سلال، الهواري ورضا سيتي 16 يحولون الفايسبوك إلى فضاء حر للتنكيت

من جدار الحومة إلى جدار الفايسبوك، تبحث فئة من الشباب الجزائري على فضاءات للتعبير عن أفكارها وميولاتها التي وعلى ما يبدو باتت تقتصر على الاستهزاء بالآخر والأخذ والعطاء في مواضيع تافهة ليس لهى أدنى قدر من الأهمية.

ظاهرة جديدة تحفر انحرافا آخر تتدهور فيه لغة وعقلية جيل الانترنت، فما إن تنقل وسائل الاعلام خطأ في تصريح إحدى الشخصيات الفاعلة، أو موضوعا غير مألوف حتى تتوالى عشرات الصفحات في الظهور على موقع الفيسبوك بعناوين تتضمن الحدث المفبرك، فيما يتداول المتواصلون عبر الشبكة العنكبوتية فيديوهات، الغريب فيها أن تركيبها يتم في سرعة البرق، وبإبداع متناه في اختيار موسيقى ومقاطع ذات صلة من أفلام فكاهية أو اجتماعية قديمة أو حتى مسرحيات سبق وأن تأثر بها المشاهد الجزائري. فمن عارضة المرمى التي أسقطها لاعب المنتخب الوطني مرورًا بضيوف الكاميرا الخفية التي عرضتها بعض القنوات الخاصة خلال الشهر الفضيل، أقوال قائد النازية المحرفة وأخطاء لغوية وأخرى نحوية لشخصيات سياسية وصولًا إلى ما تبثه القنوات التلفزيونية، مواضيع جعل منها شباب الفايسبوك مادة دسمة تغذي فراغهم، فيما لا تحتمل في الأصل كل ما حملتها المواقع الاجتماعية من تعليقات فارغة.

شباب الفايسبوك يتصيد أخطاء السياسيين

   أباح الجزائريون لأنفسهم تكفير الوزراء في مشاركاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، لمجرد أخطاء لغوية أو نحوية اقترفوها في سياق تصريحاتهم، كتلك التي تقذف وزيرة الثقافة كونها اعتبرت الانتخاب الذي هو واجب وطني كالواجبات الدينية الأخرى من صلاة وصوم، فيما تسببت خطابات الوزير الأول عبد المالك سلال خلال خرجاته الميدانية إلى المدن الداخلية في ضجة من نوع خاص، تداولتها بعض صفحات الفايسبوك التي تظهر وتختفي بزوال مبرر وجودها، حيث راح الشباب يتابعون تصريحاته عبر وسائل الإعلام أو موقع اليوتيوب، لا لشيء، سوى للتهجم عليه واتخاذ بعض العبارات التي يدلي بها في اطار خطاباته كموضوع لسخافاتهم ونكتهم الساذجة على هذه المواقع، فقد سبق وأن تناول الوزير الأول مصطلح “الفقاقير”، هذا الأخير أثار جدلا واسعا بين المتصلين عبر الشبكة امتدت اصداؤه اسابيع بعد التصريح، بين من فسره بالجمع الخاطئ لمفرد “فقير” وراح يصرف عبارات على نفس الوزن كالدعاء للمنتخب الوطني “إن شاء الله يربحو الخضاضير في تشاكاكير”، ومنهم من اعتبره جمعًا لمصطلح (فقارة)، وهي المسالك المائية المعتمدة في الصحراء كطريقة للري، وبين هذا وذاك تباينت المشاركات والتعليقات.

حتى السياسيين الألمان

لم تستحوذ الشخصيات السياسية الجزائرية لوحدها على سخرية الفايسبوكيين، فقد ظهرت صفحات تحمل في عناوينها اسم قائد النازية “هتلر”، هدفها التنكيت بأحداث الواقع المعاش وصياغتها على شاكلة أقواله التي وردت في كتابه الشهير “كفاحي”، فمن مقولة “العظماء فقط هم من… ” إلى ” لا استطيع احتلال شعب..”، استطاعت صفحات أقوال هتلر (الجزائرية) أن تحصد مئات الآلاف من المعجبين في ظرف قياسي جدا، وان تستقطب اهتمامهم من خلال المشاركات التي تنشرها على شكل شريط اسود يحمل صورة هتلر ونكتة عن ظاهرة ما في المجتمع الجزائري الذي لم يجد شبابه غير الفايسبوك متنفسًا للتعبير عنها.

