-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

صوت القدس من خميس مليانة !!

التهامي مجوري
  • 594
  • 2
صوت القدس من خميس مليانة !!

القدس أغنى من أن تعرف، فهي محضن الأنبياء، وخزان الثقافات والحضارات وواقعها السياسي يفرض حضورها على من يحبها ومن لا يحبها على حد سواء، وأما خميس مليانة فهي إحدى المدن الجزائرية العريقة التابعة لولاية عين الدفلى غربي العاصمة بحوالي 120 كيلومتر، تأسست خلال العهد الروماني، وإسمها الأصلي مليانة، وبسبب أن بضواحيها سوق أسبوعي ينصب كل يوم خميس، أصبح إسمها “خميس مليانة”، فهي في موقع استراتيجي هام محاطة بمجموعة من الدوائر ذات الثقل الفلاحي والاقتصادي، ومن يقرأ تاريخ الجزائر يلاحظ حضور هذه المدينة العريقة في المقاومة الوطنية التاريخية خصوصا، وبها من آثار مقاومة الأمير عبد القادر رحمه الله، ما يشهد على ذلك.

كان في نيتي أن يكون عنوان هذا المقال “دروس من عمق الجزائر”، لأن الدروس التي تلقيتها في هذه البلدة الطيبة –خميس مليانة- في هذه المناسبة تعبر عن العمق الحقيقي للجزائر ببلاغة الموقف والرأي والحيوية اللافتة والتفاعل مع الواقع، وهي صفة تشترك فيها مع الكثير من المدن الجزائرية الحاضنة لحركات المقاومة التاريخية، وإن كانت هنا هي المثل في هذه الدروس الخاصة بهذه المناسبة.

ولكن غيرت عنوان الموضوع؛ لأن شطر هذه الدروس متعلق بالمناسبة التي دعيت إليها، وما تبعها من قضايا ذات صلة…، فكان صوت القدس أولى من دروس الجزائر من جهة!! ومن جهة أخرى أن دروس الجزائر المجاهدة مُتضمَّنة في صوت القدس المقاوِمة.

والمناسبة التي دعيت إليها هي تظاهرة خاصة بالتعبئة للقضية الفلسطينية لمناصرة إخواننا في غزة والقدس والمرابطين في الأقصى، بمناسبة الاعتداءات الصهيونية على أهلنا في القدس وفي غزة، وكانت مناسبة طيبة التقينا فيها بمحبي القضية والمنافحين عنها بمناسبة وبغير مناسبة.

فعندما وصلنا إلى المدينة، أنا ومرافقي الأستاذ مختار بوناب، اتصلنا بمنظمي التظاهرة وكنا بجانب كافيتيريا تحمل إسم “كافيتيريا القدس”، فقيل لنا انتظروا هناك لأنهم كانوا على بعد دقائق منا.. فجاؤونا ودخلنا المقهى وأُخْبِرنا بأن إسم هذا المقهى كان “كافيتيريا دبي”، وصاحب المقهى عامي وغير مهتم كثيرا بالسياسة، ولكنه استاء من سلوك الإماراتيين تجاه القضية الفلسطينية عندما

أعلنوا عن التطبيع مع العدو الصهيوني، قرر صاحب المقهى تغيير إمس المقهى ليصبح اسمها “كافيتيريا القدس”، وإلى جانبها مخبزة أطلق عليها اسم “مخبزة غزة”، فقلت لمرافقي صاحب هذا المقهى العامي هو الفاهم الحقيقي، ورغم بساطة هذا الموقف فإنه درس سياسي هام يعبر عن عمق القضية في الضمير الجزائري… القدس والأقصى مسألة ليست محل مساومة وتقديم وتأخير في اللعبة عند الجزائري وهذا نمزذجا لذلك، وإنما هي عقيدة وأخلاق ومسألة حضارية لا تقل أهمية عن مصالحنا الخاصة التي نلهث لأجلها ليلا ونهارا.

والدرس الثاني الذي تلقيته في هذه الرحلة أنني التقيت شخصا لا أعرفه من قبل، وهو معلم في الإبتدائي متقاعد، وذكرني ببعض أنشطته خلال ثمانينيات القرن الماضي، إذ كان مولعا بالنشاط الفني –أناشيد، مسرحيات، شعر…-، فقال لي عندما كنا ننشط في إحياء حفلات الأعراس بالأناشيد والمسرح، اتصل بنا شخص تعلق بفتاة ويريد الزواج منها، ولكن أهلها لم يقبلوه زوجا لابنتهم؛ لأنه ليس من الأشراف، والبنت منهم، وعادة أهل القرية أن التزاوج بين هاتين الجهتين يكاد يكون معدوما… فدعا الأستاذ فريقه وقرروا برمجة مسرحية “الزواج الإسلامي”، وكانت من المسرحيات التي تشد إليها لرحال في ذلك الزمن الجميل…، وكانت جرأة الفريق أنهم طرحوا القضية ببساطة الإسلام “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه”، وبعد حوار وجدل عريضين على خشبة المسرح، حيث جاء الخاطب ليخطب، فقيل له لا لا لا أنت من بني فلان، ولست من الأشراف…، ونحن ابنتنا لا نزوجها إلا من كان من الأشراف !!

