شعب يُفسّر أحلامه
لن يجد زائر معرض الكتاب الدولي بالعاصمة صعوبة، في فهم التوجّه الثقافي الجزائري، الذي مازال رهين كتب تفسير الأحلام وقهر السحر وعين الحسود، وطُرق بلوغ الثراء من دون بذل أي جهد، ما عدا قراءة لا علاقة لها بالقراءة التي تتركز على التفكير والفهم والتطبيق، التي عرفتها الشعوب، وبصم عليها القرآن الكريم، الذي جعل من القلم والقَصص واقرأ، سورا كاملة في كتاب خالد دعانا إلى التدبّر والتفكير، فاخترنا أن نكون دائما “مسلّمين ومكتفين” لمثل هاته الأفكار التي صارت تجارة مربحة لكثير من دور النشر، التي استفادت من الانهيار الفكري والاجتماعي لكثير من الأفراد، فسوقت سلعتها، فربحت هي ماليا، وخسر المجتمع معنويا.
في معرض الكتاب الدولي بالعاصمة، وجدت الأكشاك المخصصة لبيع المأكولات الخفيفة من شورمة شامية وبيتزا إيطالية، تهافتا غلب تهافت الجزائريين على الكتب الفكرية والعلمية والتاريخية، وتشعر بالحسرة وأنت ترى نساء وشبابا، يخرجون من قصر المعارض حاملين لكتب تقدم للبنات طرق اصطياد عريس المستقبل، وتمنح للبنين طرق التحوّل إلى مليونير بين أول وآخر سطر من الكتاب، وفي المقابل تكاد خيوط العنكبوت تنسج خيوط بيوتها الواهنة على كتب بأقلام كبار الاقتصاد والعلم على المستوى العالمي. وسيكتشف الزائر بسهولة أيضا غياب الطلبة الجامعيين الذين بلغ تعدادهم مليونا ونصف مليون طالب يؤمّون مختلف الدور، إلا دور الكتاب خاصة التي تقدم لهم ما بلغه العالم من تطوّر علمي في مختلف المجالات الحيوية التي تقوم عليها أسس الدول الحديثة.
مشكلتنا مع القراءة ليست في المتلقي فقط، وإنما في الكاتب بالخصوص، فكما رفض الاقتصاديون وحكام البلاد على مدار أكثر من نصف قرن الاستفادة من الخيرات الباطنية التي منّ بها الله على البلاد، وجعلوها للاستهلاك فقط، رفض الكتاب والمؤرخون الاستفادة من التراث الحضاري الذي زينته ثورة كبيرة، وسيمضي زمن طويل لتجد الجزائر نفسها أمام ظاهرة “العنعنة” المروية عن فلان وعن علان، وهي تروي تاريخا حدث في زمن القرطاس والقلم المدعوم بصوت الإذاعة وصورة التلفزيون، ولا نفهم إلى حد الآن لماذا كتبت فرنسا عن ثورة الجزائر أكثر من أربعة آلاف كتاب، ولم نكتب نحن سوى العشرات، ولا نفهم لماذا كتب المشارقة عن مالك بن نبي مئات الكتب، ولم نكتب غير أسطر معدودات، وقد نفهم بعد هذا كيف يتحوّل معرض دولي للكتاب إلى محجّ للباحثين عن تفسير أحلام رأوها أثناء نومهم، بعد أن تعاطوا كيلوغرامات من الشورمة ومشروبات غازية وقطع من البيتزا الحارة على مشارف منتصف الليل؟
لقد تأفف الكثير من العلماء وردّدوا بأن أمة اقرأ ما عادت تقرأ، وقال عنها الصهيوني بن غوريون مرة إنها أمة لا تقرأ وإذا قرأت لا تفهم، ولكن الحقيقة الآن أننا شعب يتهافت على القراءة فعلا، ولكنها قراءة لا علاقة لها بالقراءة التي تكون باسم ربنا الأكرم الذي علّم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم.