهتهم ووَضَاعَتهم، وراحوا يتعالون عليه بما نهبوه من أموال، وبما وصلوا إليه من “مناصب عليا” بأحقر الوسائل وأخسّ الأساليب… كالتملق، والرشوة، والنفاق… وزاد الطين بلّة والداء علّة أنّ التلاميذ وأولياءهم صاروا يقتحمون على الأساتذة والمعلمين حَرَمهم العلمي (مدارس، ثانويات) ويسمِعونهم أسوأ الكلام، وتتغلب عليهم النزعة الحيوانية فيعتدون عليهم، ويجرحونهم، ويسيلون دماءهم…

 

لك الله أيّها المعلم المسكين، وجزاؤك عند الله.

مقالات ذات صلة