-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

طلب الحرية ضمن قفص التغريب!

محمد سليم قلالة
  • 1194
  • 10
طلب الحرية ضمن قفص التغريب!

لَعلنا نعيش اليوم حالة فوضى في القيم، واضطرابا في الأطر الفكرية، وضبابية في الرؤية المستقبلية، لم تعرفها أمتنا الإسلامية حتى في أَحلَكِ ظروفها. كلٌ يَدَّعِي الوعي، الفهم الإدراك والمعرفة، ولكن على طريقته، بلا مرجعية ولا رموز فكرية واضحة، ولا علم! هي شعارات يرفعها الكثير، لأنها بَدَتْ لهم رَنَّانة، حاملة للأمل، أو عالمية: الديمقراطية، حقوق الانسان، حرية الرأي والمعتقد، المساواة… الخ، إلا أنهم أبدا ما طَرحوا بشأنها الأسئلة الرئيسة التالية: ضمن أي إطار حضاري ينبغي أن تكون؟ وعلى أي قاعدة من القيم ينبغي أن تَرتكز؟ وأي محتوى فكري ينبغي أنْ تَحمل؟ وما هي الشخصيات الفكرية والسياسية المرجعية التي ترمز لها؟

 ولا طرحوا الأسئلة الفرعية المنبثقة عن هذه الأسئلة الرئيسة: لماذا يُفرَضُ علينا فهم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية والمساواة كما يفهمها الأمريكي والأوروبي، وكما يُمارسها في واقعه المعيش؟ لماذا نُضطَر لأخذ هذه القيم فقط من المنظور الغربي الليبرالي، المستلهَم من الإطار الحضاري الإغريقو- روماني الفاوستي، في نطاق القيم المسيحية – اليهودية؟

بل إن غالبية مِنَّا لم يُحاولوا إدراك، لِمَ يكون هذا الغربي الأوروبي أو الأمريكي هو أول من يُحارب الديمقراطية ويَدْعم الاستبداد والدكتاتورية ويَعتَدي على الحرية وحقوق الإنسان ويقبل الظلم، إذا ما لاحظ أن أيا من هذه القيم والخيارات ستُقَوِّضُ مصالحه، أو سَتَفضي إلى إحياء قيم وطنية غير قِيَمِه، إن كانت إسلامية أو افريقية أو لاتينية أو آسيوية؟ لِمَ لا يرى الجميع كيف أنه حارب قيمه بالفعل بما فيها الديمقراطية ومازال يفعل كلما لاحظ وجود تطلع لاستعادة الذات الحضارية أو الخروج من الهيمنة الأمريكية – الصهيونية – الأوروبية؟ ألم يفعل ذلك في الجزائر ومصر وإيران وتركيا، وقبلها في الكونغو وتشيلي والسلفادور؟ ألا يقوم اليوم بشن الحرب عن كل بديل للتحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية غير بديله، في الصين وروسيا، وحتى في دول صغرى كالصومال والنيجر ومالي، بها قوى تتطلع أن تستعيد ذاتيتها الإفريقية الأصيلة؟

ألا يرى جميعنا أن أنصارَه الذين يبدو أحيانا أنهم شبه مُصطفين إلى جانب شعوبهم في نهضتها ضد الاستبداد والظلم، لا يلبثوا أن ينكشفوا عن حقيقتهم، وينقلبوا على شعوبهم، بمجرد انتصار هذه الشعوب لأصالتها وتاريخها ورفضها للتغريب؟ ألم يُسارِع البعض منهم في أول فرصة أتيحت لهم في بلادنا ليطعنوا ويسخروا من القيم الباديسية والنوفمبريية تحت غطاء محاربة النظام؟ ألم يُسقِط البعض الآخر رئيسا منتخبا ديمقراطيا في مصر باسم محاربة الإسلاموية؟

ألا يَدلُ هذا أن مفهوم التغيير ذاته، ليس بنفس المعنى عند الجميع؟ ألا يؤكد هذا أن أي عمل سياسي أو ثوري من غير قاعدة فكرية وحضارية واضحة سيكون بالضرورة مؤطرا من قبل آخرين لا نعلمهم؟ وبالضرورة ضمن قفص التغريب؟

أليس هذا هو حالنا اليوم؟ في الوقت الذي نعتقد أننا نسير باتجاه هدفنا المشروع في الإصلاح الوطني ضمن ثوابتنا الفكرية والسياسية والتاريخية وخطنا الحضاري، يقوم آخرون بتحريف وجهتنا، باسم العصرنة والتحديث والتمدين والعالمية وغيرها من المصطلحات الرنَّانة…

