-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
علاقة الجزائريين بفلسطين ومقدساتها

ضروبا من الكفاح المشترك، وتاريخ من الدعم ضد الصهيونية

بقلم : حمودي ابرير / جامعة باتنة1
  • 281
  • 0
ضروبا من الكفاح المشترك، وتاريخ من الدعم ضد الصهيونية

ظل الجزائريون أكثر شعوب الأرض المساندة للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية عادلة منذ ظهور الأطماع الصهيونية في فلسطين نهاية القرن 19، وكما وقفوا معها في حروب “النكبة” و”النكسة” و”الهزيمة” السابقة، يقفون اليوم داعمين ورافضين لحرب الإبادة التي تمارسها حكومة الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني وسكان قطاع بشكل خاص دون اعتبار لقانون الحرب الدولي، في هذا المقال سنحاول تحديد حقائق التاريخ ومقتضيات الجغرافيا التي فرضت قواسم مشتركة على الشعبين لتجعل من الجزائريين أكثر من مجرد أشقاء للفلسطينيين.

الجزائريون والفلسطينيون.. تاريخ من الجهاد المشترك
ظل الاتصال بين الجزائر ببلاد بالمشرق العربي بما فيه فلسطين دون انقطاع، وذلك منذ دخول الإسلام بلاد إفريقيا، وقد جسد الجانبين الديني والثقافي أبرز صور ذلك التواصل منذ ما قبل الحروب الصليبية، وكانت الفتوحات الإسلامية قاسما مشتركا قويا أدخلت الجزائر وفلسطين في مرحلة تاريخية أكثر قربا من بعضهما، حيث جاهد فيها المسلمون من الجزائر وفلسطين وغيرهما جنبا إلى جنب لنشر رسالة الإسلام والذود عن دياره، فقد شارك عدد من الجزائريين في جهاد جيش نور الدين زنكي، وإلى جانب القائد صلاح الدين الأيوبي في معركة “حطين” الفاصلة بين المسلمين والصليبيين في 04 جويلية 1187م يتقدمهم ” سيدي بومدين شعيب” الذي فقد أحد ذراعيه فيها، وتواصلت صفحات الجهاد المشترك بين الجزائريين والفلسطينيين منذ تلك الفترة، واستمرت خلال القرون التي تلتها خاصة بعد الهجمة الشرسة التي شنها الإسبان على المسلمين بعد سقوط غرناطة في سنة 1492م وضياع الأندلس، وأثناء فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر بين القرنين 19 و20 ولدوافع سياسية ناجمة عن ممارسات سلطات الاحتلال التي ظلت تقمع كل كيان سياسي جزائري مستقل، استقر عدد آخر من الجزائريين وأجدادهم في المنطقة، وقد كانت أكثر فئات المهاجرين تأثيرا في مصير البلدان التي وصلوها، تلك التي وصلت فلسطين، وهى الفئة التي استقر أفرادها في مدن كثيرة منها، حيفا وطبريا وصفد، وقاموا بعد ذلك بتأسيس نحو عشر قرى – تحتلها إسرائيل حاليا – أربعة منها في الجليل الأسفل، وأربعة في الجليل الأعلى، وبالقرب من بحيرة طبرية، وبحلول عام 1911م، وصل عدد الجزائريين في فلسطين الى نحو 03 آلاف، وبعد الحرب العالمية الأولى بدأت موجة أخرى من الجزائريين تولي وجهها شطر المشرق وفلسطين، هروبا من التجنيد الإجباري، والظروف التي خلفتها ثورة في الأوراس عام 1916م، وقد شارك عدد منهم في معارك الفلسطينيين ضد الانتداب البريطاني والجماعات الصهيونية بالقدس، واستشهدوا كما هو حال عمر بن موسى بطل ثورة الاوراس، فكانت بذلك مظاهر التآزر والدعم، الاسمنت الذي لحم الشعبين الجزائري والفلسطيني، وبقي محافظا على صلابته حتى الآن.

