جواهر
وجهات نظر

رجعية وتخلف

مليكة هاشمي
  • 1550
  • 13
ح.م

في زمن الجاهلية كانت تسود تلك الطقوس الظالمة المجحفة في حق البنات، فبمجرد ازدياد أنثى تقرع أجراس الإنذار ويعم الحزن والشجون، وتجبر الأم على توديع رضيعتها ليتم وأدها بعدما يحكم عليها بالدفن، ولكن بعد انتشار الإسلام ساد بعض الوعي بتحريم تلك الممارسات الرجعية..

وأقر الإسلام بمكانة المرأة وحفظ حقوقها، لكن بقيت تلك الذهنيات المتخلفة تطفو عليها سمات الجاهلية الأولى، مجتمع ذكوري لازال ينظر إلى الفتاة على أنها مجرد عبء ثقيل أو وزر مستسعر وقيد يعلن عن بداية عمر وجيم، فينظرون للبنت وكأنها شجرة مرداء لا ورق لها، أرض جرداء لا زرع ولا نبت مرجو منها..

لازال بعضهم يسقط وجيفا عندما ينثو خبر ازدياد فتاة في بيته، فيلطم حظه، ويأفل كبرياؤه، وكأنه على موعد جديد مع نبوة نجيم ستعكر صفو حياته، فينحط من الغيظ، ويواقع الحسرة ويعتريه الوصب، لازال البعض إلى غاية يومنا هذا يرى أن إنجاب الذكور فخرا ورجولة وفحولة وشموخا، وكأنه قانون جاهلي مرعي يسدل ستائره العاتمة على عقول أولئك الجهلة الذين لا يفقهون في الدين شيئا..

يرون أن الذكر هو ذلك المستقبل الواعد المشرق الملوح في الأفق، فيحتفون بقدومه بكل زخم ونهم، وكأنه ولي عهد أتى ليواصل نسلهم العريق، ويحافظ على ثرواتهم و إرثهم الذي يقتصر على شذرات أمل مبعثر متناثر، وعلبة كبريت مؤثثة بخزائن الحاجة والحرمان، ملك أتى ليحررهم من عبودية الفقر، جندي باسل جاء ليمزمز جمرات الحظ علها تومض وتبرق، ساحر حط ببركة دموعهم ليحول يومهم النجيد المتعب إلى حفلة صاخبة تلوح في الأفق، فيظلمون الفتاة ويحاسبونها على ذنب لم تقترفه، وجرم لا يد لها فيه..

يحاسبون الفتاة فتصبح حبيسة فكر لا لب فيه، تتطاولها الألسن والكلمات الجارحة بمجرد هفوة صغيرة تمر بخرم إبرة رفيعة، لتكبر بكل تلك العقد والمكبوتات النفسية الدفينة الخامدة المتأججة، تجعلها مرغمة على القيام بما لا طاقة لها به، فقط كي تثبت وجودها وكيانها وتفرض شخصيتها ، لتعوض ذلك النقص الذي وسموه بجبينها..

تشب الأنثى وتتكاثر معها مخاوفها وهواجسها ويسود حزنها وترحها، و كأنها مجرد قطعة خزف عتيقة حولت مرمدة لأعقاب سجائر قاتلة، تلاحظ تلك المعاملة الجاحفة بحقها، تلمح تلك النظرات الثاقبة التي تترصدها وتدون هفواتها، تحسب كل خطوة تتقدمها، تفر هاربة من كل أقاويل قد تفتك بوجودها، تنعزل بمحض إرادتها، وتصارع مجتمعا متناقضا رجعيا بذهنية متخلفة، يطالبها بالعطاء المستمر الباذخ، في حين يستصغر فيها كلمة شكر أو ثناء.

مقالات ذات صلة