هل نكون سادة أنفسنا هذه المرة ونخرج من فوضى القيم واضطراب الأطر الفكرية إلى الرؤية الواضحة الحاملة لمشروعها الحضاري المتميز؟ أم أننا سنرضى بالبقاء ضمن القفص الفكري الذي سَجَنَنَا الغرب ضمنه منذ موجة الاستعمار الأولى، وفي كل مرة يوهمنا من خلال توسعته بعض الشيء أننا أصبحنا أحرارا؟ أليس هذا هو سؤال الوعي الأساسي إذا أردنا أن نكون بالفعل أحرارا…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
10
  • amis

    من تنكر لهويته محاولا تَقَمُصِ هَوِيَات غيره : شرقية وغربية . ومن تنكر لتاريخه حيث حرفه بِمَحْضِ إرادته . ومن رفض رَدُّ الاعتبار لثقافته . ومن إحتقر ماضيه .. فلماذا يبكي ويلوم غيره ؟ وكيف يتنظراحترام الآخرين له ؟ ووو نحن نحصد ما زرعنا فلا يجب الا اللوم على أنفسنا .

  • فارس الظهرة

    إلى حوحو الجزائر ،الحكمة تقول : خير الكلام ما قلّ ودلّ. إنّ ما يدعّم ما ذكرته في تعليقي من حقائق هو خطاب للشيخ محمد البشير الإبراهيمي موجود في كتاب السنة التاسعة أساسية سابقا صفحة : 129 ،أنصحك بقراءته وفهم معانيه لكي تدرك أنّ دسائس الغرب ليست وليدة العهد وإنّما قديمة قِدَمَ عداوة إبليس لأبينا آدم ، أمّا إذا كانت لك رؤية ونظرة أخرى تريد بها أن تدافع عن الغرب ،فهذا شأنك.

  • امل

    مقال جيد يستحق التأمل والتوقف عنده،فنحن اليوم نتعرض فعلا لتحريف وجهتنا ومحاولة تغيير مسارنا الصحيح الذي ينبغي ان نراعي فيه تاريخنا وقيمنا الحضارية مع التقدم نحو الافضل

  • حوحو الجزائر

    فارس الظهرة : كلامك غريب حقا حين تحاول أن تمسح في الغرب ما صنعته عقولنا وسلوكاتنا ... لا أحد هاجم دينك ولغتك يا رجل . ففي الجزائر مثلا 20 الف مسجد تملأ بالمصلين يوميا ولا أحد رفض لهم ذلك ونفس الشيء يقال عن كل البلدان الاسلامية تقول : استعمل لذلك العلماء( علماء الدّين) الّذين شجّعوا البدعَ ... علماء الدين هم جزائرين ومصريين وسعوديين ... يعيشون في دولهم ولا أحد استحدثهم واستحدث خزعبلاتهم الا عقولهم و مدارسهم وكلياتهم كالأزهر واخواتها .. وأخيرا : نخاف يوما أن تلوم الغرب حتى على الزلزال الذي ضرب بجاية قبل أيام .

  • almanzor

    و في الجانب المقابل : ألم تُشيطن الدول العربية الدكتاتورية الفاشلة الديمقراطية لتجعل شعوبها تستسلم ل"ولي أمرها" وتقبل ظلمه تحت حجة "استبداد رئيسنا و سيدنا وولي نعمتنا خير من فوضى الديمقراطية"؟ و بما أنكم تتهمون الشعوب الثائرة أنها تسير دون وعي ولا علم ولا مشروع سياسي واضح، هل تظنون أن الذين يحكمون بلادنا الآن لديهم أدنى فكر أو رؤية اسستراتيجية أو مشروع حضاري؟ لا نريد أن نصير دمًى يحركها الغرب لمصالحه، ولا نقبل أيضا أن نكون عبيدًا لحكام مستبدين : هذه هي فلسفتنا و علمنا، وكفى بها فلسفة.

