الرأي

شيطان في تيزي وزو

يبدو أن الشياطين كالآدميين منهم الأذكياء ومنهم الأغبياء، منهم المتحضرون ومنم المتوحشون، منهم “الوطنيون” ومنهم “الخائنون”، وقد كتب الإمام محمد البشير الإبراهيمي عما سماه الشيطان المكلف بالعَمالة (الولاية) الوهرانية فوصفه بأنه “بليد القريحة، جامد الفكر، خامد الذوق، جافي الطبع، كثيف الحس، خشن المس، بدوي النزعة، وحشي الغريزة، فكل ما يأمر به أولياءه وأتباعه فهو من جنس طبعه، سمج، غث، خال من الجمال والفن والذوق، وقد عهدنا الشيطان “المتمدن” لطيف الإحساس، فنيّ الذوق، وعهدنا أعماله فنية الأسلوب، فاتنة المظهر، والفتنة هي سلاح الشيطان الأحدّ، يكسو بها أعماله فيصبي الحلماء، ويستنزل النّسّاك إلى مواطن الفُتّاك”. (الآثار 3 / 320).

ولو مد الله -عز وجل- في عمر إمامنا، ونسأله في أجله، ورأى الفَعلة التي فعلها شيطان تيزي وزو وأولياؤه في يوم السبت 3 أوت من الإفطار جهرة في إحدى ساحات المدينة لأتحفنا بكلمة أبلغ وأبدع من الكلمة التي كتبها عن شيطان وهران.

يبدو للوهلة الأولى أن الفرق بين الشيطانين هو أن أهواء شيطان وهران “محلية”، “ذاتية”، بينما أهواء شيطان تيزي وزو مستوردة من وراء البحر، فكان “غريب الوجه واليد واللسان”. ولذا كان المستجيبون لدعوته، المرددون لأوراده، الملبّون لوسوسته أكثرهم -وهم شرذمة قليلون- ممن انحرف حرفا الضاد والراء في حلوقهم، الذين جاءوا من فرنسا، حاملين معهم ما فيها من كفر وفجور.

إن شيطان وهران- بالرغم مما وصفه به الإمام الإبراهيمي- كان أقل حمقا من شيطان تيزي وزو، وذلك لأنه لم يأمر أتباعه بالكفر البواح، واقتصر في وحيه إليهم على بعض البدع، ولكن شيطان تيزي قد شرح بالكفر صدرا، فكان وحيه لأوليائه أن انتهكوا ركنا من أركان الإسلام وقاعدة من قواعده وهي الصيام.. فصادف “عقولا” صغيرة، وكروشا كبيرة، فقالوا: سمعنا وأطعنا. فاستجلبوا بما فعلوا لعنة الأمازيغ الأحرار، وجميع الجزائريين الأطهار، وأضحكوا عليهم الولدان الصغار.

لقد أوحى شيطان تيزي وزو إلى أجناده إنكم بما ستفعلونه من انتهاك لشهر الصيام ستجلبون إليكم الأنظار، وتتصدرون نشرات الأخبار، في شاشات الفتن في جميع الأقطار، وإن اعترضكم معترض بسوء استنصرت لكم الكفار..

كان في استطاعة أولياء الرحمن في تيزي وزو، وهم الأكثرية الساحقة الماحقة، أن يميلوا على تلك الشرذمة ميلة واحدة فيذيقوهم ضعف الحياة، حتى يجعلهم يتمنون أن لو لم يُخلقوا، ولكن إخوتنا الأطهار من الأمازيغ الأحرار اكتفوا بسد أنوفهم من الروائح الكريهة التي لوّثت أجواء تيزي وزو، وتركوهم ينهقون وينقنقون، لأنهم لو تقدموا منهم لانتقض وضوؤهم.

ثم هدى الله-عز وجل- أولياءه إلى عمل سجّله لهم الكرام البررة، وهو تنظيم إفطار جماعي في تلك البقعة التي نجسها الشيطان وأولياؤه، وذلك بعدما طهروها بالماء، الطهور والمواد المطهرة.. وأدوا فيها الصلاة ما جعل الشيطان يتميز من الغيظ، ويعض هو و”كمشته” الأنامل من الغباء والحمق..

إن كثيرا من الجزائريين تغلب عليهم شهواتهم فلا يصلون ولا يزكون ولا يحجون، ولكن أرذل الجزائريين وأسفههم تجدهم أحرص على صيام شهر رمضان من أتقى الأتقياء عند غيرهم. وكثيرا ما سمعنا إخواننا في المشروق العربي يقولون لنا: إنكم تتمسكون بأشق عبادة من عبادات الإسلام وهي الصيام..

ومما أذكره أننا عندما كنا ندرس في ثانوية الشيخ بالكويت وجد ثلاثة من الطلبة الجزائريين هم (بشير صخري، والحبيب ابن عودة، وطالب من منطقة الأوراس لقبه نعمان) وجدوا مجموعة من الطلبة الفلسطينيين يأكلون في يوم من شهر رمضان فانهالوا عليهم ضربا (بشير بقبضته لأنه مارس الملاكمة، والحبيب بذراع مكنسة، والنعمان بحزام US )، فولى أولئك الطلبة الفلسطينيون وقد يكونون مسيحيين مدبرين، ولعلهم لعنوا اليوم الذي سكنوا فيه مع أولئك الجزائريين.

إنني بقدر ما أهنئ إخوتي الأطهار في ولاية تيزي وزو على مكرمتهم وغيرتهم على دينهم وشرفهم ومجد الأمازيغ الأبرار، أدعو الله -عز وجل- أن يهدي تلك “الخراف الضالة”، كما هدى محند أزواو وآخرين، فيتحرروا من شياطين الإنس والجن الذين دلوهم بغرور، وأن يعيدهم في ملتهم، ويخرجهم من ضلال عقولهم وظلمة أنفسهم.

لقد قدر الله -سبحانه وتعالى- أن أقضي رفقة الأخ الفاضل الدكتو أمين فركول- اليومين الأخيرين (الثلاثاء والأربعاء) من شهر رمضان في مدينة بجاية، العاصمة التاريخية لزواوة.. وقد رأينا ما أفرح قلبينا، وطمأن نفسينا، وشرح صدرينا من إقبال عباد الله على بيوت الله.. فقد صليت فريضة العصر في مسجد الكوثر فوجدته مملوءا عن آخره، وصليت العشاء في مسجد حي إحدادن فكان مكتظا.. وقد حدثني الثقاة أن النسوة في أحد الأحياء ضاق بعددهن الكبير مصلاهن فأفرشن ما حول المسجد من أزقة.

 

وقد قدر الله أن تكتمل فرحتنا (صبح يوم الأربعاء) بلقائنا في إذاعة الصومام ببجاية تلكك “الجوهرة” رندة طاهير، الطالبة في كلية الطب ببجاية، والفائزة بالجائزة الأولى (صنف إناث) في مسابقة “تاج القرآن” لهذا العام. فهنيئا لها، ولولاية بجاية، وللجزائر كلها بهذا الكنز المكنون.. وتقبل الله صيام الصائمين، وقيام القائمين، وهدى الضالين، ولعن الفتانين، المسخَّرين من وراء البحر لتدنيس الجزائر أرض الجهاد والمجاهدين.

مقالات ذات صلة