جواهر
عندما تتحدى الإرادة الظروف السيئة

طالبة واصلت دراستها في الخفاء لتتحول إلى أستاذة جامعية

سمية سعادة
  • 12029
  • 52
ح.م

“أحياناً يقف الناس عاجزون عن تحقيق النجاح أو التقدم ليس لأنهم يفتقدون إلى المصادر الناجحة، ولكن لأنهم لا يعرفون ماذا يريدون، لا يعرفون ماذا يفعلون، لا يعتقدون أن في إمكانهم تحقيق ما يريدون، وهم يقضون معظم أوقاتهم يتساءلون لماذا لا ينالون ما يرغبون”، هذه المقولة لرائد التنمية البشرية الراحل إبراهيم الفقي، تنطبق على الكثير من الجزائريين الذين سجنوا أنفسهم داخل التفكير السلبي٬ وبنوا حولهم أسوارا عالية من التشاؤم والإحباط، ٬فلم تعد أشعة التفاؤل تتسلل إليهم٬ ولا أيدي النجاح تمتد إليهم٬ ولذلك نراهم يرمون أثقالهم على الظروف والجيران والحظ السيئ ومدير العمل والسحر والعين!.

وعلى عكس هؤلاء٬ توجد فئة من الناس رسمت طريقها في الحياة بطريقة صحيحة٬ وسارت فيه إلى أبعد نقطة٬ فصار بإمكانها أن تمسك النجاح بكلتا يديها رغم جبال من الظروف القاهرة٬ ومن بين هؤلاء، فتاتان جزائريتان رفعتا التحدي وركبتا سفينة النجاح.

منعها والدها من مواصلة الدراسة فأصبحت شاعرة

 التقيتها في إحدى الملتقيات الأدبية، كانت فتاة خجولة جدا لدرجة أنها لا تستطيع أن تنظر بملء بصرها في الشخص الذي ينظر إليها حتى وإن كانت فتاة في مثل سنها٬ وعرفت منها أنها قبل أكثر من 15 سنة بدأت تداعب القلم وتحضر بعض الأمسيات الشعرية والملتقيات الأدبية خفية عن والدها الذي كان صعب المراس٬ شديد البطش٬ حيث منعها  من مواصلة دراستها في السنة التاسعة أساسي بالرغم من أنها كانت مجتهدة٬ فقررت أن تواصل دراستها بالمراسلة، واستطاعت باجتهادها أن تلتحق بالمستوى الثانوي واختارت أن تواصل دراستها ضمن شعبة الأدب الذي كان يجري في عروقها٬ تدرجت في الثانوية إلى أن بلغت المرحلة النهائية وأثناء هذه الفترة زاد تعنت والدها٬ حيث منعها من حضور الدروس التي كان مركز تعميم التعليم ينظمها للطلبة كل يوم اثنين٬ إلا أنها لم تفشل، وضخت داخلها كميات كبيرة من الإرادة٬ فبدأت تشتري الكتب والمراجع التي تساعدها على فهم الدروس٬ ورغم انشغالها بتحضير شهادة البكالوريا إلا أنها لم تنقطع عن كتابة الشعر الذي تهواه٬ ثم بدأت تنشر قصائدها في بعض الصحف الوطنية، وعن هذه المرحلة تقول “م” : “لا يمكن أن تتصوروا مدى سعادتي عندما نشرت لي أول قصيدة في جريدة يومية٬ لقد أمضيت يوما كاملا وأنا أنظر إلى القصيدة وهي منشورة في الجريدة رغم أني أشرت إلى اسمي العائلي بالحرف الأول خوفا من أن يكتشف أخي أمري لأنه كان من قراء تلك الجريدة”٬ وواصلت “م” اجتهادها إلى أن حازت على شهادة البكالوريا ولكن والدها منعها من مواصلة دراستها في الجامعة الأمر الذي شكل لها نكسة كبيرة، ولكنها بعد فترة استعادت إرادتها وثقتها بنفسها وواصلت اجتهادها، حيث  قررت الالتحاق بإحدى الجامعات العربية التي تقدم دروسها عبر الانترنت، ومن أجل ذلك باعت “م” كل ما يصلح للبيع للالتحاق بهذه الجامعة وواصلت دراستها بنجاح واجتهاد، وخلال هذه الفترة كبرت شجرة موهبتها الشعرية،٬ حيث صارت من بين الشعراء المعروفين على المستوى العربي، والمثير للدهشة أن والدها بلغه نجاحها في ميدان الشعر فصار يشجعها ويفتخر بها أمام الناس. 

من طالبة في الخفاء إلى أستاذة جامعية!

أما الفتاة الثانية فقد روت لي عنها إحدى طالباتها.. نعم إحدى طالباتها، فهذه الفتاة التي أصبحت الآن أستاذة جامعية كان تسكن بأحد الأرياف العميقة التي تكاد تنتهي فيها الحياة٬ كان أبوها فلاحا بسيطا يعمل عند صاحب ارض زراعية كبيرة ويعود كل مساء منهك القوى٬ متوتر الأعصاب٬  طلبت منه ذات مرة أن يسمح لها  بإكمال دراستها على اعتبار أن الفتاة في هذه المنطقة لا يسمح لها بأكثر من السنة التاسعة، فاستشاط غضبا وهو يقسم أنها لن تضع قدمها في الثانوية٬ بكت الفتاة كثيرا ولكنها لم ترضخ للواقع٬ وكل ما كان يؤرقها هو كيفية شراء الأدوات المدرسية لأن أباها هو العائل الوحيد للعائلة وهو من منعها من مواصلة دراستها، ولكن شوقها الكبير للدراسة جعلها تستدين مبلغا من ابنة عمها لشراء ما يلزمها من أدوات، كانت تذهب إلى الثانوية بعد أن يذهب أبوها إلى عمله ومن حسن حظها أنه لم يكن يعود إلى البيت إلا بعد أن تغرب الشمس٬ حينها تكون قد عادت إلى البيت، ومن حسن حظها أيضا، أن أساتذتها تفهموا وضعها وسمحوا لها بكتابة الدروس بقلم الرصاص حتى يتسنى لها أن تمحو الدروس في نهاية العام لتستغل الكراريس في السنة المقبلة وهكذا دواليك إلى أن حازت على شهادة البكالوريا بتقدير جيد واضطرت حينها أن تكشف الحقيقة التي أخفتها عن والدها لثلاث سنوات الذي تفاجأ كثيرا٬ وبعد اخذ ورد سمح لها بمواصلة دراستها في الجامعة، حيث استطاعت أن تحقق نجاحات كبيرة مكنتها من الحصول على درجة دكتوراه في الاقتصاد وهو ما أهّلها للتدريس في الجامعة .

أطلقي العملاق..

مثل هذه النماذج النسائية التي رفعت التحدي في وجه الظروف القاهرة وحولت الليمونة الحامضة إلى شراب حلو، هي التي نحتاجها في المجتمع لنرتقي به، خاصة وأن المرأة تقع عليها مسؤولية كبيرة في تربية الأجيال، وتنشأتهم تنشئة صالحة، وكل المطلوب منها أن تفتش عن المواهب التي تتمتع بها وتطلق العملاق الذي ينام داخلها.

مقالات ذات صلة