  • tadaz tabraz

    ولا طرحوا الأسئلة الفرعية المنبثقة عن هذه الأسئلة الرئيسة: لماذا يُفرَضُ علينا فهم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية والمساواة كما يفهمها الأمريكي والأوروبي ... للديموقراطية مفهوم عالمي أي لا وجود لديموقراطية أمريكية وأخري صينية ... ولا وجود لديموقراطية غربية وأخرى شرقية ولا وجود لديموقراطية اسلامية وأخرى مسيحية ... الخ وبالتالي فلا داعي للتلاعب بالعقول فالديموقراطية هي حكم الشعب أو مشاركة الشعب في تسيير شؤونه عن طريق ممثليه مع احترام أركانها : الانتخابات - احترام جميع الحقوق والحريات ( حرية الرأي والتعبير والتدين والصحافة... ) - التسامح - اللامركزية - الفصل بين السلطات... الخ وهذا المفهوم لا هو شرقي ولا هو غربي بل مفهوم عالمي منذ أن مارس الانسان هذا النوع من الحكم قبل حوالي 2500 سنة

  • محمد

    يا أستاذنا الفاضل أخشى أنك تغرد خارج السرب فهؤلاء الذين تتكلم عنهم قد رضعوا ونمت خلايا عقولهم من الثقافة التغريبيةالتمسيخيةفلا مجال لديهم للمراجعة و التفكير

  • حوحو الجزائر

    لو استشهدت بالديموقراطيات الهولندية والنرويجية والسويسرية .... لتمكنت من اقناعنا أما أن تستشهد بالديكتاتورية الصينية بلد 1.3 مليار نسمة : منع التجمعات ومنع تكوين الجمعيات والأحزاب والنقابات وكل من عارض النظام مصيره المقصلة... الخ ثم تسميها ديموقراطية فتلك هي الكارثة . ثم ما الفرق بين النظام المصري الذي يقال أنه مستبد حيث أسقط نظاما منتخبا اخوانيا وووووووو والنظام الصيني وما يرتكبه من جرائم في حق أقلية الايغوار بل وما يرتكبه من جرائم واستبداد ي حق كل من فتح فمه .

  • فارس الظهرة

    إنّ الغرب درس أحوال العرب من شتّى مجالات الحياة واستنتج أنّ العرب ما داموا متمسّكين بالإسلام واللّغة فلن يتضعضعوا ، فبدأ الغرب بمهاجمة الدّين واللّغة ، فاستعمل لذلك العلماء( علماء الدّين) الّذين شجّعوا البدعَ المُحْدَثة في الدّين ، ثمّ لجأ المستعمر إلى الكبراء فأغواهم بالألقاب والرّتب والمال فما استفاق العرب إلاّ والوطن العربي مقسّم إلى أوطان ودول ،ثمّ فتح الغربُ أبوابَ الحضارة الغربية لشباب الأمّة العربية الإسلامية فتحوّل المسلم عن قبلته من الشرق إلى الغرب والتحق بالمعاهد الغربية التي تأتي البنيان من القواعد ،ثمّ عاد إلى وطنه ومعه اسمه وليس معه عقله ( عاد بعقل يحمل ثقافة غربية أوربية )، وهذه هي المصيبة الكبرى التي ما زلنا نجني ثمارها المرّة إلى يومنا هذا .ومن الحلول التي يمكن أن تكون في صالح الأمة العربية الإسلامية هي أن يرتفق بعضنا فيما يزيد فيه بعضنا على بعضنا .

  • جلال

    لو كان لنا مشروع حضاري واضح لما سقطنا في فخ ما تسميه " التغريب" هذا أولا وثانيا لا يوجد صراع حضارات وإنما صراع مصالح وسياسات وسلطات , فالحضارة إنسانية ,صرح واحد شاركت في بنائه كل الشعوب,والعجيب أن من يسمي الغرب “دار الكفر وبلاد الكفار” ويطبقون أحكام الردة والنفي والتكفير والعمالة وقوانين الولاء والبراء على خصومهم في الفكر، هم أول المتهالكين على نتاج الحضارة الغربي, لماذا لا نلوم أنفسنا أو نسألها لماذا استعمرنا الغرب وهل كنا أحياء أم أموات؟! لأن عقلنا ترادفي وقياسي وهو بالتالي غير قادر على الإبداع أو الابتكار, ووعينا الجمعي مخدر ونحن من بدأهم بالغزو دون أن نعد العدة لردة الفعل الغاضبة فعرفوا كيف يستثمرون دنياهم وقعدنا نحن مع الخالفين نفتي بأن كل بدعة ضلالة وهل يمكن محاربتهم بنفس أسلحتهم كما حار فقهاء المغرب مثلا في ذلك لأن الرسول كان يحارب بالسيف وليس بالبندقية , واجه أنت البندقية بالسيف وواجه أفكارهم إذن بشطحات مشايخية ولا حول ولا قوة الا بالله !!!