جواهر
وجهات نظر

ضعي عنك ابن تيمية!

سمية سعادة
  • 5583
  • 36
ح.م

فجأة، وبدون مقدمات، تقرر أن تخلع سروال الجينز الضيق وتمسح الألوان المتداخلة على وجهها، وتجمع خصلات شعرها المصبوغ بالكستنائي وتخفيها تحت جلباب يميل إلى الأزرق الداكن، وخلف نقابها الأسود، تتفحص وجوه الفتيات والنساء باستغراب شديد، وكأنها لم تر في تبجحها وصفاقتها ووجهها المكشوف، غيرها، ولسانها لا يتوقف عن الحولقة والتعوذ، وفي داخلها شعور قوي بأنها فازت بالهداية وغيرها تعثرت خطاهن على طريق الضلال.

هذا هو حال بعض الفتيات اللواتي يقررن فجأة “الانعطاف” نحو التدين الذي لا تسبقه أي مؤشرات على مستوى الطاعات والعبادات، وإنما تظهر ملامحه على المظهر والسلوك الذي يبدو عنيفا ورافضا لكل ما يخالفه ويعاديه، وهي مسألة لها ما يفسرها على الصعيد النفسي عندما يتعلق الأمر بتقلب الأمزجة وما تحتاجه من فسحة و”تغيير جو”.

ورأيت ذلك بنفسي، في أحد المساجد التي ترتادها المتجلببات والمنقبات، اللواتي كن ينظرن إلى المحجبات مثلي نظرة ليس فيها ود، وتكاد ألسنتهن لو نطقت أن تقول، “هذا ليس مكانكن، البسن مثلنا أو اخرجن من هنا”.

وهذا الكلام، لا ينطبق على النساء اللواتي تدين تدينا مفاجئا وحسب، وإنما على من يعتبرن أنفسهن قد بلغن درجة من الالتزام الذي يجعلهن قادرات على التمييز بين الصالحات والطالحات.

ولست أنسى، رغم السنوات الطويلة التي مرت على هذه الحادثة، تلك الفتاة التي قررت يوما أن توقف الحرب مع إخوتها الذين لطالما تتبعوها خلسة في الطرقات والشوارع لما كانت تثيره من شبهات حول سلوكها ولباسها غير المحتشم، فلبست الجلباب والنقاب وتأبطت مجلدات ابن القيم وابن تيمية وهي التي أنهت دراستها في التاسعة أساسي، ثم بدأت تحرم وتحلل وتستنكر وتنتقد كل من يخالفها في رأيها أو يعترض على كلامها، ولعلها من الذين قال فيهم العلامة الكبير محمد الغزالي “هم يسمعون أن شعب الإيمان سبعون شعبة، بيد أنهم لا يعرفون فيها رأسا من ذنب ولا فريضة من نافلة، والتطبيق الذي يعرفون هو وحده الذي يقرون”.

ولعل هذا الأمر لا يختلف كثيرا، عن موجة التدين التي ركبتها بعض الفنانات المصريات، اللواتي تحولن بقدرة قادر إلى داعيات إلى الله، وصرن يعتبن على زميلاتهن اللواتي مازلن في الميدان، إحداهن، أوكلت لها مهمة تسيير مكتب الإعجاز العلمي في القاهرة، وقبل أن تجف دموع التوبة، عادت إلى الفن خطوة خطوة ثم نزعت حجابها قطعة قطعة!.

إن باب التوبة مفتوح للجميع، وقد أفلح من ركب في فلك الإيمان والتقوى، ولم يبق في معزل منه، ولكن ليس من الإسلام في شيء أن نتحول إلى أوصياء على الدين، وقضاة على الأرض نوزع العقوبات وصكوك الغفران على الناس لأننا نعتقد أننا أفقه منهم دينا، فما بالنا بأشخاص ثقافتهم الإسلامية ضحلة وزادهم في الدين قشور، ومع ذلك يسمحون لأنفسهم بأن يحاكموا ضمائر الناس، ويحكموا على نياتهم.

مقالات ذات صلة