الجزائر
"الشروق" تعاين آثار الهزة الأرضية بميلة

رعب متواصل.. عائلات تبيت في العراء وخسائر فادحة

نسيم عليوة
  • 2113
  • 6
ح.م

“كانت الساعة تشير إلى السابعة و15 دقيقة، كنت في فراش النوم، لكني كنت مستيقظا، أما الأولاد فكانوا يغطون في نوم عميق، وإذا بحركة غريبة وقوية تضرب المنزل وأصبح السرير غير ثابت وسقط جهاز التلفاز والأواني على الأرض، حينها سارعت إلى حمل ابنتي الرضيعة آلاء ليستيقظ بعدها جميع أفراد الأسرة.. وهرعنا إلى الخارج، أين كانت المفاجأة.. وجدنا سكان حي الخربة السفلى والعليا في العراء وهم يكبّرون ويستغفرون”.

بهذا الوصف لخّص عمي عبد الحميد القاطن بحي الخربة السفلى ببلدية ميلة، وهو رب عائلة تتكون من 8 أفراد، ما حدث وعايشه جميع السكان في صبيحة يوم الجمعة الماضي، حينما هزّ زلزال شدته 4.9 درجة على سلم ريشتر ولاية ميلة. الآن عمي عبد الحميد يقطن في خيمة نصبت بملعب بلقاسم بلعيد، بعد ما أضحى مسكنه غير صالح للسكن وصنف في الخانة الحمراء من طرف المهندسين.
“الشروق” زارت الاحد الحي المنكوب ووقفت على حجم الدمار الذي مس عشرات المساكن والفيلات، فلا شيء بقي على حاله، كل السكنات مائلة ومنها ما سقط عن آخره ومنها من غار في التراب. الصور مرعبة وهول الصدمة كبير. سرنا إلى آخر نقطة بالحي، أين وجدنا أن الطريق المؤدي إلى تلك السكنات المترامية الأطراف لا يمكن عبوره حتى مشيا على الأقدام، حيث توجد مناطق بالخربة لا يمكن الوصول إليها، لأن الطريق زالت تماما بسبب التشققات والتصدعات الأرضية التي يزداد اتساعها يوما بعد يوم إلى أن وصل الأحد إلى عدة أمتار، كما أن الأرض لازالت تشهد انزلاقات مستمرة، حيث أوقفنا بعض القاطنين بالمنطقة، وطلبوا منا مساعدتهم على مغادرة المكان، لأن الأرض في نشاط زلزالي ضعيف على شكل انجراف.

منكوبون يبيتون في الغابة

في هذا المكان الموحش، التقينا بشيخ أب لـ10 أطفال، كان يتفقد منزله العائلي الذي هوى على الأرض، وهو كله حسرة وآلم، يقول عمي مالك عابد “كنت في المنزل عندما ضرب الزلزال، فأصابنا الهلع وخرجنا من المسكن، لكن سرعان ما رجعنا إليه، إلا انه عقب الهزة بحوالي ساعة كاملة بدأت تظهر تشققات في الأرض والطرقات وهي تشققات صغيرة جدا بعد ساعة أخرى اتسعت تلك التشققات وزادت بشكل مخيف، الأمر الذي دفعنا إلى مغادرة مساكننا وحمل ما يمكن حمله والهروب وهذا ما ساعد في عدم تسجيل خسائر في الأرواح.. انه لطف الخالق، وفي المساء وفي يوم الغد زادت التشققات وسقطت المنازل بفعل الهزة الثانية والانجراف الكبير للتربة”.

أما محمد فيناشد السلطات التكفل بالعائلات المتضررة في أسرع وقت ممكن، خصوصا أنهم يفترشون الأرض ولم يتمكنوا من الحصول على خيمة تقيهم حرارة الطقس في ملعب بلقاسم بلعيد، وأضاف محمد أن الخربة السفلى والعليا منطقة منكوبة ولا توجد بناية في الخانة الحمراء وأخرى في البرتقالي والخضراء، كل البنايات التي كانت على خط الهزة الأرضية متضررة وغير صالحة للسكن، متسائلا “من يستطيع الآن السكن في منزل اغلب أعمدته وأساساته متصدعة؟ هذا غير مقبول.. نريد حلا حقيقيا وليس بريوكولاج.. نحن منكوبون.. كنا بالأمس مع عائلاتنا داخل منازلنا لنستيقظ ونحن العراء”.

وعلمت “الشروق” أن عددا كبيرا من المواطنين ببلدية القرارم قوقة بحي الكرمة، يبيتون داخل الغابة منذ يومين ولم يتكفل بهم لحد الساعة، حسب تصريحات مواطنين من المنطقة، كما أن عائلات كانت تقطن في العمارات هربت منها بسبب التشققات ولجأت إلى الغابة، وهناك من استنجد بأهله في البلديات القريبة غير المتضررة، فيما تشتت عائلات أخرى وتفرق شملها.

ترحيل 184 عائلة في غضون أسبوعين

من جهة أخرى، أشاد الكثير من المتضررين بالهبة الشعبية للجمعيات الخيرية وقرار رئيس الجمهورية إرسال 5 وزراء إلى المنطقة لمعاينة الأوضاع والوقوف على حجم الكارثة، حيث منح وزير السكن 184 سكنا اجتماعيا بمنطقة فرضوة للعائلات المنكوبة على أن يتم ترحيلهم على أقصى تقدير 15 يوما، بعد ربط السكنات بشبكتي الغاز والماء، كما منح 400 إعانة للبناء الريفي لصالح السكان المتضررين، وتعويض أصحاب السكنات المتضررة، وقد باشرت المصالح المختصة عمليات دراسة الحالات التي سيتم إيواؤها حالة بحالة، كما أن قوافل المساعدات من البلديات المجاورة في توافد مستمر، رغم هدا فهناك من يستثمر في الكارثة ويحاول الدخول ليلا للسكنات المتضررة التي تركها أهلها للسرقة، الأمر الذي زاد من حجم معاناة المتضررين، وأجبرهم على العودة لحراسة مساكنهم ليلا.

طفل يتبرع بحصّالته للمنكوبين

كما تم نصب 50 خيمة إضافية بملعب بلقاسم بلعيد للعائلات المنكوبة والتكفل بالإطعام على مستوى ثانوية ديدوش مراد من طرف مديرية النشاط الاجتماعي لولاية ميلة، إلا أن المعاناة كبيرة داخل الملعب بسبب الحرارة المرتفعة وضيف المساحة وتراكم الأوساخ والقاذورات ما يتطلب تكاتف جهود الجميع.ولعل ما خفف من معاناة المتضررين هو روح التضامن والتكافل، حيث وقفنا على طفل صغير يحمل معه حصالة النقود التي جمعها، وقام رفقة والده باقتناء قارورات المياه المعدنية والخبز، لتوزيعها على العائلات المتضررة في موقف أثار إعجاب الكثيرين.

للإشارة، فقد تم تسجيل عدة هزات ارتدادية، السبت، الأولى على الساعة 13 سا08 على بعد 3 كلم شرق القرارم قوقة بقوة 2.9 درجة والثانية كانت على الساعة 14 سا 4 على بعد 03 كم شمال غربي القرارم قوقة.

مقالات ذات صلة