جواهر
عندما تتحول كرة القدم إلى ضرة

زوجات يهددن أزواجهن.. إما أنا أو هي؟!

نادية شريف
  • 17414
  • 29
ح/م
أكثر ما يستفز المرأة خشوع الرجل مع المباريات

عندما تهتز مدرجات ملاعب كرة القدم، تهتز معها قلوب الرجال والنساء معا؛ فقلوب الرجال تهتز حماسا وغبطة ، وقلوب النساء تهتز حنقا وغضبا.. وفيما يشعر الرجال أنهم يمارسون حقهم الطبيعي في متابعة الرياضة التي ابتكرها الانكليز من أجلهم، تشعر النساء أن حقا من حقوقهن استولت عليه كرة القدم وحولته إلى رصيدها، فليس غريبا أن تشعر بعض النساء أن هذه الرياضة الأكثر شعبية في العالم، أصبحت بمنزلة الضرة التي تقاسمهن اهتمام أزواجهن، وغالبا ما يسود هذا الجو من التشنج في العلاقات الزوجية كلما أظهر الزوج ودا زائدا لكرة القدم والزوجة تسمع وترى . موقع جواهر الشروق تحدث مع بعض النساء الجزائريات عن تأثير كرة القدم في حياتهن، حينما تصبح جزءا أساسيا في حياة أزوجهن، فأجمعن على أن هذه ” الانجليزية ” لو لم تسلب أزواجهن عقولهم و تتربع على عرش قلوبهم ، لما كان لها أي تأثير في حياتهن.

بايرن ميونيخ ضرتي  !

لان زوجها مهووس بكرة القدم بشكل عام، وفريق بايرن ميونيخ الألماني بشكل خاص، فقد أسرّت لنا السيدة سهام يوسف التي التقيناها في أحد المراكز التجارية بالجزائر العاصمة أنها أخبرت زميلاتها في العمل، أن زوجها تزوج سيدة ألمانية تدعى ” بايرن”، ولأن الثقافة الرياضية عند النساء تكاد تكون منعدمة، فقد اعتقدن فعلا أن زوجها متزوج من ألمانية وسعين إلى معرفة تفاصيل هذا الزواج، والسبب الذي يجعلها هادئة الأعصاب وهي تتحدث عنه، وبعد إلحاح شديد منهن كشفت سهام عن حقيقة هذا الزواج الذي منحه زوجها كل اهتمامه وحبه والذي هو- كما تقول سهام –” عبارة عن ارتباط ” روحي ” بين زوجي وفريق بارين ميونيخ الألماني الذي ملك قلبه وعقله لدرجة أنه كلّما تعثّر في إحدى المباريات المهمة استشاط غضبا وأصيب بحالة اكتئاب، وعلى العكس من ذلك كلّما فاز على خصمه انفرجت أساريره وغمرته سعادة كبيرة ووصل به الحد إلى إقامة مأدبة عشاء لأصدقائه على شرف فوز فريقه “.. وعما إذا كانت تتضايق من تصرفات زوجها، قالت السيدة سهام: ” في بداية زواجنا لم يكن اهتمامه الزائد بكرة القدم يضايقني، لأني اعتبرت هذا الأمر حقا من حقوقه، ولكن بعد أن أصبحت هذه الرياضة تتحكم في مزاجه وتتسبّب في إثارة المشاكل بيني وبينه، صرت أتضايق منه بشدة إلى درجة أنني ذات مرة غادرت المنزل وذهبت إلى أهلي لأنه كسر مزهرية ثمينة بعد أن سجل فريق الخصم هدفا في مرمى بايرن ميونيخ ” .

لا لكرة القدم

و تشاطر السيدة” زينب عمّار” ماكثة بالبيت، سهام رأيها، حيث  تقول: ” لو لم ” تتدحرج ” كرة القدم إلى حياتي الزوجية بهذا الشكل السافر لما كان اهتمام زوجي بها يعنيني في شئ، لأني أعرف أن تعلق الرجال بها، يعتبر تعلقا طبيعيا مثلما نتعلق نحن النساء بالأفلام والمسلسلات وبرامج الطبخ، ولكن حينما ” تتسلل ” الكرة إلى مطبخي و ينعتني زوجي بسببها بأنني طبّاخة فاشلة لمجرد أن المنتخب الوطني خرج من نهائيات كأس العالم في الدور الأول، وأني ربة بيت مهملة حينما أطلب منه أن يشتري لي بعض الأغراض المنزلية قبل دقائق من انطلاق إحدى المباريات، فمن حقي أن أضمر العداء لكرة القدم وأتمنى أن يتم إلغاؤها من الوجود ” .

