-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
ثاموغلي

طيب أُوردغان… نحو استثمار الموروث العثماني؟

طيب أُوردغان… نحو استثمار الموروث العثماني؟

يشكل رئيس الوزراء التركي طيب أُوردغان، تفردا سياسيا في تاريخ دولة تركيا الحديثة العََلمانية، التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك في مطلع القرن العشرين، على أنقاض سقوط الدولة العثمانية، التي كانت آخر من تولى شأن الخلافة الإسلامية.

  • ومن تجليات تفرّديته، مساعيه الحثيثة الرامية إلى استرجاع تركيا لدورها البارز في العالم العربي، بعد أن أدارت ظهرها للعرب، وارتمت في أحضان الغرب لمدة تقارب قرنا من الزمن، اشتد فيها التنكر لأصالتها المشرقية – الإسلامية. ورغم ذلك فإنها لم تحصل على العضوية في الاتحاد الأوروبي المؤسس على الحضارة المسيحية. فهل كان تلكؤ الأوربيين في قبولها، عاملا ساعد حزب العدالة والتنمية – الذي ينتمي إليه أُوردغان- على استرجاع  وعيه الهوياتي المشرقي، وأقنعه بأن الفضاء العربي- الإسلامي هو مجاله الطبيعي الذي يكسبه مكانة إقليمية مرموقة، تؤهله للتفاوض مع أوروبا من موقف قوة؟
  • الإسلام السياسي في تركيا العََلمانية
  • أسس مصطفى كمال أتاتورك دولة تركيا الحديثة على أســس العَـلمانية، والتوجه نحو الفضاء الأوروبي الغربي، واستطاعت بهذه الصفة أن تحقق تقدما اقتصاديا واجتماعيا أخرجها من التخلف. ورغم صرامة العسكر التركي في الدفاع عن النظام العلماني، فقد استطاع التيار الإسلامي التركي بعد طول التجربة أن يجد لنفسه هامشا للحركة، وأن يتأقلم مع طبيعة الدولة العلمانية، وهذا بفضل اعتداله، وتحرره من ثقافة الدولة الدينية الثيوقراطية، وإعلان إيمانه بالدولة المدنية المؤسسة على السيادة الشعبية والديمقراطية، ولاقتناعه بأن العلمانية لا تعدو أن تكون إحدى آليات الديمقراطية، ولا تعني فصل الشعب والمجتمع عن دينه وإيمانه، ولتشبعه بالبراغماتية. وباختصار فهو يستلهم سياسته من القيم الإسلامية دون رفع شعارها، مفضلا طريق ” التقية”، عملا بحكمة ” أمدّ رجلي قدر ثيابي”، ولأن العبرة بالنتائج وليس إلا. وفضلا عن ذلك فإن تجذر الإسلام في المجتمع التركي، قد ساعد حزب طيب أُوردغان (حزب العدالة والتنمية) في الوصول إلى سدة الحكم سنة 2002م، وازدادت شعبيته بفضل حسن إدارته لدفة الحكم ورشاد سياسته، التي حققت تقدما كبيرا للشعب التركي على الصعيدين الداخلي والخارجي.
  • السياسة العربية الجديدة لتركيا
  • إن ما تجدر الإشارة إليه أن سعي حكومة أُوردغان لبناء علاقة جديدة مع العالم العربي، لا يتعارض مع التوجه الأوروبي للدولة التركية. ورغم ذلك فقد لاقت مساعيه هذه معارضة من طرف العسكر والتيار السياسي الكمالي، لكن الانتصارات السياسية والاقتصادية الكاسحة لحزب العدالة والتنمية، قد ساعدته على المضي قدما في تنفيذ سياسته الجديدة.
  • ويعود الفضل في  التأسيس لهذه العلاقة العربية التركية الجديدة إلى شخصية وزير الخارجية أحمد داود أُوغلو، الذي ألـّف سنة 2001م كتابا قيّما ( 600 صفحة) حول السياسة الخارجية التركية بعنوان: ] العمق الاستراتيجي[، أخذت معالم السياسة العربية الجديدة المقترحة، فيه حصة الأسد. فمن هو هذا الشخص المنظـّر لهذه السياسة الجديدة، الذي انتبه إلى أهمية العمق العربي لدولة تركيا؟
  • ينتمي أحمد داود أُوغلو إلى تيار الفكر الإسلامي ، قضى مساره المهني كأستاذ للعلوم السياسية، في جامعة ماليزية، ثم في جامعة مرمرة بتركيا، ودرّس أيضا في الأكاديمية العسكرية. وعندما أصدر كتابه المذكور، أُعجب به حزب العدالة والتنمية وأدرك أهميته العلمية والسياسية، لذا تم تعيين مؤلفه – بعد وصول الحزب إلى سدة الحكم سنة 2002- مستشارا لرئيس الوزراء في الشؤون الخارجية، ثم عيّن وزيرا للشؤون الخارجية منذ شهر ماي 2009، وقد مكـّنته هذه المسؤولية السياسية من تطبيق أفكاره الإصلاحية.
