الجزائر
الشيخ عبد الفتاح حمداش في حوار مع "الشروق" / الحلقة الثانية

صدام حسين دربنا ثم تراجع عن إشراكنا في حربه ضد أمريكا

الشروق أونلاين
  • 21796
  • 93
الشروق
الشيخ حمداش مسؤول جبهة الصحوة الحرة السلفية

يواصل الشيخ عبد الفتاح حمداش، زعيم حزب “الصحوة” غير المعتمد، في هذه الحلقة، سرد تفاصيل مغامرته رفقة 350 جزائري قصدوا العراق من أجل الجهاد، حيث تدربوا على يد عراقيين، واتصالهم بعد ذلك بحركة المقاومة الإسلامية حماس، إلى غاية سجنه من طرف السلطات الأمنية الجزائرية مع بداية ما يسمى بـ”العشرية السوداء”، إلى غاية خروجه من السجن سنة 2003 بعد استفادته من مشروع المصالحة الوطنية.

 

ما هي الجهة السياسية التي كنت تنتمي إليها؟ 

بالمناسبة، بعضهم اليوم يقولون إنني كنت محسوبا على الجبهة الإسلامية للإنقاذ في ذلك الوقت، أنا لم أكن لا قائدا في الحزب ولا في جهة ولائية ولا في مجلس مع الجبهة، صحيح أنني انتخبت مع “الفيس” فقط، ولم أنتم إليهم يوما كجهاز تعاطفت معهم بورقة انتخاب فقط، هم اليوم يريدون نسبتي إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ ولكنني لم أكن يوما في “الفيس” لا من قريب ولا من بعيد، كنا نمارس العمل الدعوي النظيف والعمل الخيري، وعندما جاءت التعددية الحزبية تعددت الآراء وتشتت الوحدة، أو التركيبة الاجتماعية وأصبح كل واحد يفضل الانتماء إلى جهة ما وعندما بدأت حرب الخليج سنة 1990 ذهبت إلى العراق. 

 

هذا يعني أنك ذهبت لغرض الجهاد؟

نعم، ذهبت لأجاهد في سبيل الله، عندما دخلت أمريكا إلى العراق سنة 1990 في حرب الخليج الأولى. 

 

كيف ذهبت؟ ومن ساعدك في الذهاب؟

سافرت مع 350 جزائري من مطار هواري بومدين الدولي. 

 

هل كانت الدولة على دراية بسفركم إلى العراق؟

نعم، اشترينا تذاكر السفر من الخطوط الجوية الجزائرية كما أننا سافرنا عبر مطار الجزائر الدولي، إلى تونس ومن هناك وعبر طائرة أردنية إلى الأردن، حيث مكثنا خمسة أيام هناك، ثم دخلنا إلى العراق على متن حافلات وبمساعدة فلسطينيين. وأذكر أن صدام حسين في ذلك الوقت كان لا يزال حيا قال لنا سأسمي شوارع بغداد بأسماء الشخصيات الجزائرية التي ساندتنا في هذا الحصار، كان حصارا جائرا وتحالفا صليبيا تقوده أمريكا وبعض الدول الغربية من أجل تكسير دولة العراق السنية.

تدربنا في العراق على يد العراقيين تدريبا كاملا وبعد ذلك تراجع الرئيس صدام حسين عن قراره وبدا له أن يخرجنا من العراق وقال لنا: “لا نريد أن يقال عنا إننا نستعمل إسلاميين من دول مختلفة لكسر الحصار أو إنني أستعمل إرهابا دوليا ضد الدول الأوربية لاستمرار بقاء الحصار وكانت الحرب قد توقفت في تلك الفترة، فلم نمانع قرار الرئيس صدام حسين رحمه الله لأننا لم نذهب إلا لنصرة العراق وقلنا لهم إذا رأيتم أنه من الأحسن لنا أن نغادر فهذا ليس مشكلا، ونقلونا مجددا إلى الأردن في حافلات وبقينا هناك عشرة أيام أخرى. وفي الأردن أردنا الدخول إلى فلسطين مجاهدين، واتصلت بنا منظمات جهادية فلسطينية “مقاومة” ضد الاحتلال الصهيوني وشرحت لنا مشروع الجهاد الإسلامي ضد الكيان المحتل لفلسطين.

أعجبتهم عقليتنا، وفي المقابل كانت حركتنا فتية وتتكون من مجموعة شباب لا غير، كنا نملك حماسا كبيرا ولكن كانت تنقصنا التجربة، وثقوا فينا واقترحوا علينا إجراء عمليات وقلنا نعم وكنت من بين المتطوعين الذين كانوا يرغبون في الدخول إلى أرض فلسطين، وتم الاتفاق بخصوص كل شيء وقالوا لنا إنهم سيزودوننا بأسلحة عند الدخول، وفرحنا كثيرا وأقمنا الليل حمدا وشكرا لله على ذلك وكانت أمنيتنا تتمثل في التمكن من الدخول إلى فلسطين والجهاد، سواء انتصرنا أم استشهدنا.

