الرأي

سجود في كأس العالم

أجمل ما في مقابلة الجزائر أمام بلجيكا، التي عاشها الجزائريون نهار أمس، بجوارحهم ومشاعرهم، فذاقوا حلاوة الفوز في بداية المقابلة وشربوا بعد ذلك من مرّ الهزيمة، هو ما حدث بعد تسجيل اللاعب سفيان فيغولي لهدف الجزائر، حيث توجّه اللاعبون أمام أنظار مئات الملايين من البشر، إلى ركن من الملعب وسجدوا حمدا لله، فسجد سفيان الذي يلعب في إسبانيا، ولحق به سفير الذي يلعب في إيطاليا، ورياض الذي يلعب في انجلترا، وكلهم من مواليد فرنسا، في لقطة لها أبعاد وطنية، بصمت على الهوية، التي يجب أن يكون عليها هذا الجيل من الجزائريين الذين يعيشون في الضفة الأخرى.

وبعيدا عن الجانب الفقهي في قضية السجود في الملاعب، فإن إعلان الهوية التي أساسها الدين الحنيف، في مثل هذه اللقاءات، التي يشاهدها البشر في القارات الخمس، هو في حد ذاته انتصار، أهم من الانتصارات العابرة، التي قد تزول في اليوم الموالي للمقابلة، بينما تبقى الهوية من دين ولغة وتاريخ خالدة، ويبقى دور الدولة في دعم هذه الصرخات التي يعلنها الجزائريون، في كل بقاع الدنيا عن تعلقهم ببلادهم، ولو عبر جسر مباريات كرة القدم، لأن الدولة مازالت مقصّرة في هذا الجانب ويكاد يكون كل الديبلوماسيين، وحتى الأئمة الذين ترسلهم بالمجاملة، مجرد موظفين لحسابهم الخاص ولحساب الأطراف التي ترسلهم إلى أوروبا، بدليل عدم بذلهم أي جهد لتعليم جزائريي فرنسا على وجه الخصوص اللغة العربية أو الأمازيغية، ويبقى الحفاظ على الهويّة والدفاع عنها من جهد المغتربين الجزائريين الذين صمدوا أمام عواصف التغريب، التي فرضتها الحياة عليهم.

غالبية مشاهير كرة القدم في العالم، من بيليه إلى ميسي، وفي غيرها في الرياضات، يحتفلون بأهدافهم، وبانتصاراتهم بإشارة الصليب، ويقدمون أنفسهم للعالم، برغم بلوغهم أعلى الدرجات، إيمانا منهم بأن الهوية أهم من أية ميدالية أو كأس، وهي رسالة الرياضي الذي قد يتحوّل إلى عبء على وطنه، كما كان حال مارادونا الذي صار مثالا مُعيبا للشباب وللرياضيين بعد أن تورط في قضايا مخدرات ومنشطات، بينما قدّم آخرون صورهم المحترمة، فقدّر العالم ديانتهم من المسلم كانوتي إلى البوذي روبرتو باجيو، قبل أن يحترم أداءهم على أرضية الميدان.

 

صحيح أن المنتخب الجزائري خرج خاسرا، بهدفين مقابل هدف واحد، وقد يخرج من البطولة في حال تعثر آخر أمام كوريا الجنوبية، وصحيح أن الجمهور لا مطلب له غير الفوز حتى ولو تحقق بهدف، على شاكلة هدف مجيد بوڤرة في لقاء بوركينا فاسو، لكن الجزائريين عليهم أن ينتقلوا إلى التفكير في تحويل اللعب إلى جِدّ، وسيكون بعد ذلك الانتصار ممكنا ليس في نتيجة مباراة فقط، وإنما في مجالات أخرى، لأن المنتخب الجزائري، خسر معركة كروية ولم يخسر حربها بعد، وربح حرب هويّة ولم يخسر أيضا معاركها، لأن النتيجة كانت أهدافا من فيغولي وأفلاي وميرتينس، وسجود جماعي للاعبين قيل عنهم ذات استفزاز.. أنهم أبناء فرنسا؟

مقالات ذات صلة