  • معالم التقارب التركي العربي
  • دعا أحمد داود أُوغلو إلى إعادة بناء السياسة الخارجية لتركيا على البعدين التاريخي والجغرافي، لذا فمن الضروري – برأيه- إدراج الموروث التاريخي والثقافي للسلطنة العثمانية، ضمن مكونات هوية تركيا الحديثة دون خوف على توجهها الحداثي. ويرى أن هذا البعد التاريخي سيساعد تركيا على أن تصبح قوة إقليمية كبيرة، تمكنها من التفاوض مع القوى الكبرى، وفي يدها أوراق رابحة. لذا فهو يرى أنه من الخطأ تقديم التقارب الأوروبي، على التقارب العربي- الإسلامي في سياسة تركيا الخارجية. ولعل أبرز مظاهر هذه السياسية الجديدة، تحسين العلاقات مع الدول العربية، تجلت في العديد من المواقف الشجاعة لطيب أُوردغان، كعدم ترخيصه للقوات الأمريكية باستعمال المجال الجوي التركي أثناء اعتدائها على العراق سنة 2003، ودعم القضية الفلسطينية بواقعية فعالة أربكت إسرائيل، ولا يزال في الأذهان انسحابه من ملتقى دايفوس الذي حضره رئيس دولة إسرائيل شيمون بيريز، في جانفي 2009، احتجاجا على العدوان  الصهيوني على قطاع غزة. بالإضافة إلى مجموعة من الإجراءات الأخرى لدعم فلسطينيي غزة المحاصرين. وقرر أُوردغان عقب رفض إسرائيل تقديم اعتذار لتركيا، جراء اعتدائها في المياه الدولية قبالة غزة،على  سفينة مرمرة ( أسطول الحرية) التي نقلت المساعدات إلى قطاع غزة،  قرر تجميد العلاقات مع دولة إسرائيل، معلنا أن الزمن الذي كانت فيه إسرائيل تصول وتجول خارج القانون الدولي قد ولىّ. وفضلا عن ذلك فقد وقف أُوردغان في صف الشعوب العربية الثائرة ضد استبداد الحكام وتسلطهم.
  • كل ذلك عمل على تلميع صورته لدى الشعوب العربية، التي صارت ترى فيه زعيما إسلاميا، أعاد بعض الاعتبار للشرف العربي المهان من طرف الصهاينة. لذا استقبل زياراته لبعض البلدان العربية التي تحررت من الاستبداد ( مصر، وتونس، وليبيا) استقبال الأبطال، يبشر بمزيد من دعم العلاقات التركية العربية.
  • هل سيقتدي الإسلاميون بالنموذج التركي؟
  • تعتبر التجربة التركية رائدة في نجاح الإسلاميين في الوصول إلى سدة الحكم دون المساس بمؤسسات الدولة المدنية وبطابعها العََلماني. فهل ستقنع هذه التجربة “القدوة” التيارات الإسلامية العربية، بضرورة تغيير نظرتها السلبية إلى العَلمانية؟. والجدير بالذكر أن محمد عبده – الذي مثـّل الوعي الإسلامي في عهده- لم يعتبر العلمانية مناقضة للإسلام، ومن جهة أخرى، أدرك عبد الرحمن الكواكبي العلاقة العضوية بين محاربة الاستبداد والعلمانية(عبد الرزاق عيد،الديمقراطية بين العمانية والإسلام، دار الفكر، ص68  – 72).
  • وإذا كان “الإخوان المسلمون” في مصر قد انزعجوا من أُوردغان الذي نصح المصريين بإدراج العلمانية ضمن مقومات الدولة الديمقراطية المزمع بناؤها هناك، فإن حركة النهضة التونسية، لم تخف انبهارها بالتجربة التركية، وقد يفسر ذلك  بنجاح الرئيس بورقيبة إلى حد ما، في تكريس ثقافة العلمانية بتونس، وبتأقلم راشد الغنوشي (رئيس حركة النهضة) مع الفكر العلماني أثناء تواجده بالمنفى لعقود طويلة. ومهما اختلفت الآراء، فإن المؤكد أن الواقع قد أكد نجاح تجربة تركيا الإسلامية نجاحا باهرا في تطوير الاقتصاد وتحقيق الرفاهية للشعب التركي، في ظل الدولة العلمانية. 
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!