صدى الثورة الجزائرية في نضال ومواثيق الفلسطينيين:
شكل انطلاق الثورة الجزائرية، وانتصارها في فترة وجيزة، هزة ذات أثر معنوي وتحريضي كبير في نفوس النخب الفلسطينية، فقد أكد صلاح خلف (أبو إياد( وهو أحد قادة العمل الفدائي الفلسطيني، وأحد مؤسسي حركة ” فتح ” الأمر قائلا: ” بدأنا الالتفات خلال هذه الفترة – الفترة التي تلت نكبة 1948- التي أثارت فينا من الإحباط أكثر ما أثارت فينا من الرضا، بالتطلع إلى مشروع كان يبدو لنا حتى ساعة، قبل قيام الثورة الجزائرية، من قبيل الأحلام، فالوطنيون الجزائريون كانوا قد شكلوا منظمة تخوض الصراع ضد الجيش الفرنسي منذ سنتين، فكانت المعارك البطولية التي كنا نتابعها عن كثب، تذهلنا وتملأ نفوسنا إعجابا، وطوال سهرات طويلة، كنا نطرح على أنفسنا مسألة ما إذا لم يكن في وسعنا نحن كذلك أن ننشئ حركة واسعة تكون ضربا من الجبهة – جبهة التحرير الوطني الجزائرية – التي تضم الفلسطينيين من جميع الاتجاهات.. بغرض إشعال الكفاح المسلح في فلسطين” مقرا أنه ورفاقه كانوا “مأخوذين بمسيرة الوطنيين الجزائريين، الذين استطاعوا أن يشكلوا جبهة صلبة، ويخوضوا المعركة ضد جيش قوي يفوق جيشهم ألف مرة “.
كما اقر مروان البرغوثي- أحد أشهر قادة فتح المسجونين حاليا في إسرائيل- من جهته بالأمر قائلا أن: ” الملهم الأول لفكرة تأسيس حركة فتح، كانت الثورة الجزائرية 1954-1962م “، مضيفا أن: ” جبهة التحرير الوطني الجزائري شكلت نموذجا يحتذى به لقادة فتح المؤسسين”، وتجسيدا لهذا الحلم والطموح، قرر أبو أياد رفقة مجموعة من الطلاب الفلسطينيين المنتمين إلى “رابطة الطلبة الفلسطينيين” بينهم ياسر عرفات وكمال عدوان وخليل الوزير، في لقاء سري عقد بالكويت في سبتمبر 1958م استكمالا للقاء الأول الذي عقده بعض المناضلين أواخر عام 1957م، تأسيس حركة ثورية للنضال الفلسطيني بعد زيارتهم الجزائر عرفت فيما بعد بحركة ” فتح”، وقرروا اشتقاق مبادئ الحركة ونهجها النضالي، من مبادئ الثوار الجزائريين، وفلسفة جبهتهم، فقد جاء في مبادئ الحركة ” أن العنف الثوري هو الطريق الوحيد المؤدى إلى تحرير الوطن، ولا بد أن يمارس من قبل الجماهير الفلسطينية نفسها بقيادة مستقلة عن الأحزاب والدول العربية، غير أن دعم العالم العربي الفعال هو أمر لا غنى عنه لنجاح المشروع، على أن يحتفظ الشعب الفلسطيني بسلطة التقرير وبدور الطليعة”.
وقد أكدت “مجلة فلسطيننا” المنبر الإعلامي لفتح على قوة حضور وتأثير الثورة الجزائرية في فكرة تأسيس الحركة قائلة: ” إن إيمان الشعب الفلسطيني بالثورة المسلحة طريقا للعودة والتحرير، قد نبع من اقتدائه بتجربة الجزائريين الأبطال”، ورأى المشرف على المجلة “توفيق الخوري” في إحدى افتتاحياته “أن الحركة الفلسطينية القادرة على تفجير هذه الثورة، يجب أن تكون على خطى الثورة الجزائرية، بأن تكون حركة فدائية شاملة تجمعها العقيدة، وتوحدها الفكرة، ولا توجد لنفسها قيادات وهمية، بل تخلق قيادات بنفسها في أرض المعركة، حركة فدائية لا ترتبط بأحزاب، أو هيئات، أو حكومات، حتى لا تضع مصيرها على كف عفريت ملعون”.
كما شكلت نصوص التصريح الاول لجبهة التحرير الوطني حول القضية الفلسطينية لاحقا عام 1968م المستوحى من بيان أول نوفمبر 1954م، قبل أيام من حلول الذكرى الأولى لنكسة 1967م، والذي أكدت فيه على الخيارات الأساسية التي يجب أن يكون عليها النضال الفلسطيني، والوسائل التي يجب أن يحتكم إليها في طريق كفاحه لتحرير فلسطين، حيث طالبت بصهر القوي الفلسطينية في “جبهة تحرير وطنية” حقيقية واحدة.. شكلت استمرارا لصدى الثورة الجزائريين وانعكاسها العميق على مواثيق، وفلسفة النضال الفلسطيني، حيث وجدت مكانا لها بعد صدروها بشهرين فقط، في قلب الميثاق الوطني الفلسطيني الذي صودق عليه شهر جويلية من نفس السنة (1968م)، فقد استعارت منظمة التحرير الفلسطينية من محتوى تصريح “الأفلان”، وجعلت منه القاعدة لكل المواد الجديدة في ذلك الميثاق، حيث جاء في مادته التاسعة ما يلي: “إن الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، إنها استراتيجية وليس مرحلة تكتيكية، إن الشعب العربي الفلسطيني يؤكد عزمه المطلق وقراره بمواصلة كفاحه المسلح بواسطة ثورة شعبية مسلحة، من أجل تحرير وطنه والعودة إليه…” وقد تم قبول هذا الطرح بفضل تأثير حركة فتح، التي كانت ترى أن الثورة الشعبية المسلحة، تعني مشاركة كل الأمة في الكفاح ضد إسرائيل، وقد كان ” الكفاح المسلح الشعبي” خيار جوهري للقيادة السياسية الجزائرية آنذاك، وهو ما ورد في النقطة الأولى في تصريح “الأفلان” .
أما النص الثاني الوارد في ذلك التصريح – جاء في بيان أول نوفمبر- الذي دعا إلى اتحاد الأحزاب الجزائرية أثناء فترة الحرب، وانصهارها في حزب واحد، هو “جبهة التحرير الوطني” فقد احتواه نص المادة 08 من الميثاق الوطني الفلسطيني التي نصت علي: ” إن المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني هي مرحلة الكفاح الوطني المسلح لتحرير فلسطين، ولذلك التناقضات بين مختلف القوى الفلسطينية هي نوع من التناقضات الثانوية، التي يجب أن تتوقف لصالح التناقض الأساسي فيما بين الصهيونية والاستعمار، من جهة والشعب الفلسطيني من جهة ثانية، وعلي هذا الأساس فإن الجماهير الفلسطينية… تشكل جبهة وطنية واحدة تعمل لاسترداد فلسطين، وتحريرها بالكفاح المسلح”، أما النص الثالث في التصريح الذي يمثل النقطة الرابعة في بيان أول نوفمبر، فقد ترجم في الفقرة 14 من الميثاق الوطني الفلسطيني التي نصت علي: “أن مصير الأمة العربية، بل الوجود العربي بذاته مرتبط بمصير القضية الفلسطينية، ومن هذا الترابط ينطلق سعي الأمة العربية وجهودها لتحرير فلسطين، ويقوم شعب فلسطين بدوره الطليعي لتحقيق هذا الواجب القومي المقدس”، ومن هنا يبدوا شبه تطابق في الأيديولوجية الثورية بين “الافلان”- جبهة التحرير الجزائرية – وبين حركة ” فتح”، ومن خلالها ” منظمة التحرير الفلسطينية” بقيادة عرفات، فتحولت الجزائر وثورتها بذلك، إلى نموذج للاستراتيجية الثورية التي تبناها قادة النضال الوطن الفلسطيني، وملهما لكل الثوار والأحرار في العالم.

