سيناريوهات “تغيير” النظام من الداخل
يُرتقب أن تتضح قريبا معالم “مبادرة سياسية” يحضّر لها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بعد إنهاء سلسلة من الاتصالات والمشاورات، مع “شركاء وحلفاء” يُشاركون في الحكم والحكومة والبرلمان والمجالس المنتخبة والتحالف الرئاسي، وكذا شخصيات سياسية ووطنية وثورية، بإمكانها أن تقدّم “اقتراحات وإضافات” وتصوّر قابل للتجسيد، من أجل إحداث “تغيير هادئ” يحتكم إلى مجموعة من المعطيات والمؤشرات والمتغيّرات.
-
تفيد مصادر متطابقة، أنه من بين الخيارات التي قد يعتمدها رئيس الجمهورية، في “لمّ شمل” العائلة السياسية في البلاد، عقد ندوة وطنية، بقصر الأمم بنادي الصنوبر، يدعو إليها شخصيات وطنية وثورية ورؤساء الأحزاب والوجوه المحسوبة على المعارضة، في سياق فتح “نقاش وطني” حول القرارات التي يُمكنها أن تحقق “الإجماع”، ومع ذلك، لا يُستبعد أن تكون هذه الندوة، مناسبة لإعلان الرئيس بوتفليقة عن سلسلة من القرارات الحاسمة.
-
من بين الخيارات المطروحة، الشروع في تنظيم لقاءات بين رئيس الدولة ومسؤولي الأحزاب وكذا الشخصيات الوطنية والسياسية، في إطار التحاور والتشاور والاستماع لوجهة نظر الآخرين، لتنتهي هذه المشاورات بالاتفاق على “مسودّة قرارات” يتمّ الفصل فيها بعد الإثراء والتنقيح، ثم الإعلان عنها رسميا من طرف الرئيس.
-
وتبقى من بين “الأولويات” التي ينتظر أن تستهدفها القرارات الجديدة: تعديل الدستور، وإمكانية حلّ البرلمان والتحضير لانتخابات تشريعية مبكّرة، وإجراء تغيير حكومي عميق، يفتح الحكومة الجديدة إلى شخصيات “محايدة” وأحزاب ظلت بعيدة عن الاستيزار، ويكون ذلك مرفوقا، بتغييرات موسّعة تشمل المؤسسات السيادية وتعيد النظر في تركيبتها ووظائفها وصلاحياتها.
-
“المبادرة السياسية” التي بدأت روائحها تنتشر في ظلّ حديث عن قرب هبوب رياح “تغيير” ، يمسّ أركان الدولة ومفاصل الحكم، تأتي في وقت كان رئيس الجمهورية قد ترأس الأسبوع المنصرم “جلسة عمل” حضرها كلا من الوزير الأول، أحمد أويحيى، ووزير الدولة الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية، عبد العزيز بلخادم، ورئيس المجلس الدستوري، بوعلام بسايح، ورئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، ورئيس المجلس الشعبي الوطني، عبد العزيز زياري، وحسب ما تمّ تداوله من معلومات، فإن النقاش تركّز حول تعديل الدستور وحلّ البرلمان.
-
هذا الاجتماع كان مسبوقا حسب ما توفر من معلومات، باجتماع لمجلس الأمن، ومتبوعا باجتماع جمع كلا من أويحيى وبلخادم وزياري، بمقرّ المجلس الشعبي الوطني، وهو الاجتماع الذي لم يحضره رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، الذي قيل إنه كان مع فكرة حلّ البرلمان خلال اللقاء الأول برئاسة الجمهورية.
-
وتطرح أوساط مراقبة سلسلة من التساؤلات الجوهرية: لماذا تمّ تأجيل ثم إلغاء مجلس الحكومة؟، هل الأمر يتعلق بتغيير حكومي وشيك؟، ولمذا غاب بن صالح عن الاجتماع الذي احتضنه مكتب زياري بالبرلمان؟، هل مقترح حلّ البرلمان سيشمل الغرفة الأولى فقط دون استهداف مجلس الأمة، من باب أن السيناتورات يخضعون لانتخابات يديرها المنتخبون المحليون وكذا “حقّ الفيطو” الذي تفرضه “كوطة” الثلث الرئاسي؟.
-
تأجيل أو إلغاء مجلس الحكومة، جاء موازيا مع إنهاء مهام مدير الوظيف العمومي، جمال خرشي، الذي كان متهمّا من طرف “خصومه” بينهم حتى وزراء، بأنه أسّس “جمهورية داخل جمهورية”، في وقت ساد فيه الاعتقاد، بأن السلطة بدأت “تتخلّص” من “الديناصورات” و”حرّاس البوابة” ممّن رُبطت وظائفهم وأسماءهم وفترة تعميرهم في نفس المنصب، بامتدادات وولاءات و”لعبة توازنات” أضحت غير مجدية أمام مطالب خارجية ورغبة داخلية في تجاوز نظرية “تغيير جلد الثعبان”!.
-
وفي ظلّ التسريبات والاقتراحات و”الأماني”، لا تستبعد أوساط مراقبة، أن تشمل “حملة الأيادي النظيفة” العديد من “الرؤوس” استكمالا لمسار تنحية مدير الوظيف العمومي الذي كان بمثابة “المفتاح” أوpasse partout الذي يغلق ويفتح كلّ الأبواب في آن واحد، وهو ما يمهّد لكرة ثلجية ستعبر على مجموعة من المناصب العليا والوظائف السامية!.
-
ويُلاحظ غياب أبو جرة سلطاني، وزير الدولة السابق، ورئيس حركة مجتمع السلم، وشريك الأفلان والأرندي في التحالف الرئاسي، عن مختلف اللقاءات التي يحضرها أويحيى وبلخادم، وهو ما يؤكد أن الاجتماعات الجارية لحدّ الآن، تبقى “رسمية” وبعيدة عن الطابع “السياسي” و”الحزبي”، في ظل أصوات طالبت بحلّ التحالف بعد اتهامه بـ “تأميم” مختلف المبادرات وقطع الطريق على المنافسة المتكافئة بين الأحزاب المعتمدة !.
-
وترجّح معلومات أخرى، فرضية إدراج منصب نائب رئيس الجمهورية في التعديل الدستوري، الذي كان الرئيس بوتفليقة قد وعد به بعد التعديل الجزئي سنة 2008 الذي شمل المادة 74 المتعلقة بالعهد الرئاسية، ويُرتقب أيضا أن يفتح المجال لاعتماد أحزاب جديدة، وإعادة النظر في الخارطة الحزبية وقانون الانتخابات، بما يتلاءم مستقبلا مع بناء مؤسساتي خال من الثغرات والمطبات.
-
ترقب الطبقة السياسية، الإعلان عن قرارات مهمة، يأتي كذلك تزامنا مع إطلاق مبادرات سياسية، أبرزها الرسالة التي وجهها قبل أيام، الأمين العام السابق للأفلان، عبد الحميد مهري، إلى الرئيس بوتفليقة، وهي المبادرة التي رحّبت بها شخصيات وطنية، بينها زعيم الأفافاس، حسين آيت أحمد، في وقت لم يتضح رسميا محلّها من إعراب بوتفليقة كأول متلقي ومعني بها؟، علما أنها تضمنت مقترحا بعقد مؤتمر وطني لإحداث “التغيير” الذي يرى مهري أن لن يتحقق برحيل بوتفليقة.