-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رجالهم ورجالنا!

بقلم: محمد الغزالي
  • 477
  • 0
رجالهم ورجالنا!

الله -عز وجل- لا ينصر الحق بوضوح أدلته واستقامة طريقته، ولا يخذل الباطل بعوج دعوته وسوء خاتمته، وإنما يبلو أصحاب الحق بأصحاب الباطل. وعلى قدر ما يبذل كلا الفريقين من جهود وتضحيات تكون النهاية الحاسمة: ((ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن ليَبْلُوا بَعْضَكُم بِبعض)).. ويؤلمني أن أقرر هذه الحقيقة المرة، وهي أن الرجال الذين ساندوا قضية إسرائيل في غضون قرنين وخاصة في أثناء الحرب العالمية الأولى كانوا أصحاب عقيدة وجلد وبذل، أما الأمراء الذين وقعت أزمة المسلمين في أيديهم فقد كانوا دون ذلك، والأمر كما قيل: “إذا جعلت أذنابنا رؤوسا لنا * غدونا بحكم الطبع نمشي إلى الورا”.

ولْندع أحداث التاريخ تتكلم: قال “إسرائيل كوهين: سافر “وايزمان” إلى العقبة (الأردن) لمقابلة الأمير فيصل بن الحسين شريف مكة، وكان الأمير قد أعلن الثورة في وجه الأتراك بعد أن اتصل بـ”مكماهون” المندوب السامي البريطاني في القاهرة، وبعد أن وعده هذا المندوب بأن حكومته تمنح الاستقلال للعرب الذين يقدمون مساعدات فعالة للحلفاء (كذا). قال “إسرائيل كوهين: وأدرك فيصل أن فلسطين لا تدخل ضمن الأراضي التي ستضم للدولة العربية الهاشمية، عندما زار لندن ووقع بصفته مندوبا عن الدولة العربية اتفاقا مع وايزمان بوصفه ممثلا للفلسطينيين. قال: وفي 6 فبراير 1919م أشار الأمير فيصل رئيس وفد الحجاز في مؤتمر الصلح إشارة رسمية إلى فلسطين، حينما ذكر أن تترك مسألتها ذات الطابع الدولي ليتولى دراستها أصحاب الشأن، وفيما عدا ذلك طالب باستقلال المناطق العربية الواردة في مذكرة وفد الحجاز انظر كيف يبنى زعماء إسرائيل وطنا لقومهم، وكيف يبنى أمراؤنا ملكًا لأنفسهم؟!

إن الفتنة المحيرة أن يتصدى لخدمة الإسلام أناس تجردوا من فضائل الإيمان ومن فضائل الرجولة جميعًا، على حين يتصدى لخدمة النزعات الأخرى قوم لهم عقول لمّاحة وهمم سبّاقة، وما يكون مصير عراك تفاوتت أركانه وأنصاره على هذا النحو؟ حق تنصره الشهوة وباطل يشده الإيثار؟ دين عطل من أولى الأيدي والأبصار، والحاد يعينه العباقرة والعمالقة؟ إن النتيجة المخزية لا محيص منها

في 13 فبراير سنة 1919م وقف رشدي غانم رئيس الوفد السوري في مؤتمر الصلح يطالب بإنشاء دولة ديموقراطية مستقلة في سورية. أما عن فلسطين فقد صرح بأنها تعد الجزء الجنوبي من سورية، إلا أن الصهيونيين يطالبون بها، ولما كان السوريون قد قاسوا من الآلام مثلما قاسى اليهود فإنهم يتركون لهم أبواب فلسطين مفتوحة على مصاريعها، وليأت كل من عانى الاضطهاد وذاق العذاب ولتمنح استقلالاً ذاتياً على أن تنضم لسورية في صورة اتحاد (فيدرالي).. قد يكون من حق العرب أن ينقموا على الترك لبطشهم بهم، ولكن ليس من حق العرب أن يتذرعوا بذلك إلى إهدار الوطن الإسلامي العام ووحدة المسلمين الكبرى. إن للجنسين العربي والتركي خصائص بعضها عظيم وبعضها تافه. وقد حكم العرب باسم الإسلام وحكم الترك باسم الإسلام؛ فلم يخل كلا الحكمين من أعمال تسربت إليها النزعات الصغيرة، وربما كان الأتراك أشد أثرة وأقسى قلوبا، غير أننا لا ننسى أن استبداد سلاطينهم قد أساء إليهم مثلما أساء إلى غيرهم. وعندي أن فظاظة الترك في معاملة العرب جريمة ما كان قصاصها أن ينضم العرب للإنجليز في حربهم للترك، إن هذه الخيانة المظلمة أخذت -في ظاهرها- طابع الثأر من دولة الخلافة الجائرة، بيد أنها في باطنها لا تعدو أن تكون مطامع أفراد، إن تصوير هذه الخيانة بأنها ثورات شعوب مضطهدة واتتها فرصة التحرر فتشبثت بها، أمر بعيد عن الحقيقة.

لقد أفلحت سلطة الاحتلال في مصر في أن تجند نحو مليون ونصف المليون عامل كانوا سندها في إبادة الجيش التركي في المعارك التي دارت بصحراء سيناء وجنوب فلسطين، ووثب الأعراب المشايعون للشريف حسين على الحاميات التركية في الحرمين وأنحاء الجزيرة وأمكنهم أن يفنوها في مجازر رهيبة وأكمل اليهود هذه السلسلة من الهزائم الشائنة، فعندما دخل اللنبي مدينة “أورشليم” تألفت منهم عدة فرق اشتركت في مطاردة الفلول العثمانية المثخنة بجراح الغدر والوقيعة. فلم تمض سنة حتى كانت فلسطين مطهرة من العناصر الأجنبية، وهكذا انقضى عهد الأتراك بعد أن دام أربعة قرون، وأتم مصطفى كمال أتاتورك فصول المأساة فأعلن كفر الدولة بالإسلام والعرب، ووفى اليهود لدينهم وتاريخهم وحالفوا إنجلترا فاحتضنت قضيتهم.. ترى أي الفريقين كان أبصر بمواقع قدميه وأحفظ ليومه وأمسه وغده؟!” (من “الحق المر”: ج2 ص183).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!