-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

سقط القناع عن القناع

عمار يزلي
  • 2947
  • 0
سقط القناع عن القناع

من جديد وللمرة المائة بعد الألف، ينكشف القناع عن قناعة ازدواجية المعايير الغربية في التعاطي مع “الأوضاع الإنسانية” خارج العالم المركزي الغربي، خلافا لما يحدث في الداخل الغربي، وأيّ غرب؟ غرب الموالاة؟ أم غرب المعاداة؟ فالغرب، وأوروبا وأمريكا ليسوا جميعا في سلة واحدة، ففي الغرب، هناك اليوم دول “الممانعة” وأخرى من تيار “المجابهة”: مشكلة كوسوفو والخلاف الصربي الغربي وبعض الدول كالمجر، تمثل وجه التمييز والتمايز والاختلاف داخل الكتلة الأوربية: تكتل يعاني من تكتل آخر.

ما حدث مع كارثة تركيا وسوريا، بات اليوم واضحا أن ازدواجية المعايير السياسية المتسلطة حتى على المنظمات الإنسانية ومنظمات الإغاثة الدولية والأمم المتحدة واليونيسيف والمنظمات غير الحكومية، باتت تزيح القناع على “الوجه الإنساني” غير الإنساني، الذي لا يفرّق بين الغربي والعربي وبين المسلم والمسيحي واليهودي والبوذي وغير المتدين في كل مكان: السود منهم والبيض، الصفر والحمر، كل على دينه وكل على دنياه وعلى ثقافته وموقعه وموقفه. الإنسانية لا تفرّق بين الناس في شيء بين ذاك وذاك، وهذا ما بُنيت عليه “الإنسانية” في مواثيق جنيف والأمم المتحدة، والتي باتت اليوم عرضة للانتقائية، بدعاوى مختلفة، تصبّ كلها في الشعور المتعالي وعقد “الأوروـ مركزية”، التي انتقل اليوم مركزها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى أمريكا. التمييز بين الناس بات واضحا حتى في الكوارث الطبيعية. الأكيد أنهم ينفون هذا على الإطلاق، لكن الحقائق على الأرض تثبت بلا مساحيق أن الجمال المزعوم ما هو إلا مسحوق يزول عند أول تجريب على الأرض.

كان التصنيف أوّلا بين زلزال قوي وزلزال أقل قوة، بين تركيا الأوربية الغربية، لكن المسلمة، عضو النيتو، ولكن ليست عضوا لا اليوم ولا غدا في الاتحاد الأوروبي، وكانت الهبَّة الإنسانية لأكثر من 90 دولة، كان على رأسها الدول الصديقة والشقيقة: روسيا وإيران والعراق والجزائر ودول أخرى عربية ثم غربية. غير أن سوريا بقيت في آخر الاهتمامات لدى الغرب بدعوى العقوبات المفروضة على سورية وقانون “قيصر” الأمريكي. صارت التبريرات أكثر  من العمل، والمنظمات الإنسانية معذورة في ذلك، فهي غير سياسية وتخضع هي الأخرى لتبعات العقوبات التي هي من صنّاع السياسة في الغرب الكبير.

سوريا أيضا مجزأة ومقسمة بين مناطق تسيطر عليها الحكومة، لم تتأثر كثيرا بالزلزال، فيما المناطق الشمالية الغربية تسيطر عليها فصائل تابعة للمعارضة المسلحة والتي تعرّضت لهزة زلزالية كبيرة، بما فيها حلب. وهنا بدأت التبريرات التي تضع اللوم في آخر المطاف عن من سنَّ العقوبات، غير أن من سنَّها، يتنصل من المسؤولية في آخر أيام الزلزال أي بعد أن انقضى الأمر وبات القضاء والقدر والعناية الإلهية وحدها سيدة الموقف.

الولايات المتحدة تنفي أن تشمل العقوبات المساعدات الإنسانية، والكيان الإسرائيلي النافخ في الكير، يهدد أي قافلة “عسكرية” إيرانية تكسر الحصار بغطاء إنساني، ثم تعلن أمريكا أن التحويلات جائزة لمدة 6 أشهر فقط، مما يعني أن العقوبات كانت تشمل أيضا المساعدات الإنسانية التي كانت تدخل عبر ممرٍّ واحد بدعوى أن الفيتو الروسي هو من قلّص حجم المساعدات قبل الزلزال. ثم يجتمع مجلس الأمن لمناقشة المساعدات “الإنسانية” لسورية وكأنَّ الأمور الإنسانية فيها نقاش، وبتنا ندور في حلقة مفرغة، من التبريرات واللوم والمناشدات، والناس تموت تحت الأنقاض، ولولا الأشقاء والأصدقاء والدول المجاورة وأصدقاء سوريا من عرب وفرس وروس ممن تجرّأوا على كسر الحصار من دون اكتراث بغضب أمريكا، لكان حجم الكارثة أضعافا مضاعفة.

كل هذا معروف ومحفوظ. فعلا، لقد سقط القناع عن القناع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!