وحتى الموقف الجزائري الرسمي كان يساند فلسطين في ذلك الوقت، وخلال تلك الأيام التي بقيناها في الأردن بعد عودتنا من العراق وبينما كنا نتأهب للدخول إلى فلسطين جاءت السلطات الأمنية الأردنية وطوقت مسجد أبي هريرة، الذي كنا نقيم فيه وأخذونا كما جردونا من جوازات السفر ونقلونا في حافلات مباشرة إلى المطار وسلمونا بعدها جوازات سفرنا وعدنا إلى أرض الوطن، ودخلنا إلى الجزائر من دون أي مشكل. 

 

من حثكم على الذهاب والجهاد في العراق؟

لا أحد. وأذكر أننا اقتنعنا في ذلك الوقت بفتوى الشيخ ناصر الدين الألباني الذي أفتى لنا بالذهاب والجهاد في العراق، وقال لنا إن العراق ظالم في احتلاله للكويت ولكنه مظلوم بالتحالف الدولي، ولهذا فإن الجهاد في العراق واجب على الدول وفرض كفاية على المتطوعين. وعندما سمعنا هذه الفتوى دفعنا حماس الشباب والغيرة على البلد العربي والإسلامي العراق إلى ذلك. 

 

هل ندمت على الذهاب إلى العراق؟

لست نادما على ذلك وأعده من حسناتي يوم القيامة إن شاء الله، وهي مساهمة في نصر الإسلام والدفاع عن بلاد العراق الإسلامية، مساهمة لكسر حصار صليبي على بلاد إسلامية ولهذا فأنا لست نادما.

 

لماذا دخلت السجن؟

بعد عودتنا إلى الجزائر بالنسبة إلى النظام فنحن أشخاص مدربون وعندما بدأت الأزمة الأمنية، ومع التداعيات التي أثارتها جماعة أفغنستان التي تلقت تدريبا والتي نفذت عمليات إرهابية وبما أننا تلقينا كذلك تدريبا في العراق فبإمكاننا أن نشكل خطرا وكان الجو في الجزائر غير مناسب بسبب الطبخات الأمنية التي كانت في ذلك الوقت وعندما بدأت أحداث العشرية السوداء أول الذين كانوا في قائمة الاتهام، الأشخاص الذين كانوا يدرسون في المساجد، العقول المفكرة والمدبرة التي كانت تصوغ الفكر.

 

هل كنت ضد النظام؟

نعم، وعندما أقول إنني كنت ضد النظام فهذا لا يعني أنني كنت ضد الدولة الجزائرية وإنما كنت ضد سياسة النظام، كنت إسلاميا ولا أزال برأسي وأخمص قدمي وقلبي، مشروعي إسلامي بكتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، سواء كان ذلك عن طريق “الفيس” أم من غيره أو بجمعية أو من غير جمعية، عن طريق الدولة حيث تتولى تطبيق الإسلام، نحن كنا في ذلك الوقت مع البرنامج ولم تكن في نيتي إسقاط الدولة أو شيء من هذا على الأقل بالنسبة إلي، كان في نيتي تطبيق إسلامي وصياغة دستور يوافق هوية الأمة.

 

هل تقدمت باقتراح إلى الدولة؟

نعم تقدمنا بذلك ولكن كما سبق وأن قلت لك كان عمري عشرين سنة وكانت تجربتي ناقصة، قدمت ومن معي  مقترحات وأرسلنا رسائل لإقامة الدولة الإسلامية، وجعل تحكيم الله عز وجل فريضة عينية.

 

معروف أن هذا النوع من التنظيمات يكون دائما بزعامة شيخ من الشيوخ، حول من كنتم تلتفون؟

في الجانب الديني كنا جد متأثرين بالشيخ ناصر الدين الألباني وبهيئة كبار العلماء في مكة المكرمة، ولجنة الإفتاء مثل الشيخ ابن باز، العثيمين، كانوا بالنسبة إلينا شيوخا كبارا ولا تمس مكانتهم بين الأمة ومعترف بهم، هذا فيما يتعلق بالجانب الإيديولوجي وكنا مقتنعين بالسلفية وهي العودة بالناس إلى منهج الكتاب والسنة على فهم سلفنا وهم الصحابة الكرام، ولكن طريقة التطبيق في الميدان تختلف من شعب إلى شعب، وفق البيئة والظروف والمستجدات، أما على المستوى الداخلي والشهادة لله كنا متأثرين بشخصيات كثيرة على غرار الشيخ جبروني وهو من تلامذة الشيخ  ابن باديس وقال لي إنه أخذ العلم لمدة 25 سنة عنه، كذلك الشيخ الجليل عبد الله حشروف من تيزي وزو وكنت أجلس كذلك عند الشيخ أحمد سحنون، الشيخ عبد الباقي صحراوي، والمشايخ الذين كانوا يقودون القطار الإسلامي في ذلك الوقت، والشيخ عبد اللطيف سلطاني ومشايخ كبار على مستوى الجزائر، وكنا نحضر أحيانا وليس دائما حلقات للشيخ كمال نور، الشيخ محمد السعيد، الشيخ علي بن حاج، الشيخ نحناح رحمه الله، وكانت هناك قوة إسلامية ناشئة تبحث عن صياغة فكر وقالب إسلامي جديد يجمع بين أصالة الدين وهي السنة والكتاب وهدي الصحابة بطريقة عصرية ولكننا لم نستوعب الصيغة التي ننزلها بها بعيدا عن أي مشكل، لأن الاصطدام مع المجتمع ليس حلا كما أن الاصطدام مع الدولة كذلك لم يكن حلا، نسكت عن مشروعنا ليس حلا، وعندما ألغيت الانتخابات ووقع الاصطدام في الجزائر وبدأت السلطات الأمنية تبحث، قصدوا بيت عائلتي بحثا عني وأذكر أنني لم أكن موجودا في البيت تلك الليلة وكنت عند أقاربي.

