الرأي

سلطة‮ “‬الشكارة‮ ” ‬والعائلة‮!‬

محمد يعقوبي
  • 4120
  • 7

مسكينة جبهة التحرير الوطني، حوّلها “الأفلانيون” إلى دابّة مترهلة، يترادفون عليها بالعشرات دون رحمة ولا شفقة.. يُمعنون في إهانتها وإجهادها، ثم ينزلون دفعة واحدة لينهالوا عليها ضربا وجلدا وتمزيقا!! كلّ يريدها في اتجاهه، حتى إذا أثخنت بالجراح بركت على الجميع وردمت‮ ‬تحتها‮ ‬الطمّاعين‮ ‬والانتهازيين‮ ‬ومن‮ ‬يتاجرون‮ ‬بشرفها‮ ‬وعفّتها،‮ ‬ويبيعون‮ ‬اسمها‮ ‬لأصحاب‮ “‬الشكارة‮” ‬والنفوذ‮..‬

هكذا يفعلون هذه الأيام، بمجرد الإفراج عن قوائم الترشيحات، ولو أن المعركة الدائر رحاها في الحزب العتيد، هي معركة أفكار ومبادىء وقيم، لاستحق منا بلخادم وقوجيل وهيشور كل الاحترام، لكنهم جميعا يجبروننا على احتقارهم واحتقار الطريقة التي يتعاطون بها السياسة، والطريقة التي يعاملون بها جبهة التحرير، ولو أنهم سمحوا بوضعها في المتحف لكان أرحم لنا جميعا، عوض أن يتداولوا على تمزيقها بهذا الشكل المفضوح، ويوقع على سحب الثقة كل من لم يجد نفسه مستفيدا من كعكة الانتخابات..

 

مؤسف جدا أن يثور من ثار ضد بلخادم ليس من أجل استرجاع قيم الحزب الضائعة ومبادئه المستباحة، ولا من أجل بيع الحزب للبڤارة ورجال الأعمال، ولكن من أجل قوائم الترشيحات.. لنكتشف كم هي تافهة هذه “السياسة” التي تجعل بيوت الأحزاب السياسية لا تختلف عن بيوت الدعارة، العبرة‮ ‬فيها‮ ‬لمن‮ ‬يدفع‮ ‬ويقبض‮ ‬وليس‮ ‬لمن‮ ‬يؤسس‮ ‬ويكرّس‮ ‬القيم‮ ‬الموروثة‮ ‬عن‮ ‬أجيال‮ ‬الأفلان‮ ‬المتعاقبة‮.‬

وإذا كان الأفلانيون يتنافسون هذه الأيام لتدمير وتمزيق ما تبقى من حزبهم، لأن قوائم الترشحات ابتسمت لبعضهم دون الأخر، فإن حال الإسلاميين في هذه الانتخابات لا يختلف كثيرا عن هذا المشهد البائس، فما يفعله جاب الله في حزبه لا يختلف كثيرا عما فعله بن علي بالتونسيين أو مبارك بالمصريين، أو القذافي بالليبيين، من خلال تمكين العائلة والمقرّبين من رقاب الناس، في حزب يفترض أنه إسلامي يريد أن يحذو حذو إسلاميي مصر أو المغرب أو تونس، لكننا في هذه البلدان لم نر على الإطلاق لا الغنوشي، ولا بن كيران ولا زعيم الاخوان محمد بديع، لم نر واحدا من هؤلاء الساسة رشّح زوجته أو شقيقه أو صهره في قوام الحزب، لأنهم قامات سياسية مقتدرة تعوّل على رجاحة العقل وقوة الحجة في إقناع الناس بالمشروع، وليس على رابطة الدم كما يفعل رئيس حزب العدالة، الذي يختفي خمس سنوات ليولد مع كل انتخابات على أنه “المهدي المنتظر” غير قادر حتى على الحفاظ على مقربيه فضلا عن مريديه، إذا كان ثمة مريدون حقا. ما يحدث على مستوى القوائم الولائية لحزبي بلخادم وجاب الله، يؤكد فداحة الجريمة التي يرتكبها هؤلاء في حق الممارسة الديمقراطية، من خلال تمكين أصحاب “الشكارة” والمقرّبين عائليا من الترشح على حساب الإطارات الشابة التي تنتظر فرصتها، ومن سوء حظ بلخادم وجاب الله، أن المثل الديمقراطي في الترشيح ضربه عمارة بونس، والأفافاس وحزب العمال والتكتل الأخضر، في تكريس رغبة القواعد والمناضلين في ترشيح من يرونهم أهلا للبرلمان، دون تدخل من القيادات‮ ‬المركزية‮ ‬مثلما‮ ‬فعل‮ ‬أويحي‮ ‬وبلخادم‮ ‬وجاب‮ ‬الله‮.‬

من المؤسف أن نضيف لحالة العزوف الانتخابي هذه السلوكات المنفرة من ممارسة الحق الانتخابي، إلى درجة أنه أصبح لكل قائمة انتخابية قائمة تصحيحية، وأخبار الانشقاقات والاستقالات أصبحت مشهدا يوميا قاتما، ولست أدري ماذا يعني أن تنفجر تصحيحيات ولائية لحزب لم يمض على تأسيسه‮ ‬سوى‮ ‬بضعة‮ ‬أسابيع،‮ ‬سوى‮ ‬أن‮ ‬الأسس‮ ‬التي‮ ‬بني‮ ‬عليها‮ ‬لا‮ ‬تصلح‮ ‬لقيادة‮ ‬فوج‮ ‬كشفي‮ ‬فضلا‮ ‬عن‮ ‬قيادة‮ ‬دولة‮ ‬بحجم‮ ‬الجزائر‮.

مقالات ذات صلة