ضيوف الكاميرا الخفية في مقلب آخر

بعد ما أوقعت برامج الكاميرا الخفية للقنوات الخاصة بضيوفها الكرام من فنانين ورياضيين خلال الشهر الفضيل، وجد هؤلاء انفسهم في مأزق آخر، لأنهم انجروا وراء استفزازات المذيع حتى فلتت منهم تصريحات جعل منها الفايسبوكيون موضوعا خصبًا للتنكيت، فقد تحولت هذه التصريحات إلى أقوال مأثورة تداولها شلة من شباب الانترنت للسخرية فيما بينهم، على غرار ما حدث مع مغني الراب الجزائري رضا سيتي 16، الذي نال الحظ الأوفر من تهكم الفايسبوكيين بعد ما قال في برنامج للكاميرا الخفية بأنه صافح مغني البوب العالمي مايكل جاكسون، ورغم ما صرح به لوسائل الإعلام فيما بعد بأن “الأمر لم يكن سوى مزحة”، إلا ان هذا لم يعفه من حملة الاستهتار التي لا تقل تفاهة عن سابقاتها، كما اضافت مغنية جزائرية شهيدا آخر إلى قائمة شهداء الثورة المجيدة، الشهيد خمسة جويلية الذي صنع الحدث على صفحات الفايسبوك، فلم يكن معروفًا لدى الجزائريين ممن يحفظون أسماء شهدائهم عن ظهر قلب، الأمر الذي أثار سخطهم، كيف للشابة سهام ان تخلط بين تاريخ استقلال الجزائر وأسماء من جلبوه، حيث أعلن البعض خجلهم مما وصفوه بالمستوى المتدني لبعض الفنانين من خلال التعليقات على فيديو الحلقة.

الهواري “مول لوبيلانص” نجما للفايسبوك

استطاع روبورتاج واحد بثته قناة تلفزيونية خاصة، أن يكشف الكم الهائل من النقاد والفلاسفة الذين يزخر بهم الفايسبوك الجزائري، الروبورتاج تناول ظاهرة الانحلال الخلقي في محيط الاقامات الجامعية، وإن كانت الظاهرة قديمة قدم تواجد هذه الأخيرة ومعروفة لدى العام والخاص، إلا أن طريقة تناولها زلزلت مواقع التواصل الاجتماعي، ففي هذه المرة استرسلت السخافات باكرًا، وبدأ ابداع الجزائريين في نقد المحتوى الإعلامي فور ظهوره على الشاشة الصغيرة، فهذه مشاركات وتلك تعليقات فارغة معظمها يتضمن سيلًا من العبارات البذيئة والشتم والسب، فقد شن البعض حملته من اعتداءات لفظية على الطالبات في الاقامات الجامعية، جاعلين من الشائع استثناءً ومن الاستثناء شائعًا، ومنهم قلة أخرى قامت بحملة معاكسة للتندر على مستوى بعض الصحفيين اليوم، ووقفت وقفة المعارضة، فراحت تنشئ صفحات جديدة تساند الطالبات وتدافع عن شرفهن وعفتهن، مستشهدين في ذلك بشخصية سوسو والهواري “مول لومبيلونص“، الذي تحول من عون الأمن المشبوه الذي يقوم بانفلات الطالبات خارج الإقامة للقاء خلانهن، إلى شخصية أمعن الفايسبوكيون في السخرية منها بالقول “أنه الشخص الوحيد الذي يجب الاستنجاد به لإخراج مناصري الخضر إلى البرازيل مقابل 5000 دينار”، ولأن الجزائريين يعشقون هذا النوع من النكت ذات الطابع الاجتماعي فقد حصدت صفحات الهواري على الفايسبوك كما هائلا من المعجبين الذين تفننوا في وضع تعليقاتهم ومشاركاتهم.

حسب بعض المختصين فإن التواجد الجزائري على مواقع التواصل الاجتماعي زنبقي نوعا ما، وهو ما نلمسه فعلا في تغير آراء الفايسبوكيين وميولاتهم المتذبذبة بين الدين والرياضة والسياسة والتي تنصب في مجملها في قالب اجتماعي فكاهي، ولا ندري فيما اذا يصح لنا اعتبار هذه المواقع بمثابة مضلل للرأي العام، في الوقت الذي تقوم فيه بتسليط الضوء على مواضيع جافة وشخصيات أقل أهمية من تلك التي ألقي عليها الستار وهي الأجدر بالتهكم والاهتمام لما عليها من جرم وخطيئة وفساد.