 

هل وجهت إليك تهمة ما؟

لا. قلت لك من قبل إنني كنت معارضا للدولة وكنت أخطب في المساجد ضد النظام، لم أسب النظام يوما ولكن كانت الدروس التي أقدمها بمثابة شحن ضد النظام وكانت مرحلة التسعينات قد شهدت تموقع التيار الإسلامي بكامل قوته بالإضافة إلى بعض الأحزاب الاشتراكية المعارضة مثل “الباكس” الذي يتزعمه الهاشمي الشريف، وقع اصطدام كبير وكنا معارضين لهؤلاء الأشخاص، وكانت تقع بيننا مشادة كبيرة، وكانوا يلقبوننا بـ”المتطرفين” و”المتشددين”، حيث لم يكن يستعمل في ذلك الوقت لفظ “إرهابيين”، وكنا نلقبهم بـ”الكفار” و”الشيوعيين”.

 

نعود إلى حديثنا، ماذا حدث بعد أن قصدت قوات الأمن منزلكم بحثا عنك؟

كان اسمي ضمن قائمات الأشخاص المطلوبين لدى السلطات الأمنية، فألقت مصالح الأمن القبض علي وزج بي في السجن، أين بقيت قرابة 12 سنة.

 

ما هي التهم التي وجهت إليك؟

من بين التهم التي وجهت إلي، تهمة المساس بأمن الدولة  والسعي إلى قلب نظام الحكم، عدم التبليغ والخروج في مظاهرات غير مرخصة من طرف السلطة وتهم أخرى باستثناء القتل، وعندما رأيت قائمة التهم التي وجهت إلي اندهشت وقلت لقاضي التحقيق: “وهل لشاب مثلي أن يفعل كل هذا!” فضحك وكان عمري في ذلك الوقت 22 سنة، فضحك القاضي وقال لي: “كل من يؤتى به إلى هذا المكان يحاكم بنفس التهم”، ولكنني استفدت بعدها من المصالحة الوطنية التي أقرها الرئيس بوتفليقة وخرجت من السجن بعد أن قضيت مدة 11 سنة بين جدرانه، كبرت في السجن وقضيت شبابي هناك.

 

كيف قضيت مرحلة دخولك السجن، هل تعرضت للتعذيب، كيف كنت تعامل رفقة أصدقائك من الذين قاسمتهم المصير؟

يتنهد بعمق.. ثم يقول: “كانت سنوات قاسية وعسيرة، تعرضت فيها ومن معي لمختلف أشكال وأنواع التعذيب من الضرب إلى التجويع والإهانة وكانوا يمنعون عنا حتى التداوي، كما أنني نقلت بين سبعة سجون”.

 

لماذا كنتم تنقلون إلى سجون أخرى في كل مرة؟

لاحظوا أننا ومن خلال حديثنا إلى حراس السجون، كنا نرشدهم إلى طريق الله وضرورة القيام بالصلاة وكانوا يستجيبون لدعواتنا، ولهذا كانوا يغيرون مكان سجني في كل مرة، في الأول كنت في سجن البليدة المدني، ثم سجن الحراش، إلى المحكمة العسكرية. ولأنهم وجدوا أنني لم أرتكب جرما حولوني إلى سجن سركاجي، وبعدها إلى سجن البرواقية، ثم إلى تيزي وزو، ثم البرواقية مجددا ثم المدية ثم البرواقية إلى أن خرجت من السجن في بداية 2003.

 

هل تفاوضت معك مصالح السلطة قبل خروجك من السجن؟

لا، لم يتفاوض معي أحد وخرجت من دون أي شروط، لأن ملفي خال من تهمة الإجرام والمتمثلة في “الاغتيالات”، ولأن ملفي نظيف استفدت من العفو. ولما خرجت، عند الباب جاءني رجل أمن وقال لي: “يا عبد الفتاح.. المرحلة التي دخلت فيها السجن سنة 1992 غير هذه المرحلة واللي فات مات”. وقال لي: “اذهب إلى بيتك واستأنف حياتك من جديد بشكل عادي. أعرف أنك ظلمت ولكن كن عاقلا ولا تنتقم”. فقلت له: “الانتقام ليس من طبعي”.

مقالات ذات صلة