الجزائر المستقلة والخطوات الأولى لدعم الفلسطينيين سياسيا
بعد الاستقلال كان من الطبيعي أن تميل الجزائر في نزعتها الثورية لكفاح الشعب الفلسطيني، وتعترف به وتقف معه، ولم يمضى الكثير من الوقت حتى تحولت إلى وجهة حقيقية لقادة فتح والنضال الفلسطيني، بعد اتصالات أولية بدأها الدبلوماسي الجزائري محمد بن قاسي استكمالا لاتصالات سابقة مع الفلسطينيين، وخليل الوزير نفسه، الذي اقترح توطيد العلاقات الجزائرية مع حركة فتح خلال الفترة بين 1962-1964م، وتتويجا لذلك التقارب سمح للحركة بفتح أول مكتب لها في الجزائر والعالم في 23 سبتمبر1963م برئاسة خليل الوزير(أبو جهاد) الذي جاء من الكويت خصيصا للمهمة، وقد تحول هذا المكتب إلى نافذة للحركة على حركات التحرر العالمية للتعريف بالقضية الفلسطينية، وبدعم تام ومعلن من الجزائر كما أكده أبو جهاد نفسه، وقد توج ذلك الدعم بتأييد إنشاء ” منظمة التحرير الفلسطينية ” تيمنا بـ “جبهة التحرير الجزائرية” في ماي 1964م.

