الجزائر
صالح لغرور يواصل سرد وثائق فرنسية في حوار لـ"الشروق":(الحلقة الثانية)

زبيري والحاج لخضر يتحملان مآسي عجول بعد الاستقلال

صالح سعودي
  • 12281
  • 16
ح.م
صحفي"الشروق"مع الباحث صالح لغرور

يواصل الباحث صالح لغرور في الحلقة الثانية من الحوار الذي خص به “الشروق” سرد وقراءة الوثائق الفرنسية على ضوء استجواب المجاهد الراحل عاجل عجول من طرف السلطات الفرنسية، حيث تطرق إلى التهم الموجهة إلى عجول بخصوص اغتيال مصطفى بن بولعيد، وأشار إلى الحديث المتداول حول تمديد نفوذ الأوراس نحو منطقة القبائل الصغرى، وأسباب إعدام عمر جبار، وكذا رفض عجول مسؤوليات قيادية اقترحت عليه من طرف عباس لغرور، ويقيم الباحث صالح لغرور وجود عميروش في منطقة الأوراس، والظروف المأساوية لعجول بعد الاستقلال.

ماذا عن تفاصيل الانفجار؟

حسب الاستجواب، فإن عجول نقل على لسان بن شايبة ما يلي: “في وقت ما في الليل قبل الاجتماع كان هناك 9 قادة ”ملمّين” أو مجتمعين في غرفة: بن بولعيد مصطفى، بن عكشة محمود، العمراني عبد الحميد، فوضيل القبائلي، بعزي علي، أنا شخصيا (علي بن شايبة)، بن عكشة عبد الرحمان وشخصان آخران. بينما كنا نتحدث نحن التسعة، أخبرنا بعزي علي بأن بحوزته جهاز راديو، استُحوذ عليه أو التقط من طرف المدنيين، يكون قد نسيه أو تخلى عنه العساكر الفرنسيين.

ماذا قال عن علاقة مصطفى بن بولعيد بالمذياع؟

عجول سرد ذلك على لسان بن شايبة: “بن بولعيد مصطفى من الهواة الكبار لجهاز الراديو، طلب من بعزي علي إحضاره، فقام بفحص كل قطع الراديو بدقة، وقال بأن هذا الراديو في حالة ممتازة تنقصه فقط البطاريات. ثم طلب من بعزي أن يأتي ببطاريات من مخزنه. وقد وضع بن بولعيد البطاريات وشغّل الراديو فوقع انفجار نسف البيت، ففقدت الوعي”.

كيف كان رد فعل عجول بعد هذه الحادثة؟

عجول كتب رسالة إلى الحاج لخضر وعزوي مدور ونواورة وعمر بن بولعيد ونويشي الطاهر يلومهم فيها على عدم إعلام الإدارة العليا بخصوص استشهاد مصطفى بن بولعيد، ولامهم أيضا على عدم احترام قرارات العطاف.

ماذا عن قضية غياب قيادة الأوراس عن مؤتمر الصومام؟

تطرق عجول إلى العديد من التفاصيل والأحداث التي تزامنت مع عقد مؤتمر الصومام، أهمها ما جاء في الصفحة 160 من نسخة الكتاب الذي تحصلت عليه، وجمعت فيه فقرات مهمة من الاستجواب، حيث يقول عجول في هذا الجانب: “… تسلمت 3 رسائل جاءت من منطقة القبائل وأخرى من طرف عمر بن بولعيد موجهة إلي. فالرسائل الثلاث التي جاءت من القبائل واحدة منها موجهة إلى عباس لغرور، والثانية إلى مسعود بلعقون، أما الثالثة، فموجهة إلي أنا (عجول).

وماذا عن حقيقة الخلاف بين عجول وعمر بن بولعيد؟

هناك كلام قاله عجول في هذا الجانب: “رسالة عمر بن بولعيد هي إجابة عن الرسالة التي وجهتها إليه ألومه فيها على اقتراحي بأن يأتي لنتحادث مع “القيادة العامة” لإصلاح الوضع في منطقة آريس، التي يقول فيها بأنه يستحيل عليه التنقل، ويقترح على القيادة العامة الذهاب لمقابلته وأخبرني عن الرسائل الثلاث الموجهة إلينا، ويدّعي عمر بن بولعيد أنه يجهل مصدرها”.