فيتدخل الفريق بطريقة فنية عالية، ليقدم الحل الصالح للزوجين واللأسرتين معا، بطرح قيم الإسلام بديلا لهذه البدعة الجاهلية المنكرة,,,

وبعد شهرين من القصة اتصل الرجل صاحب المشكلة بالأستاذ قائد الفرقة وهو محدثي الذي لم أعرفه من قبل، الذي استنجد بهم ليشكرهم على ما قاموا به وليخبرهم بأنه تزوج الفتاة التي كان يريد… هذا الدرس الثاني.

أما الدرس الثالث فهو أنني اكتشفت قراء لي في هذه المنطقة منذ سنوات ولا اعرفهم، في الوقت الذي كانت نفسي تحدثني باليأس من هذه البلاد ومن أهلها، إذ لم انتبه إلى أن القراء في بلادنا لا تكاد تعرفهم إلا عندما تلتقي بهم صدفة؛ لأن ثقافتنا الشفاهية لا تسعف القارئ على الإتصال بالكاتب ليشعره بأنه من قرائه، أو هو معجب به، أو أنه لا يقبل بعض أرائه، أو ليطلب منه توضيحا حول قضية. ونادرا ما تلتقي بمن يقوم بذلك.

كل ذلك مدعاة لأن يعتقد الكاتب أن الناس لا يقرأون له. ورغم أن “عداد الموقع أو البوابة” الذي ينشر لنا ما نكتب، يذكر له عدد مَن اطلعوا على المقال، ولكنه لا يدري من قرأ ومن لم يقرأ؟ وتحت المقال تعرض التعليقات إن كانت… ومع ذلك يحن الكاتب لرأي القراء فيما يكتب سلبا وإيجابا.

والجامع لهذه الدروس التي اعتبرتها صوتا للقدس بخميس مليانة، هو الهم الذي يحمله هؤلاء تجاه قضية القدس، فصاحب المقهى، والمولع بالفن نصرة لخدمة القيم، وكذلك قرائي الذين اكتشفهم كل مناسبة، هو حمل هم قضية القيم الفاضلة، وحمل الهم لا يعني إلا شيئا واحدا وهو أنهم أخذوا العهد على نفوسهم أن تكون قضايا الأمة كما لو كانت قضاياهم الخاصة.

والملفت في هذه الدروس الجامعة لقضية أساسية هي الرسالية والحضور الواعي، بدأت في تسلسلها من الدائرة الأكبر وهي قضية القدس، قضية الأمة الإسلامية التي تنافح عنها المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها، ثم عرجت عن قضية محلية تمثل أنموذجا للمجتمع الجزائري، وهي قضية العروشية والفئوية، وهي ليست خاصة بأهل خميس مليانة فحسب، وإنما هي موجودة في ربوع الوطن الجزائري كله، ولها ما يشبهها في كل البلاد الإسلامية، وآخر هذه القضايا مسألة شخصية متعلقة بي ككاتب يحمل هم مجتمعه وأمته منذ أربعة عقود، ويسره أن يرى قراءه وهم يحدثوه عما قراوه وأعجبوا به وما لم يعجبوا به، المهم يشعر بأنهم قرأوا ما كتب…، وأذكر يوما أن أحدا قال لي ذات يوم: سمعتك في محاضرة تقول “إن مالتوس حمار”، ومالتوس يا استاذ ليس حمارا وإنما هو عالم!! لا تدرون أصدقائي القراء، كم أفرحتني هذه الكلمة؛ لأنها تعبر عن صدق في النقد والتقييم… فتقبلت العبارة بصدر رحب وقلت له استغفر الله، بالفعل مالتوس ليس حمارا ولكنه عالم ربما أخطا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • مواطن

    كل بلاد يحررها أهلها أوتبقى تحت الذل والهوان

  • صيفاقس

    فلسطين لن يحررها الا عربي من الخليج او من مصر . فلسطين حررها بالامس من الصليبيين صلاح الدين الايوبي الكردي ( من شعب الاكراد ) ثم نور الدين زانكي المملوكي التركي ( اصله من تركيا اتو شعب الاتراك المغول ). فهل يا تري سيكون عربيا من سيحررها من اليهود الصهاينة فهل جاء دور العرب ليحرروها وسيكون هذا الشرف الاكبر من حظهم من المعروف ان فلسطين وسكانها عرب وليسوا اكرادا ولا فرسا ولا هنودا ولا اتراكا ولا روسا ولا بربرا امازيغا .