ثورة فلسطينية بأساليب جزائرية؟
تجسيدا للدعم العسكري الذي كانت الجزائر تقدمه للفلسطينيين وهي التي تتبنى خيار ” المقاومة المسلحة” حل بها أحمد الشقيري أحد أكبر قادة النضال السياسي الفلسطيني في 30 ديسمبر 1963م، وبعد عدة لقاءات مع مسؤولين جزائريين خرج بتصريح في نهاية الزيارة لمجلة ” آخر ساعة” المصرية قال فيه: ” أن قدماء المجاهدين في الجزائر سيؤطرون شباب فلسطين لا في الجزائر وحدها، بل في مصر وسوريا والعراق أيضا”، وهو ما تجسد بعد أن أعلن رفعت عودة ممثل منظمة التحرير الفلسطينية الجديد في الجزائر، عن بداية التمرينات العسكرية لعدد من قادة النضال الفلسطيني المتوافدين عليها منذ أواخر شهر جانفي من عام 1964م.
لقد كان اندلاع الثورة الفلسطينية المعاصرة في الأول من جانفي 1965م، بعمليات عسكرية أطلقتها وحدات الصاعقة الفتحاوية – التي تدرب معظم عناصرها في المدارس العسكرية الجزائرية – ضد أهداف إسرائيلية، وبأسلحة جزائرية وعربية، في مناطق متفرقة، منها ” ديشوم” وهي إحدى قري الجزائريين في فلسطين قرب الحدود اللبنانية، وفي الضفة الغربية والقطاع، معتمدة الأسلوب السري و”حرب العصابات” .. كانت مناسبة أخرى استلهم خلالها ” ثوار فتح” أسلوب حرب الثوار الجزائريين، حيث أكد ” أبو أياد” الذي أصبح قائدا للأجهزة الأمنية الخاصة لمنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، في مذكراته ” فلسطيني بلا هوية” أن: ” حرب العصابات التي اندلعت في الجزائر قبل تأسيس حركة فتح بخمس سنوات، أفادتنا إفادة عميقة. كنا مأخوذين بسرية الوطنيين الجزائريين، الذين استطاعوا أن يشكلوا جبهة صلبة، وأن يخوضوا المعركة ضد جيش دولة يفوق جيشهم ألف مرة… فكانوا رمزا -إن صح القول-للنجاح الذي كنا نحلم به” وهو ما كان يعنى أن حدود التأثر الفلسطيني بالثورة الجزائرية لم يتوقف عند حد اقتباس النصوص.
الخلاصة: أنه قدر ما كانت الثورة الجزائرية، ثورة وطنية عميقة جاءت لتعيد الاعتبار للقيم الوطنية المرتبطة أساسا بالحضارة العربية الإسلامية، قدر ما ألهمت المناضلين الفلسطينيين الذين استفادوا من خبراتها وأساليبها، معلنين الكفاح المسلح على نهجها، مؤمنين بفكرة الاعتماد على النفس، ولم يقتصر تأثرهم بالثورة الجزائرية على المستوى العسكري، والكفاح المسلح فحسب، بل إن رؤيتهم لإنجازات الثورة الجزائرية شكلت وعيهم لأهمية “الوحدة” الداخلية، إذ تشكلت ” منظمة التحرير” ومن بعدها ” الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” بقيادة جورج حبش، في محاكاة لـ “جبهة التحرير الجزائرية”، التي تأثر بها حبش، لتكون حاضنة للعديد من التنظيمات القومية واليسارية، وتعتمد أساسا على الدعم الشعبي بدل الجيوش والأنظمة العربية التي أثبتت عجزها بعد هزيمتها عام 1967م، واعتمدت في نضالها على العمل السري وحرب العصابات، كما وجد الفلسطينيون في الجزائر المستقلة داعما مؤثرا، فقد منحت للنشطاء منهم جوازات سفرها، حتى بأسماء حركية، لتسهيل تنقلاتهم ونشاطاتهم العسكرية والدبلوماسية، وأدخلت في جهد سياسي يحسب لدبلوماسيتها ياسر عرفات أول مرة الى الأمم المتحدة عام 1974م، واستضافت الفلسطينيين بعد خروجهم من بيروت عام 1982م، وبرمزية مرتبطة بمقدمات الثورة الفلسطينية، أعلن الراحل ” أبو عمار” استقلال دولة فلسطين من على أرضها ذات نوفمبر من عام 1988م، فمثلت الجزائر بفلسفة وأسلوب كفاحها الثوري، وبمثل هذا الدعم والمواقف، الصدى الذي لم يضاهيه آخر في كفاح وفكر الفلسطينيين الى الآن.
للموضوع مراجع

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!