لو نعود إلى الرسائل الموجهة إليه من منطقة القبائل، فماذا قال عجول في هذا الجانب؟

يقول عجول: “اطلعت على الرسالة الموجهة إلي من منطقة القبائل، مكتوبة باللغة الفرنسية وبالآلة الراقنة، وترجمت لي من طرف أحد كتّابي. هذه الرسالة جاءت من طرف كريم بلقاسم ممضية في نهايتها بخط اليد. يقول فيها كريم بلقاسم بأنه سعيد باستقبال مبعوثنا الذي استقبل وشرّف وقدّمت له أكبر التشريفات، كما يخبرنا فيها باجتماع يضم أكبر قادة الجزائر، ويدعوني فيها إلى الحضور بتاريخ 20 جويلية، لكن هذا التاريخ كان مغطى بتاريخ آخر 20 أوت. نفس الرسالة وبنفس المحتوى كانت موجهة إلى مسعود بلعقون من طرف كريم بلقاسم، لكن فقط بتاريخ 20 جويلية، فيما لم نطلع على محتوى الرسالة الموجهة إلى لغرور عباس”.

كيف كان رد عجول إذن؟

قال بأنه تحادث مع مسعود بلعقون، واندهشا بسبب اختلاف تاريخ الرسالتين الموجهتين إليهما، كما اندهشا أيضا من كون الأوراس أرسل مبعوثا إلى كريم بلقاسم، فضلا عن عدم تحديد مكان الاجتماع الذي استدعيا إليه، في هذه الرسالة. وقال عجول في هذا الجانب: “بعد تفكير ظننا أن هذه الرسالة لم تأت من منطقة القبائل بل هي مؤامرة”.

من حاك هذه المؤامرة؟

عجول قال: “لم تكن لدينا فكرة محددة، لكن فكرنا في كونه فخا نصب لنا من طرف قادة أريس. نتيجة لهذا استدعيت “سرجان” قبايلي فار من الجيش الفرنسي جبالي آيت أعراب، ومتمرد قبائلي اسمه الطيب، حيث سلمت لهما رسالة موجه إلى كريم بالقاسم، وأوصيتهما بأن يسلماها له. كتبت في هذه الرسالة بأني اندهشت لوصول رسالة يفترض أنها جاءت من كريم بلقاسم، وما تشير إليه عن وصول مبعوث من الأوراس إلى منطقة القبائل، وختمت بأنه خداع، معتمدا على التاريخين المختلفين في الرسالتين وكذلك عدم تحديد مكان الاجتماع.

هل وصلت الرسالة إلى كريم بلقاسم؟

عجول أكد أن هذه الرسالة لم تبلّغ إلى المعني، لأن المبعوثين اعترضت لهما عناصر عمر بن بولعيد، وتمت مصادرتها وحجز حاملي الرسالة…

ما هو الإجراء الذي قام به عجول في هذه الحالة؟

قال عجول في محتوى الاستجواب: “قبل سفري إلى منطقة النمامشة طلبت من مسعود بلعقون الذهاب إلى آريس للاتصال بعمر بن بولعيد، وأظهرت له رسالته (عمر) التي يزعم فيها أنها جاءت من عند كريم بلقاسم، وأن يوضح له أنها تحمل تاريخ 20 جويلية، تاريخ الاجتماع الكبير، وأنه جاء (بلعقون) ليطّلع على ما يتعلق بهذه الرسالة. أوصيت بلعقون مسعود بأن يخبرني بنتائج تحقيقه عن طريق مبعوث- اتصال- إلى خناق لكحل الذي كنت متوجها صوبه بطلب من عباس لغرور. اتجهت إلى خناق لكحل في حدود 20 جوان 1956”. وكل هذا موجود في الصفحة 160.

لو نعود إلى الرسائل الثلاث المرسلة، كيف تفسرها كباحث مهتم بشأن الثورة بمنطقة الأوراس؟

كيف ترسل رسالة إلى عمر بن بولعيد وأخرى إلى عباس لغرور وعجول وبلعقون ومصطفى بن بولعيد على قيد الحياة؟ وهذا ما يؤكد أن منظمي مؤتمر الصمام على علم بخبر استشهاد مصطفى بن بولعيد.

