زمن الضحك قد ولى؟
الثورة – أو الانقلاب الذي لبس لباس الثورة ضد القذافي- في ليبيا انطلق بداية السنة في نفس الوقت مع الانتفاضة ضد النظام في الجزائر والتي ألبسها لباس مناهضة الغلاء وارتفاع أسعار الزيت والسكر، وفهمت السلطات الجزائرية أن الأمر لا يخرج عما يهب على العالم العربي من عواصف التغيير الجذري والمطالبة الشعبية الملحة برحيل الأنظمة الديكتاتورية البالية، فسارعت إلى رفع راية الإصلاحات حتى تقطع الطريق على التغيير المنشود.
-
ولكن الذي حدث هو أن الانقلاب أو الثورة في ليبيا وصلت أول أمس فقط إلى منتهاها ووقع ما لم يكن متوقعا وفتحت الأبواب على مصراعيها للتغيير الجذري، سواء يكون هذا التغيير بتحول ليبيا إلى مستعمرة فرنسية بريطانية مباشرة من نوع جديد أو، وهو المستبعد مع الانقلابيين الحاليين والقادمين على ظهور البوارج الفرنسية وطائرات حلف الناتو، بإقامة دولة عصرية مستقلة للمواطنة والديمقراطية وسيادة القانون..في حين أن الإصلاحات المزعومة المعلنة عندنا لا يظهر لها أثر على الرغم مما مر من زمن طويل على انتهاء أشغال لجنة عبد القادر بن صالح التشاورية وعلى الرغم من ضحالة هذه الإصلاحات وسطحيتها وكونها صورة طبق الأصل لما يمارسه النظام منذ استيلائه على الحكم بعد الاستقلال، حتى أن القطرة التي فلتت من هذه الإصلاحات المزعومة جاءت في شكل مشروع قانون للإعلام أكثر ديكتاتورية وقسوة وانتهاكا للحريات مما سبقه من قوانين، وهذه محاولة أخرى للعب على قصر ذاكرة الشعب والضحك على أذقانه رغم أن زمن الضحك قد ولى، والشعب لا يريد إلا الإصلاحات وليس أكثر من ذلك لأنه منطقي ويدرك أن المطالبة بأكثر من ذلك، بالتغيير الجذري، ستكلفه ثمنا باهظا جدا جدا من ردات فعل النظام التي خبرها جيدا في مناسبات وأحداث سابقة آخرها أحداث أكتوبر 1988 وأحداث تسعينات القرن الماضي وما تلاها..
-
لكن يبدو أن السلطات الجزائرية لا تدرك أو لا تريد أن تدرك ما حدث ويحدث حولها وما بين ظهرانيها، ولا تعي أن العالم قد تغير 180 درجة منذ بداية الألفية أو بداية القرن الواحد والعشرين وخاصة منذ بداية الربيع العربي قبل عدة شهور، وأن أهم شيء في هذه التحولات هو أن التغيير إذا لم يأت وبالسرعة المطلوبة والتنازلات المطلوبة لمطالب الشعب فسيأتي حتما من الخارج مهما كان هذا الخارج حاميا لهذا النظام ومهما كان الثمن المدفوع في شراء الذمم، ولننظر إلى ما جرى ويجري للأنظمة العربية المطابقة للنظام الجزائري من هذا الخارج الذي وصل إلى حد التنكيل برجال هذه الأنظمة بعد أن كان إلى وقت قريب يعض عليهم بالنواجذ.
-
إن هذا التماطل وهذه المراوغات في إجراء الإصلاحات المطلوبة والتي لا تكلف النظام ثمنا يذكر إنما هو ممارسة لسياسة “علي وعلى أعدائي” وتعريض البلاد والعباد للخطر الكبير، وهي سياسة لا يشفعها له عناده الأبدي وجموده وتأخره وفطرته التي فطر عليها في سجن الأمة والبلاد في سجن الفساد والقهر.