الشروق العربي
اختيار التكوين المناسب بعد الفشل الدراسي

عائق يواجه الشباب ويقودهم إلى أزمات نفسية

نسيبة علال
  • 1663
  • 4
ح.م

يفشل الكثير، كل سنة، في اجتياز الأطوار التعليمية المختلفة، فيتجهون إما صوب إعادة السنة ومحاولة النجاح من جديد، إما إلى الحياة المهنية، فيما تتجه فئة واسعة صوب التكوين في ميادين شتى، لكن الظروف التي تدفعهم إلى اختيار التكوين، بالإضافة إلى الحالة النفسية الحرجة التي يكون عليها التلميذ أو الطالب ومحيطه، قد تؤثر على اخياره بصفة سلبية، ما يعرضه إلى عقبات عديدة في المستقبل، ويؤزم المشكل أكثر فأكثر.

 رغم الانتشار الرهيب لمراكز التكوين العمومية والخاصة، وطول قائمة الاختصاصات المتاحة أمام الأفراد، الذين لم يوفقوا دراسيا، إلا أن غياب التوجيه والإرشاد وتقديم شروح وافية حول تخصصات التكوين، يعد من أهم الأسباب التي تدفع بالطالب إلى اختيار تكوين عشوائي، أقصى ما يرجوه منه هو الحصول على عمل بعد التخرج، ولكن الواقع حسب الأخصائية النفسية والاجتماعية، الأستاذة رويبي كريمة، يقول غير ذلك: “فالمتربص في حاجة إلى معرفة ميولاته وتوجهاته، والتأكد منها. فالذي يحمل توجها فنيا إبداعيا، لا تصلح له التخصصات من شاكلة المحاسبة والرقانة والتبريد.. وإنما هو في حاجة إلى اختيار النجارة أو الحدادة، أو الجبس أو تصميم الأزياء، وما إلى هذا..”. وتشدد الأخصائية على أن من أكبر الأخطاء التي تؤثر على مستقبل الفرد بعد سنوات، أنه لا يختار وفق رغباته وميولاته، وإنما يختار مجبرا أو شبه ذلك في ظروف نفسية صعبة ومع بعض الضغوط من الأسرة والمجتمع، فيتوجه لا شعوريا إلى اختيار التكوين الذي يوافق مستواه الدراسي حتى لا يقلل من شأنه، فإذا كان قد ترك الدراسة في السنة الثانية جامعي مثلا، فإنه سيجد صعوبة كبيرة في تقبل تربص لا يتطلب سوى مستوى الأولى ثانوي، وهنا يجب التحرر التام من نظرة المجتمع وعقدة النقص حيال بعض التخصصات، فكلها مهمة في الحياة ولها مكانتها.

تركوا التكوين واقتنعوا بالفشل

يخلف اختيار التخصص الخاطئ بعد الفشل الدراسي تبعات سيئة جدا على نفسية الفرد، فقد يقوده ذلك حسب أخصائيين، إلى الفشل التام، أو الدخول في كآبة حادة طويلة الأمد، نتيجة شعوره بالدونية وعدم قدرته على تحقيق نتائج، لا على الصعيد العلمي ولا على الصعيد العملي. وللبحث عن عينات من هذا النوع، توجهنا إلى مركز التكوين المهني والتمهين بأولاد يعيش، ولاية البليدة، وطلبنا المساعدة من الأستاذة “ن. ص”، بحيث أطلعتنا على حالة المتربصة “حبيبة”، 28 سنة، التي تركت مقاعد الثانوية بعد فشلها في شهادة البكالوريا ثلاث مرات متتالية، فاختارت التكوين.. تقول حبيبة، التي التقيناها بالمركز: “سجلت لأدرس المحاسبة، لكون هدفي كان العمل في وظيفة عمومية، رغم أنني أجيد الفنون، ولكنني لم أوفق، وسرعان ما وجدت نفسي دخيلة على هذا المجال تماما، انتابني شعور الفشل مجددا وتعمق بداخلي، حتى عانيت من الكآبة بعد مكوثي بالمنزل..”. حبيبة تجاوزت أزمتها تلك بفضل أخصائي نفساني، وعادت إلى التربص مجددا في تخصص الخياطة وتصميم الأزياء. تقول الأستاذة “ن. ص”: “إنها تبلي حسنا، حتى إنها فتحت ورشة خاصة بمنزلها، وأبدعت في الميدان، إلى درجة جعلتها تكسب ود العديد من الزبونات المولعات بإنتاجها، حتى قبل أن تنال الشهادة”. على عكس حياة، يروي لمين قصته مع التكوين في مجال التبريد وتصليح المكيفات، وكيف كان هذا التخصص واسع الطلب مقبرة لطموحه: “درست سنة أولى ميكانيك بالجامعة، بعد نيلي شهادة البكالوريا، بمعدل فوق المتوسط، ولكنني رسبت بمعدل 06، كانت صدمة حادة لي ولوالديّ..”. لأجل هذا، اختار لمين أن يختصر الطريق ويتربص بمعهد بئر مراد رايس للتبريد، نظرا إلى أن هذا التخصص مطلوب كثيرا، والعمل به متوفر، يضيف: “لم يكن التكوين الحرفي بالسهولة والبساطة التي توقعتها، ولم أجده ممتعا أو متوافقا مع تطلعاتي وميولاتي، حتى إنه في الوقت الذي كنت أجد صعوبة كبيرة جدا في فهم واستيعاب الدرس، كان أقراني وزملائي المتربصين يجنون مالا جراء تصليح وتركيب مبردات عوائلهم وجيرانهم”.. وضعية لمين، حسب الأخصائية النفسية والاجتماعية، هي نتاج للتخصص السيئ، ومن الصعب بعد الذي مر به أن تعود ثقته بنفسه وبخياراته، وهذا ما يحيله الآن إلى البطالة والشعور بالنقص.

مقالات ذات صلة
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!