تغيّر في الموقف

قبل أن يتأهل المنتخب الجزائري على حساب المنتخب المصري، إلى نهائيات كأس العالم 2010 التي جرت حيثياتها في جنوب إفريقيا، والأحداث التي فجّرت أزمة بين الجزائر ومصر والتي بلغت مرحلة خطيرة، قبل أن تعيد ثورة 25 يناير المصرية بعض المياه إلى مجاريها بين المصريين، الذين اكتشفوا أنهم وقعوا ضحية تضليل من قبل السلطة الحاكمة، والجزائريين الذين ساندوا المصريين في ثورتهم وباركوها، تغيّر موقف المرأة الجزائرية من كرة القدم، وصار حماسها لها يضاهي حماس الرجال، وبدل أن تغلق غرفتها على نفسها حتى لا يصلها صوت المباراة، أصبحت تجلس جنبا إلى جنب مع زوجها وهي ترفع الراية الجزائرية، لأن الأمر هذه المرة يتعلق بالوطنية التي استيقظت داخلها بسبب طبيعة المباراة التي جمعت المنتخبين الجزائري والمصري، وكذا المباريات الأخرى التي خاضتها الجزائر في نهائيات كأس العالم بجنوب إفريقيا، ومع أن المنتخب الجزائري خرج مبكرا من المنافسة، إلا أنه ترك شعلة الحماس في قلوب الجزائريات متقدة، وصرن لا يفوتن أي لقاء يجمع أي فريق جزائري مع فريق أجنبي، إلا و شاهدنه وتفاعلن مع مجرياته، هذا ما تراه السيدة نفيسة لحرش رئيسة جمعية ” المرأة في اتصال ” في حديثها لنا، حيث تقول: ” تأهل الفريق الجزائري إلى تصفيات المونديال الأخير، أحدث انقلابا كبيرا في حياة المرأة الجزائرية التي أصبحت تنظر إلى كرة القدم من زاوية ” حب الوطن “، هذه ” الوطنية ” تستوي على سوقها كلّما تقابل فريق جزائري، وليس بالضرورة المنتخب الوطني، مع فريق أجنبي “.. وترجع السيدة نفيسة تذمر المرأة من كرة القدم، إلى حالة الفوضى التي تعم  حينما يقرّر الزوج مشاهدة مباراة رياضية في بيته، وهذا ما يحرم ربة البيت من متابعة برامجها المفضلة، وهنا تحدث بعض الخلافات، و لذلك يفضل الكثير من الأزواج متابعة المباريات في المقاهي للشعور بالحرية في التعبير عن فرحتهم أو غضبهم.    

لا إفراط و لا تفريط

و على عكس السيدات اللواتي أوردن آراءهن المناهضة لكرة القدم، ترى  الدكتور رقية ناصر، مختصة في مرض الأعصاب، و عضو بجمعية ” شبكة وسيلة ” وهي جمعية تعنى بالمرأة و الطفل في الجزائر، بأن كرة القدم  في أكثر الأحوال، لا تحدث شرخا في الحياة الزوجية إلا حينما تكون هناك فجوة بين الزوجين، فتصبح حينها كرة القدم بمثابة القطرة التي تفيض الكأس، و تخرج بعبع الخلافات من قمقمه، فتبدو هذه المسكينة وكأنها المتهم الرئيسي في القضية، مع أن فيها من المتعة ما تدفع الرجال والنساء على السواء لمتابعتها، وتقول رقية في هذا السياق: ” أنا شخصيا أهتم بكرة القدم، وأتابع نتائج النادي الذي أناصره، و بعيدا عن اهتمامي الشخصي بها، أعتقد أن كرة القدم فرضت نفسها في المجتمع الجزائري وصارت مثلها مثل أحوال الطقس التي يهمنا التعرف على تقلباتها، فإذا كانت الإذاعة تخصص لها أربع  نشرات على مدار يوم واحد، ويخصص لها التلفزيون الجزائري أكثر من ثلاث برامج على مدار الأسبوع، كما أن نصف المجتمع ممثلا في فئة الرجال يوليها اهتماما خاصا، فكيف لا أهتم بها أنا ؟!”.. ولا تنكر السيدة رقية في الوقت نفسه، أن اهتمام الرجال الزائد عن حده بكرة القدم يتسبب في خلافات زوجية، حيث تقول: ” إذا كان الزوج يقضي معظم وقته خارج المنزل، وحينما يعود في المساء إلى بيته تراه يتجول بين القنوات الرياضية وما أكثرها في هذا العصر، ولا يترك مجالا لزوجته للحديث معه، فهذا من شأنه أن يثير بعض الخلافات، ولذلك لابد من إحداث نوع من التوازن في هذا الأمر، فلا إفراط في متابعة كرة القدم ولا تفريط  فيها”. 