كيف تفسر كل ما حدث لمنطقة الأوراس خلال مؤتمر الصومام؟

بعض المؤرخين الفرنسيين كتبوا أن كريم بلقاسم لولا علمه باستشهاد بن بولعيد لما عقد مؤتمر 20 أوت في المنطقة 3 نظرا إلى دور بن بولعيد نفسه وكذا موقع الأوراس الريادي في الثورة، كما أن لمصطفى بن بولعيد مكانة كبيرة عند كريم بلقاسم.

وماذا عن الكلام المتداول حول الرغبة في تمديد سلطة الأوراس إلى منطقة القبائل الصغرى؟

عن سؤال حول مبعوث منطقة القبائل الصغرى في الصفحة 148 يقول عجول: “هذا المبعوث اسمه الطيب، كان قد انتظر في عطاف وصول مصطفى بن بولعيد. هذا الأخير استمع إلى شروح الطيب خلال المحادثات التي حضرتها أثناء الاجتماع. رفض بن بولعيد أن يمدد سلطة الأوراس إلى منطقة القبائل الصغرى، معتبرا أن لدينا الكافي أو ما يكفينا في بلادنا (يقصد منطقة الأوراس). لكنه صرّح للطيب بأنه سيسلم له رسالة إلى كريم بلقاسم معتبرا حسبه (بن بولعيد) أن هذه الرسالة ستسوي الأمور، وإذا لم تحل المشاكل أضاف (بن بولعيد) سيرسل مجموعة مسلحة من الأوراسيين لتسوية الخلاف. في ما بعد سافر “الطيب” إلى آريس رفقة مصطفى بن بولعيد، وعلمت في ما بعد أن بن بولعيد أرفق المبعوث بمجموعة مسلحة يرأسها مصطفى رعايلي الذي كان من المفروض أن يصل إلى المكان المقصود لاستعادة النظام. في شهر ماي 1956 علمت أن ثوار القبائل الصغرى الذين ينتمون إلى الحركة الوطنية الجزائرية MNA غير راضين بتدخل مجموعة الأوراس المسلحة، فقد سجنوا مصطفى رعايلي بعض الوقت، كما اتهم جنود القبائل الصغرى الأوراسيين بالتعاطف مع كريم بلقاسم.

ماذا عن قضية اغتيال عمر جبار؟

بعد سفر عجول للقاء عباس لغرور في خناق لكحل (شهر جوان)، شرح له لغرور الوضعية في منطقة النمامشة كما يلي: “التحقيق الذي أجري من طرف اللجنة التي جاءت من الأوراس بينت إثباتات ضد القادة الثلاثة الوردي قتال وعمر جبار ونواورة عبد الله. فجبار عمر لما علم بالأمر فرّ إلى تونس، وأعيد إلى سوق أهراس بحراسة مشددة من طرف لجنة التحقيق. أثبت أن جبار عمر انتهك الحرمات وحوّل أموالا هامة تابعة إلى جيش التحرير الوطني إلى تونس، واستغلها لمهام شخصية. لهذه الأسباب كل قادة سوق أهراس كانوا متفقين على إعدامه رغم أن عمر جبار كان مثلهم من منطقة سوق أهراس. أما الوردي قتال فقد أحس بالخطر فعزز نفسه بمجموعة مكونة من 40 مقاوما، 30 عنصرا جديدا أحضرهم من النمامشة…”

كيف كان رد فعل الأطراف محل الاتهام؟

عجول قال بأن الوردي قتال التقى بعمر البقصي، وكوّنا قوة كبيرة، مطالبين باستقلال منطقة النمامشة… فبعثا برسالة إلى ورتان بشير يطلبان منه مغادرة منطقة النمامشة.. اعتقد ورتان بشير أنها لعبة، لكن قتال وبوقصي قبضا على ورتان بشير.. سافر عباس لغرور والتقى بكل من قتال وعمر البقصي فأقنعهما بالعدول عن مواقفهما. وأعطى لهما مسؤولية منطقة تبسة بشرط تطبيق أوامر القيادة العليا، وأخذ معه ورتان بشير”.

