رياضة

راموس.. وسقوط الأندلس!

ح.م

التضامن الذي لقيه اللاعب المصري بنادي ليفربول، محمد صلاح، من شخصيات ومواطنين عرب، اتفقوا على أن يعلنوه بطلا على قلوبهم، ويصفوا لاعب ريال مدريد الإسباني سيرخيو راموس بالسفاح والمجرم، كان يمكن اعتباره لبِنة في البيت الذي من المفروض أن يكون مرصوصا، يشدّ بعضه بعضا، ولكن أن تبقى لعبة الكرة هي وحدها التي تصنع الوطنية والقومية، دون القضايا المصيرية، فتلك هي السقطة الحقيقة، الأكثر إيلاما من سقوطٍ عابر للاعب عابر ينافس على بطولة أوروبية عابرة، في لعبة كرة القدم.
يتذكر الجزائريون اللاعب الإسباني غوويغوتشيا الذي تسبب في إصابة الحارس الجزائري نصر الدين دريد في آخر مباراة لمنتخب بلادهم في كأس العالم في المكسيك عام 1986، ويتذكرون الحكم التونسي بن ناصر الذي حرمهم من المرور إلى كأس العالم 1990، ولا ينسى أهل البحرين، كيف ضاع منهم حلم بلوغ كأس العالم في مناسبتين 2006 و2010 في مباراة السد أمام ترينيداد وتوباغو وزيلندا الجديدة، واصفين الخيبة الكروية بين أخطاء حارس المرمى والحكم، بـ”النكسة الوطنية”، وهاهو سقوط النجم المصري يحرّك أمة كاملة بين طالب للقصاص من مدافع المنتخب الإسباني، وباكٍ متحسّر على لقب أوروبي كان في أحسن الأحوال سيدخل خزانة نادي ليفربول الإنجليزي، ولا أحد يتذكر السقوط الحقيقي للأمة، من ضياع الأندلس في سنة 1492، إلى ضياع عاصمتي الخلافة العباسية والأموية في السنوات الأخيرة.
لا أفهم لماذا يسمّي بعض الجزائريين رفض الحارس رايس مبولحي الاستجابة لدعوة رابح ماجر بـ”الخيانة الوطنية”، وهم يعلمون أن ما لا يقل عن خمسة آلاف طبيب جزائري مختصّ يعملون في فرنسا ويدركون أن مختلف الأمراض فتكت بالجزائريين، وآلاف الأدمغة تشارك في نهضة بلدان في أقصى المعمورة، وبلادهم تئن علميا واقتصاديا؟ ولا أفهم لماذا يرتبط الوطن فقط بعالم الكرة، فيصبح لرئيس دولة عربي وأمير خليجي رأيٌ في سقوط اللاعب محمد صلاح على عشب الملعب، في مباراة كييف في السادس والعشرين من ماي الماضي، ولا رأي لهم إطلاقا، في سقوط بغداد ودمشق وطرابلس في مستنقع الدم والخراب، ولن نتحدث عن سقوط القدس، كعاصمة للصهاينة بأمر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؟
من المخجل أن تقدّم أمريكا للكيان الصهيوني هدية عيد ميلاده السبعين، قدسا شريفا “مدنّسا”، في شهر ماي، ويبكي بعضنا في نفس الشهر، سقوط لاعب كرة على الأرض وفي رمضان، ومن المؤسف أن يولّي الملايين وجوههم في آخر الشهر العظيم، شطر موسكو التي تحتضن مباريات كأس العالم، ولا أحد همّه الدمار في دمشق وبغداد وغزة.
لقد لعب البرازيليون واليابانيون والأسكندنافيون الكرة وشغفوا بحبها، ولكنهم طوّروا أيضا بلدانهم وحافظوا على حريتهم، وبقيت الكرة عندنا أشبه بالأفيون الذي تتسابق على تعاطيه القيادات والشعوب معا، حتى في رمضان.
وتذكرني قصيدة الشاعر القروي، في تحية “غاندي”، في إضرابه الشهير عن الطعام.
بلادك قدّمها على كل ملّة _ ومن أجلها أفطر ومن أجلها صُم
فما مسّ هذا الصوم أكباد ظلّم _ ولا هزّ هذا الفطر أرواح نُوّم
لقد صام هندي فجوّع دولة _ فهل ضار علجا صوم مليون مسلم

مقالات ذات صلة