الرأي

رياضة بلا أخلاق

لا ينكر ذو لُب قيمة الرياضة وفائدتها لجسم الإنسان، فهي تحافظ على صحته ورشاقته مدة أطول من الزمن، فلا يترهل جسمه، ولا يتكلسُ عظمه، ،لا يتجعد جلده..

 لقد انتبه الناس منذ فجر تاريخهم لفائدة الرياضة، فاعتنوا بها، ومارسوا أنواعا منها، وجاء الإسلام الدالُ على كل خير، فأوصى بها، ورغب في ممارستها، ذاكرا بعضها كالسباحة، وركوب الخيل، والرمي، وقد علمنا من سيرة أكمل إنسان ـ عليه الصلاة و السلام ـ أنه كان يسابق زوجه ـ أمنا عائشة ـ رضي الله عنها، فسبقته وسبقها. وبعض العبادات من أجل الرياضات كالحج بطوافه وسعيه، ونفراته، وإفاضته، وكالصلاة بحركاتها من ركوع، وقيام، وسجود، وقعود.. وقد قرأت في بعض البحوث الطبية أن داء المفاصل ينعدم ـ أو يقل ـ عند المحافظين على صلواتهم..

 ومع تقدم العلوم في التاريخ المعاصر صارت الرياضة بأنواعها “عِلماً”، فازداد الناس إدراكا لقيمتها وجدواها، فأسسوا لها المؤسسات التي تشرف عليها، وأكثروا من أنواعها، وقَعدُوا (بتشديد العين) قواعدها.. وما كَرهَ لي هذه القواعد إلا ترددها على ألسنة سماسرتنا الممارسين للسياسة في قولهم “قواعد اللعبة”، التي لا تعني عندهم إلا الكذب، والغش، والتزوير، والرشوة.. وكل ما ساء من خلق..

 لقد أصبحت الرياضة من سبل التعارف بين الشعوب، ولا أعلم دولة ليس لها وزارة للرياضة بصرف النظر عن نجاحها أو فشلها، وعن قيمة مَن تُسنَدُ إليهم، فكم رأينا وزراء للرياضة هم أقرب إلى “الصَعلَكَة” منهم إلى “النُبل”، وإلى الفساد منهم إلى الصلاح.

 وقد صارت الدول الحقيقية تحرص أشد الحرص على إحاطة الرياضة ـ إضافة إلى القوانين ـ بالأخلاق، وكثيرا ما قرأنا وسمعنا أن الفريق الفلاني انتصر، وأن الفريق الآخر فاز بجائزة “الروح الرياضية” التي تعني حسن المعاملة، وطيب السلوك..

 لقد اتخذ الإمام ابن باديس “الرياضة” وسيلة من وسائل تربية الشبان الجزائريين، وتقوية الروح الإسلامية و لوطنية في نفوسهم.. وكان ـ رحمه الله ـ هو السبب في تأسيس عدة فرق.

 إنني الآن من أكره الناس لممارسة هذه الرياضات في الجزائر، خاصة كرة القدم، لما ينشب فيها من معارك، وما يقع فيها من موت وجروح، وما يتم فيها من سرقات، واعتداءات، وترويع، وعرقلة سير، و ش في بيع التذاكر، وكلام فاحش، ويا ليت هذه المخازي تقع داخل الجزائر فقط؛ ولكننا قرأنا أن اثنين من رياضيينا سرقا دراجتين في دولة أوروبية، واثنتين من رياضياتنا سرقتا ملابس في دولة أوروبية أخرى، وأن فتى من رياضيينا “حاول” ممارسة الفاحشة على شاب مثله في دولة مجاورة، وهو مسجون فيها إلى الآن… وما خفي، الله به عليم..

 إنني من أزهد الناس في متابعة هذه الرياضات، ولا أشجع أي فريق من فرقنا، لا محلي ولا وطني، خاصة وأنا أسكن قريبا من ذلك “الجحيم” الذي يسمى “ملعب مصطفى تشاكر”، حيث أرى وأسمع (ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) من القذارات القولية والسلوكية.. خاصة ذلك “العياط” (وان، تو، ثري… فيفا لالجيري) الذي لا يدل على نسب ولا على حسب؛ بل يدل على عجز فاضح في إنشاء شعار بلغتنا.

 وأما هذه المظاهر الشكلية، من رفع الأعلام الوطنية، وإطلاق الصيحات الهستيرية، والمسيرات الفوضوية فلا أسميها إلا “وطنية الكَرْعِينْ” للأكثرين، و”وطنية البطن” للأقلين.

 ولنتخلق جميعا، وفي جميع شُعب الحياة، فمن لا خَلاَقَ له لا يعد من البشر، وأكبر دليل على سوئنا ما وقع في مدينة الڤرارة بولاية غرداية وأنا أكتب هذه الكلمة، حيث نشبت حرب بين لاعبي فريقين وأنصارهما جرح فيها من جرح، وأحرق ما أحرق، وأتلف ما أتلف، من أموال وممتلكات، ومازلنا نعد أنفسنا على شيء. اللهم أدرك الجزائر برحمتك، واجعل أمرها في يد صالحيها، وخلصها بفضلك وكرمك من هؤلاء (الفقاقير) في كل شيء.

مقالات ذات صلة