هل فعلا رفض عجول تولي مسؤوليات قيادية على رأس الولاية الأولى؟

هناك اجتماع عقدته القيادة العامة: عباس لغرور وفرحي ساعي وورتان بشير وتيجاني وعجول ومحمد بن مسعود ومسؤول التموين (40-45) سنة. يقول عجول بأنه تم التباحث حول القيادة، واعترفنا بعباس لغرور قائد المنطقة. وعرض عليه أن يكون عضوا في القيادة العامة، فرفض عجول خوفا من أن يتهم بأن اغتيال شيحاني بشير سببه الرغبة في السلطة. وتقرر في هذا الاجتماع أن تمثل كل منطقة بعضو في القيادة العامة، وأن تعطى استقلالية للمناطق عكس ما كان عليه في مرحلة شيحاني بشير. وأكد عاجل عجول أنه أخبر بن بولعيد بأن عباس لغرور وكّله كممثل للإدارة لاتخاذ القرارات (في الحالات القصوى) التي تكون في مصلحة الأوراس، وأعطاني هذه السلطة أو المسؤولية- يقول عجول- لأسهل له إعادة تنظيم آريس ومشونش.

هل هناك معطيات حول حادثة إطلاق النار على عجول أثناء وجود عميروش في الأوراس؟

للأسف لم أطلع على استجواب عجول في هذه المسألة، لكن ما يمكن التأكيد عليه هو أن زيارة عميروش إلى منطقة الأوراس أزمت الوضع وخلفت اضطرابات كبيرة، والدليل أن عجول تعرض لمحاولة اغتيال أثناء وجود عميروش في الأوراس، كما أن هذا الأخير التقى به بعد الحادثة وتحدث معه عن أمور أخرى وكأنه لا شيء حصل رغم مقتل اثنين من جنود عجول.

ما هي قراءتك لمذكرات هلايلي كاتب عجول وبن معلم كاتب عميروش؟

هناك تناقض، فحسين بن معلم يقول بأن مهمة عميروش في الأوراس نجحت 100 بالمئة، لكن في الحقيقة لسنا ملزمين ببراهين كثيرة للحكم على فشله، حيث جاء كرجل سلم، لكن في الحقيقة حدثت فتنة بعد ذهاب عميروش، والدليل أن عجول نجا من الاغتيال، وأرغم على تسليم نفسه للعساكر الفرنسيين. لم أحصل على استجوابات عجول في هذه المسألة، لكن زيارة عميروش خلفت اضطرابات وفتنة في منطقة الأوراس.

هل ترى بأن عجول بريء من التهم الموجهة إليه؟

قرأت كتابا من نحو 200 صفحة للمؤرخ الفرنسي ريمون نارت الذي عالج الأوراس من الداخل تحت عنوان “عجول عجول”، يؤكد فيه أن عجول لم يعط أي معلومة مهمة للسلطات الفرنسية، كما أن الشهادات والوثائق الفرنسية تؤكد أن عجول بريء من التهم الموجهة إليه. عجول كان يرد على الأسئلة الموجهة بثوب القائد الدبلوماسي، حيث لم يقل فعلت كذا وكذا، ولكن كان يؤكد أن الثورة أشعلت لرفع الغبن عن الشعب الجزائري، وكان الغرض منها قتل أكبر عدد من الفرنسيين، وغيرها من المسائل التي تعكس وطنيته وشخصيته القيادية، كما أنه سرد معلومات ومسائل معروفة لدى الفرنسيين أنفسهم.

كيف تفسر المتاعب التي لاحقت عجول بعد الاستقلال؟

شيء مؤلم ما حدث له، كيف يسجن رجل لم يرفع السلاح ضد الثورة. عجول لم يخن الثورة ولم يلجأ إلى الصراعات القبلية وهذا أمر يحسب له.

في رأيك من يتحمل مسؤولية متاعب عجول بعد الاستقلال؟

اللوم الكبير على رفقائه في السلاح، مثل طاهر زبيري والحاج لخضر وبقية القيادات التي تعرف عجول عن قرب، عجول لم يحاكم، وهذا أمر طبيعي، لأنه ليس لديه اتهامات واضحة، تأثرت كثيرا حين علمت بأن عجول عمل حارس مدرسة وتساءلت عن أسباب وخلفيات هذه النهاية المأساوية لرجل وطني كبير.

هل من إضافة في الأخير؟

أختم كلامي بهذه المقولة أو البيت الشعري لشاعر أندلسي يقول:
ليس كل ما قيل كما قيل ** فقد مارس الناس الأباطيل.

مقالات ذات صلة