الشمّاعة والمتنفس

ويتقاطع رأي الدكتورة رقية في نقطة واحدة مع رأي الدكتورة ” ن – عبيد ” مختصة في علم النفس” التي تقول: ” إذا كانت هناك أسرة تعاني من خلافات بسبب كرة القدم، فهذا يعني أن هناك خلل في بنيتها التحتية إذا صح التعبير، و كرة القدم ماهي إلا الشمّاعة التي تعلق عليها الخلافات السابقة بين الزوجين، وهذا دليل على تدهور الصحة النفسية لأحد الطرفين أو كليهما، والذين يجهلان بالضرورة أساليب الحوار السليم الذي يقرّب المسافات بينهما ولا يترك مجالا للخلافات، ولكن عندما يحاول كل طرف أن يفرض أفكاره و آراءه على الطرف الآخر مهما كانت غير مقنعة، فهنا لا بد أن يحتدم الصراع بينهما، وبالتالي تتصدع العلاقة الزوجية على النحو الذي تعرفه الكثير الزيجات التي وصل بها الأمر إلى الطلاق لأسباب تافهة جدا “..

وعن السبب الذي يجعل الرجل مهووسا بكرة القدم إلى درجة الإزعاج، ردت الدكتورة عبيد قائلة: ” هناك أسباب كثيرة، ولكن نركّز على أهمها من الناحية النفسية، وهي تلك التي تتعلق بالضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تفرض نفسها على هؤلاء المهووسين، الذين يرون في كرة القدم متنفسا لهم، ونافذة يفرون منها من واقعهم السائد، إلى عالم رحب فسيح يتيح لهم نسيان كل ما ينغص عليهم حياتهم، ونلاحظ أن ظاهرة الهوس هذه، تنتشر أكثر بين الشباب العازب الذي يحمل الكثير من الأحلام المؤجلة أو المستحيلة، فلا يجد بدا من الانغماس في كرة القدم بما يحقق له الإشباع النفسي، ولكن بمجرد أن يتزوج هؤلاء الشباب وينعمون بحياة مستقرة، تتراجع لديهم نسبة الهوس بالكرة، غير أنه يحدث أن يعودوا إلى عادتهم في حالة إذا ما تعرضوا لضغوط اجتماعية أو اقتصادية، ويجب أيضا أن لا نغفل تأثير الإشهار المغري للأندية والذي يتولاه كبار الممولين، وكذا العدد الكبير من الفضائيات الرياضية التي تتيح أكبر عدد ممكن من البطولات المختلفة “.. وترى الدكتورة عبيد، أن تذمر النساء من هوس أزواجهن بكرة القدم بدأ يتراجع في السنوات الأخيرة بسبب إتاحة الدولة لأنصار الكرة شاشات كبيرة تقام في الأماكن العامة كلما كانت هناك منافسة كبيرة على غرار المونديال الأخير، أين أصبح بإمكان مئات الأشخاص متابعة المباريات في مكان واحد يحفه الحماس والتلاحم عندما يتعلق الأمر بالفريق الوطني، كما أن ظهور فرق نسوية جزائرية حققت نتائج جيدة في كرة القدم، خلق ميولا للمرأة لهذه الرياضة، ولعل ما قرّب المسافات أكثر بين الجزائرية والكرة، هو تأهل المنتخب الجزائري إلى نهائيات كأس العالم “.. وعن الأسلوب الأمثل الذي يجب أن تنتهجه المرأة للتخفيف من هوس زوجها، قالت المختصة النفسانية: ”  وراء كل مهووس بكرة القدم دافع نفسي على الزوجة الذكية أن تكتشفه، فربما كانت هي السبب وراء ذلك، و عليه من الحكمة أن تدخل عالم زوجها الكروي، بأن تسأل عن نتائج فريقه المفضل، وتجلس بالقرب منه وهو يشاهد مباراته، أي تمنحه الاهتمام الكافي الذي يحقق له التوازن النفسي، حينها سيبادلها الاهتمام ويلتفت إليها، لأنه كلّما كان هناك انخفاض في الضغوط الاجتماعية، حدث التوافق الايجابي “.

مقالات ذات صلة